ما بین مغامرة حزب الله و أنظمة الخنوع

ما بین مغامرة حزب الله و أنظمة الخنوع
لا بد لکل من تابع الفضائیات والقنوات المختلفة وهی تنقل عملیة تحریر الأسرى انه لاحظ بأن تلک القنوات التی جندت نفسها على مدى السنوات الماضیة والتی کان جزء منها قد تم تأسیسها وخصصت الملایین من الدولارات لتطویرها من اجل الترویج وبث السموم ضد قوى المقاومة وکل من یلتف حول هذا الخیار حاولت تغییب مشهد الانتصار الذی تجلى فی أبهى صوره عندما تخطى الأسرى حدود دولة الاغتصاب ودخلوا إلى ارض الحریة والمقاومة، هذا المشهد الذی تعاملت معه تلک الفضائیات والقنوات المشبوهة وکأنه لم یکن، الفضائیات إیاها لم تحاول المشارکة فی بث تلک التظاهرة التی شاهدها ملایین لا بل عشرات الملایین من المشاهدین عبر العالم وخاصة العربی والإسلامی.
محاولات تغییب مشهد الانتصار بهذه الفجاجة لم تکن سوى دلیل على قلة الذکاء لأولئک القائمین على تلک القنوات لأنهم بذلک إنما ساهموا فی فضح ذاتهم – المفضوحة أصلا- ذکرنی هذا التصرف بما کانت تمارسه بعض الإذاعات أو القنوات الرسمیة العربیة التی کانت تمارس السیاسة نفسها عندما کانت تتجاهل الکثیر من الأحداث الهامة التی تحدث فی قلب عواصمها ومدنها فی محاولة منها لإخفاء الحقیقة - وتضع رأسها فی الرمل- فیضطر المواطن إلى اللجوء إلى مصادر أخرى مثل البی بی سی أو سواها أو حتى إلى قنوات أو محطات إذاعیة قد تکون معادیة من اجل استقاء الأخبار أو بعض المعلومات فیما یتعلق بهذا الحدث أو ذاک.
تلک الفضائیات تعاملت مع الموضوع وکأنه لیس الحدث الأهم والأکثر بروزا وهی الفضائیات التی تخصصت فی نقل کل ما یحدث على الساحة اللبنانیة وفی کل ما یمکن أن یعمق الانقسام فی لبنان أو فی کل ما یمکن أن یسیء إلى قوى المقاومة والتحریر فی لبنان، وهی التی کانت ولا زالت تنقل کل سموم أصحاب فتاوى الدس والقسمة والفئویة والطائفیة، وهی التی کانت تبحث عن أی قلم أو متحدث باع نفسه للشیطان فصار ینظٌر بدون خجل أو تردد ضد حزب الله والقوى الخیرة فی لبنان والعالم، وهی نفسها التی روجت تلک المقولة البائسة التی طلبها منها سادة أنظمتها من أن اسر الجنود الإسرائیلیین کانت مغامرة غیر محسوبة وأنها جرت على لبنان الویل والثبور وعظائم الأمور.
کنت أتمنى أن یجلس من روج لمحاولات الفتنة ومن أفتى بتکفیر المقاومین ووضعهم على نفس المستوى من غلاة المستوطنین أن یجد الشجاعة لینظر فی عیون الناس الذین تسمروا أمام القنوات التی نقلت الحدث وان تکون لدیه الجرأة لیسألهم عن مشاعرهم فی تلک اللحظة، وان تکون لدیه الجرأة کذلک لان یعترف بان ما یشاهده فی تلک العیون قلما یراه فیها لأن لحظات الانتصار عند العربان إنما هی لحظات نادرة وعزیزة وقلما وفرتها أنظمة الردة العربیة لتلک العیون العطشى لمثل هذه اللحظة.
مغامرة حزب الله کما أراد أن یطلق علیها بدون أدنى خجل من عاهد نفسه على ألا یرتبط سوى بأعداء الأمة، هی الطریقة التی استطاع من خلالها هذا الحزب وقوى المقاومة اللبنانیة التی اصطفت معه أن یطلق سراح الأسرى اللبنانیین محررین بعزة وکرامة، وهی الطریقة التی أعادت رفات حوالی مائتین من الشهداء لیتم دفنهم فی مراسم تلیق بتضحیاتهم، وهی الطریقة التی أثارت داخل إسرائیل من الضجة ما لم تثره الکثیر من القضایا والأحداث على مدى سنوات الصراع، کما أنها نفسها التی أجبرت دولة الاغتصاب على أن تتنازل عما کان بالنسبة إلیها من الممنوعات والخطوط الحمراء فیما قیل عنه- الأیدی الملطخة بالدم-.
لقد مارس العربان وأنظمتهم ما اعتبروه سیاسة التعقل والمنطق، هذه السیاسة التی ننظر إلیها على أنها سیاسة تنم عن الجبن والعجز وعدم المقدرة أکثر مما هی سیاسة التعقل -والعقلنة-، وهی کانت سیاسة ترتبط ارتباطا وثیقا بالسید الأمیرکی أکثر منها سیاسة الحرص على البلاد والعباد خاصة فی ظل تخلف البلاد وإبقائها تحت رحمة الدیون والخضوع والخنوع،ثم ما الذی أتت به تلک السیاسات؟، هل حررت أسیرا واحدا من سجون الاحتلال البغیض؟، وهل ساهمت تلک السیاسات باسترجاع رفات لشهید واحد برغم وجود اتفاقیات – السلام-الموقعة بین تلک الدول ودولة الاغتصاب؟، وهل ساهمت أو ساعدت على استرجاع حق مغتصب واحد؟ وهل حررت شبرا من الأرض المغتصبة واحد؟، إنها سیاسة الذل والمهانة والجبن والخشیة من السید الذی تأتمر به تلک الأنظمة، سیاسة التبعیة التی لم تجلب على الأمة إلا مزیدا من الهوان والاستعباد والتخلف.
القضیة فی الواقع تعود إلى الانتصار الأول الذی حققته المقاومة اللبنانیة بقیادة حزب الله فی أیار عام 2005 عندما اضطرت إسرائیل أن تخرج من الأراضی اللبنانیة مدحورة بهزیمة لا شبیه لها خلال سنوات الصراع العربی الإسرائیلی، عند ذاک ومذ ذاک انبرت مجموعة من الألسن والأقلام والفضائیات للتشکیک والمطالبة لقوى المقاومة بان تتخلى عن السلاح طالما تم تحریر الأرض وأبى سید المقاومة ذلک لأنه أراد أن یمارس حقه الطبیعی فی النضال من اجل تحریر بقیة الأرض فی شبعا وکذلک اعتبر أن معرکة الأسرى هی معرکته ومعرکة کل الأحرار، ثم حدث ما حدث فی حرب تموز التی أطاحت بالعدید من الرؤوس فی إسرائیل واثبت المقاومة قدرة غیر عادیة على التصدی – للجیش الذی لا یقهر- لا بل وغیرت الکثیر من الاستراتیجیات والمفاهیم الحربیة والعسکریة بحیث صار من الواضح بان لا -مبرر کبیر- إن جاز القول لکل هذا الذی یتم صرفه من مقدرات الدول على الأسلحة –الضخمة- وکثیرة التطور وان بإمکان مجموعة من المقاومین المسلحین بالإیمان والإرادة والسلاح المتوسط وشبه الثقیل أن تلحق الهزیمة بهذا الکیان وهذا ما افقد إسرائیل الصواب لأنها أدرکت بان المعادلة اختلفت وان أحدا لا یستطیع أن یمنع ذلک.
العزیمة والإصرار التی أبداهما السید نصر الله فی موضوع الأسرى کانت وراء ذلک وهذا ما أثار أعداء الحریة والمقاومة فی الداخل والخارج، فتم تجنید کل الوسائل من اجل إحباط ما یریده – السید- ولکن خاب فألهم فها هو نصر الله ینتقل من نصر إلى آخر وها هی الوجوه المکفهرة التی وقفت ضد حزب الله تأتی لتشارک فی حفل استقبال الأسرى لتکون جزءا من هذا العرس، ونحن هنا لا نرید أن نغوص فی – ساحة- هؤلاء کثیرا فی ظل أجواء ما یبدو انه مصالحة وطنیة نتمنى أن تستمر وتبقى.
التهدیدات التی أطلقها قادة إسرائیل ضد الأسیر المحرر سمیر القنطار إنما تدلل على عمق الشعور بالهزیمة التی ألمت بهؤلاء بحیث أخرجهم ذلک عن طورهم ولم یترددوا بالبوح عن حقدهم وعن طبیعة تفکیرهم التی تنم عن عنصریة بائسة، فهم لم تکفهم السنوات الطویلة التی قضاها القنطار فی السجن، فذهبوا إلى ما ذهبوا إلیه من تهدیدات للرجل وبأنهم سوف یلاحقونه حتى اغتیاله، لیس هذا فقط لا بل هم حاولوا اللعب على الوتر النفسی من خلال الظهور محدود الوقت للسید نصر الله إلى منصة الاستقبال للقاء الأسرى ومن یتابع الإعلام الإسرائیلی یمکنه ملاحظة مدى الدرک الذی وصل إلیه ومدى الانحطاط فی الخطاب الإعلامی الإسرائیلی وهذا بتقدیرنا ناتج عن مدى الشعور بالمهانة والذل فی الکیان نتیجة عملیة التبادل.
ما حدث من تحریر للأسرى وخاصة وبالتحدید الأسیر المحرر سمیر القنطار الذی کانت إسرائیل ترفض الإفراج عنه طیلة ثلاثین عاما، وانتصار المقاومة فی حرب تموز وقبل ذلک فی تحریر الأرض فی العام 2005 ، لهو الدلیل الأکبر والساطع على أن خیار المقاومة هو الخیار الوحید الذی یمکن أن تفهمه دولة الاغتصاب، وأما المراهنة على غیر ذلک فیبقى ضمن المراهنة التی استمرت من قبل أنظمة الخنوع على مدار سنوات الصراع الستین الماضیة والتی أثبتت خواء هذه الأنظمة وتبعیتها وعدم قدرتها على الخروج من –أسرها- الذی طال منذ قیام دولة الکیان.
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )
ن/25