دار الإفتاء فی مصر تعجز عن اصدار فتوى وعلماء یفتون بالجملة
دار الإفتاء فی مصر تعجز عن اصدار فتوى وعلماء یفتون بالجملة
نشرت وکالة القدس للأنباء- قدسنا- خبرا مفاده أن دار الإفتاء المصریة رفضت الإفتاء فیما یتعلق بموضوع بیع الغاز المصری إلى إسرائیل مستندة – الدار- إلى أن الحکم بإجازته وتحلیله أو تحریمه یحتاج إلى حوار وطنی بین مختلف الأطر والاتجاهات الشعبیة والرسمیة بالإضافة إلى رجال الدین، من أجل حسم الموضوع وتحدید ما إذا کان مشروعا أو غیر مشروع وفقا لما قالت دار الإفتاء وانه یعتمد کذلک على مدى المصالح والمفاسد.
هذه الفتوى أو على الأصح "اللافتوى" جاءت فی الحقیقة بعد أن أثیرت مسألة بیع الغاز المصری إلى دولة الکیان العبری "من المعروف أو الشائع بان هذا البیع یتم باسعار اقل مما هو دارج فی السوق" وکثیر الأسئلة التی تم توجیهها من قبل العاملین - "الغلبانین" الذین یودوا أن یحللوا مصدر رزقهم"- فی الشرکات التی تبیع هذا الغاز لدولة إسرائیل ومدى مشروعیة عملهم ومدخولاتهم واطعام اطفالهم "الرزق الحلال".
وقد توصل السادة العلماء بشکل مبدأی إلى أن البیع حلال " أحل الله البیع وحرم الربا" وان بامکان العمال أن یستمروا فی عملهم إلى أن یتم البت فی هذا الموضوع، أی أن تتم مناقشته وبالتالی الوصول إلى قرار أو فتوى بشأنه.
بتقدیرنا أن البت فی هذا الموضوع استنادا إلى ما قاله العلماء "الإجلاء" هی طریقة جدیدة فی الافتاء ونحن لا نرفضها بقدر ما نتسائل فیما إذا کانت هذه هی الطریقة التی یتم اتباعها عادة عند البت فی هذه الفتوى او تلک، إلا اننا نعتقد بان اللجوء إلى هذا الطریقة فی البحث عن فتوى فی هذه القضیة بالذات أو فی القضایا المماثلة لم یکن بریئا کما أراد العلماء ان یوهموننا، بل کان طریقا ملتویا ومحاولة للهروب إلى الإمام وترحیل للمسألة من اجل عدم إصدار فتوى باتة قاطعة ومحددة، لان البت فیها سوف یستغرق وقتا طویلا وقد لا یبت فیها أبدا.
إننا نعتقد بأن قضیة الحوار - نفس دیمقراطی مفاجئ- التی استندوا الیها أو دعوا إلیها هی فی الحقیقة قضیة فیها الکثیر من "المطمطة والمماطلة"، وقد لا یتم انجازها على مدار سنوات طویلة، حیث أن هنالک من القضایا التی هی أکثر وضوحا ولا تحتاج الى "لف ودوران" ویتم الاختلاف علیها من قبل الأطر والقوى الوطنیة والشعبیة والدینیة والرسمیة، فما بالک بقضیة مثل هذه مرتبطة باتفاقیة أو معاهدة موقعة مع دولة الکیان العبری لن یسمح النظام فی مصر بالمساس بها تحت أی ظرف من الظروف وهو یحافظ على الاتفاقیات الموقعة مع إسرائیل بشکل خاص أکثر مما یحافظ على "حبات العیون"، وکنا نتمنى لو أن هذا النظام یحافظ على علاقاته العربیة کما یفعل فیما یتعلق بعلاقاته مع دولة الاغتصاب فلا یقوم بسحب سفراءه أو تخفیض حجم تمثیل مصر فی بعض البلدان العربیة لمجرد خبر قد یتم بثه فی وسائل إعلام البلد المقصود هذا "على سبیل المثال لا الحصر".
إذن تأجیل مسالة البت فی هذه القضیة إلى أن یتم الوصول الى اتفاق حولها تصبح مسالة تعویم وإبقاء الحال کما هو علیه، وهذا ما یخدم النظام القائم ومن هنا فاننا دائما ما کنا نقول بان مسالة الافتاء واصدار الفتاوى – تحلیلا او تحریما- کانت تخضغ دوما لهوى الکثیر من العلماء والساسة او القادة وتوجهاتهم وتوجیهاتهم، ومن هنا ایضا فاننا نعتقد بان على العلماء المخلصین من ابناء هذه الامة ان یراجعوا الکثیر من الفتاوى التی صدرت فی الماضی سواء البعید أو القریب من اجل التحقق من مدى دقتها وصلاحیتها لهذا الزمن "البائس" وکذلک عدم خضوعها لأی هوى ومن أنها لم تکن من اجل خدمة هذا الحاکم او ذاک.
هذه الطریقة فی الافتاء جعلتنا نستذکر بعضا من الفتاوى التی طلع علینا بها بعض علماء المسلمین والتی تم من خلالها تکفیر الناس بشکل فج لا یرقى إلى الحد الأدنى من التخاطب الحضاری فکیف یکون الأمر إذا کان متعلقا بفتاوى قد تکون سببا فی بث الفرقة بین أبناء الأمة الإسلامیة أو حتى بین أبناء البلد الواحد أو أبناء العشیرة الواحدة التی ینتمی قسم منها إلى هذه الفئة والقسم الآخر إلى تلک، کما هو علیه الحال فی العراق مثلا، وهی فتاوى فیها من الخطورة ما هو اکثر وأشد من هذه المتعلقة ببیع العاز المصری الى إسرائیل، فهی فتاوى لا تتردد فی إخراج ملایین من المسلمین من ملة الاسلام کتلک التی لم یتردد 22 من علماء السعودیة باصدارها فی حق حزب الله والاخوة الشیعة، وتشبیه الشیعة المقیمین فی بعض البلدان العربیة بالمستوطنین، وأنهم لا علاقة لهم بالاسلام او بالمسلمین، هذا عن توظیف تلک الفتاوى لخدمة توجهات أو سیاسات حکومیة بعینها ولا تمت بحسب ما نرى إلى الواقع أو جوهر الدین بصلة.
الحقیقة أننا کنا نتمنى أن یقوم هؤلاء بالافتاء فی الکثیر من الامور التی تخص الواقع فی دولهم وفی شؤون حیاة شعوب تلک الدول أو الشعوب المسلمة فی بلدان العالم بعامة، لا ان یتخصصوا فی الافتاء ضد المذهب الشیعی وقوى المقاومة والجهاد التی تذود عن حیاض الأمة، کما أننا کنا نتمنى أن یقوم هؤلاء العلماء بالافتاء لصالح الاعمال المقاومة أو محاربة قوى الاستکبار والاستعمار والهیمنة والسیطرة على دول وشعوب وثروات العالم، أو أن یقولوا بان الجهاد فرض عین على کل مسلم ومسلمة طالما کانت هناک ارض اسلامیة تحت الاحتلال، فما بالک عندما یکون الاقصى تحت الاحتلال المباشر لا بل ومعرض للهدم بفعل ما تقوم به دولة الاحتلال وغلاة المتطرفین من الیهود الذین یریدون بناء الهیکل مکانه.
کنا نتمنى کذلک أن یکون لهؤلاء "الفرسان" الشجاعة نفسها وأن یقولوا لحکام بلادهم بان هنالک الکثیر مما یجب إصلاحه فی بلادهم- أو لیس أعظم الجهاد عند الله کلمة حق عند سلطان جائر او بهذا المعنى- وان یحرموا بناء قواعد عسکریة وغیر عسکریة لاعداء الامة فی اراضیهم لکی تکون منطلقا لغزو بلدان العرب والإسلام کما حدث فیما یتعلق بالعراق عندما غزته الولایات المتحدة انطلاقا من أراضیهم وأجوائهم ومیاههم، أو أن تکون لدیهم الجرأة لکی یقولوا لحکام الامة بانهم هم سبب هذا الانسیاق والتبعیة وفقدان الاستقلال لتلک البلدان، او ان یتحدثوا عن نهب ثروات البلاد وسرقة العباد واهدار اموال الشعوب على نزوات الحکام وازلامهم وحاشیتهم، أو عن قضایا الفساد الذی یستشری فی البلاد، أو بیع البترول الى القوى المعادیة للامة وغیر ذلک من القضایا التی تستهدف الوطن والمواطن والتی هی فی صمیم حیاته الیومیة، لا أن یتجرأ هؤلاء على المقاومة ومن یقوم بالتصدی لاعداء الامة سواء فی لبنان او العراق او فلسطین او غیرها.
أخیرا نعتقد بان الأمة لن یصلح حالها طالما هنالک علماء یتخذون من الدین "مطیة" یخوفون به أبناء هذه الأمة، وطالما هم یستخدمون "سیف الله وسیف الدین" ویبقوه مشرعا فی وجوه الناس ویحولون بذلک دون تقدم هذه الأمة أو رفعتها وعزتها، وان هذه الأمة ستظل "رکوبة" لقوى الهیمنة والتسلط طالما تعامل معها علماؤها وقادتها على أن هذه الشعوب لیس سوى مجموعات من العبید وان هذه الدول لیس سوى إقطاعیات.
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS