الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

دلالات عملیة الجرّافة بالقدس وخیارات الأمّة

دلالات عملیة الجرّافة بالقدس وخیارات الأمّة

 

 

بعد مرور وقت قصیر على عملیة الجرّافة فی القدس المحتلّة صباح الثلاثاء- وهی العملیة الثانیة من نوعها التی تحدث فی غضون شهر- عاد الصهاینة للتعبیر عن ندمهم على قرار ضم القدس الشرقیة للسیادة الإسرائیلیة بُعَید احتلالها فی العام 1967.

تعلیقات الصهاینة على هذه العملیة تُبَرْهِن على زَیْف ما یعرف بـ" الإجماع الصهیونی" حول القدس "کعاصمة موحدة للکیان الصهیونی"، وأن تواصل هذا الإجماع یتناسب عکسیًا مع فعل المقاومة الفلسطینیة. ردّة فعل الجمهور والنُّخَب الصهیونیة على هذه العملیة یدلِّل على أن الإسرائیلیین غیر مَعْنِیِّین بدفع ثمن مقابل الحفاظ على "وحدة" القدس، وهذا ما یؤکّد الدور الذی تلعبه المقاومة فی تغییر القناعات الصهیونیة، وتهیئة الصهاینة نفسیًّا للاستعداد للتراجع عن مواقفهم التی کانوا یعتبرونها خطوطًا حمراء. الصهاینة باتوا یدرکون حجم الثمن الذی یدفعونه مقابل سیاستهم القمعیة ضد الفلسطینیین فی القدس والتی بلغت حدًا لا یطاق. فالمقدسیون کما هو الحال مع سائر الفلسطینیین فی کل أرجاء الأراضی المحتلة أثبتوا مرّة أخرى أنهم غیر مستعدین للتعایش مع الاحتلال وقبوله بحال من الأحوال. الوسیلة والکیفیة التی تمّت فیها هذه العملیة تدلّ على أنه عندما تتوفر الإرادة فإن کل شیء یمکن أن یستحیل إلى وسیلة من وسائل المقاومة؛ فالجرافة التی تستخدم فی عملیات البناء تتحول إلى سلاح یطحن کل ما یمثل الاحتلال. وهذا یعنی أن زعم إسرائیل بأنها قضت على المقاومة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة والقدس کان سابقًا لأوانه بکثیر. فإذا نجحت الإجراءات الأمنیة الإسرائیلیة واحتیاطات تل أبیب، وتحدیدًا جدار الفصل العنصری فی منع تنفیذ عملیات استشهادیة فی قلب إسرائیل بواسطة العبوات والأحزمة الناسفة، فإن الفلسطینیین سیواصلون المقاومة بغضّ النظر عن الإمکانیات المتوفرة وطبیعة الاحتیاطات الأمنیة التی یتخذها الکیان الصهیونی. لقد اندلعت الانتفاضة الأولى ولم یکن الفلسطینیون یملکون من وسائل المقاومة إلا الحجارة، ثم تطوّرت هذه الوسائل لیتم استخدام السکاکین فیما وصف فی حینه بـ" حرب السکاکین"، وجاءت محاولة المقاومین السیطرة على مَقَاوِد القیادة فی الحافلات التی تقلّ المستوطنین الصهاینة، والانحراف بها نحو الوِدْیان السحیقة المتاخمة للشوارع التی تسلکها هذه الحافلات، کما فعل المقاوم عبد الرحمن غنیم فی العام 1990. وبعد ذلک انتقل المقاومون لاستخدام السلاح الناری، لتتسع دائرة استخدام هذا السلاح ویتطور فعله على شکل الکمائن المسلحة والاشتباکات المباشرة وغیرها. وبعد ذلک بدأت مرحلة القذائف والصواریخ محلیة الصنع، التی أصبحت تهدیدًا استراتیجیًا لإسرائیل. أن مظاهر تعبیر الصهاینة عن ندمهم على ضمّ القدس الشرقیة لإسرائیل یحمل فی طَیَّاته رسالة لبعض النُّخَب فی العالم العربی التی تدعو للتشبث بالخیارات السیاسیة کالوسیلة الوحیدة لانتزاع الحقوق العربیة التی سلبتها إسرائیل. فهذه النُّخَب مدعوة لوقفة طویلة مع النفس فی ظلّ تراکم الدلائل التی تؤکد انهیار منظومة المُسَوِّغات التی تستند إلیها هذه النخب فی تَبَنِّیها هذا الطرح. فمتانة المنطلقات الفکریة وأهلیتها تکمن فی مدى صلاحیاتها لتوفیر حلول للمعضلات التی تواجه الأمة، ولا یجوز البتّة التعلّق بالأفکار العدمیة التی ثبت فشلها. فعقود من التفاوض مع إسرائیل لم تدفعها لیس فقط فی التفکیر بالتراجع عن ضمّ القدس الشرقیة، بل تحوّلت "وحدة القدس" إلى محور إجماع صهیونی، بینما ینجح شاب فلسطینی واحد فی زعزعة هذه الإجماع. سلوک إسرائیل مع العرب هو الذی یؤکد أنها لا تفهم إلا لغة القوة، بینما تؤدی المفاوضات والمباحثات السلمیة إلى طغیانها وعربدتها. أحد صور السلوک الإسرائیلی التی تؤکد ذلک هو صفقة تبادل أسرى مع حزب الله التی اضطرّت تل أبیب خلالها فیها للإفراج عن المقاوم سمیر القنطار الذی أُدِین بقتل ثلاثة من المستوطنین مقابل جثتی جندیین، واستعداد إسرائیل للإفراج عن مئات الأسرى الفلسطینیین الذین أُدِینوا بقتل جنود للاحتلال ومستوطنین مقابل الإفراج عن الجندی الإسرائیلی جلعاد شالیط الذی تحتجزه فصائل المقاومة. فعلى مدى 15 عام من التفاوض بین منظمة التحریر وإسرائیل لم تفرج تل أبیب عن عدد یُذکَر من المقاومین الفلسطینیین الذین أُدِینوا بارتکاب عملیات مقاومة حقیقیة.

وإذا کانت بعض النخب العربیة ترى فی المفاوضات مع إسرائیل الوسیلة الأنجع فی إنقاذ ما یمکن إنفاذه من الأرض العربیة، فإنه تبیّن أن المفاوضات بین منظمة التحریر وإسرائیل کانت تُوَظَّف من قبل الکیان الصهیونی لابتلاع أکبر مساحة من الأرض الفلسطینیة. فحسب معطیات منظمة "بیتسیلم" الحقوقیة الإسرائیلیة فإن الأنشطة الاستیطانیة فی الضفة الغربیة تضاعفت بنسبة 60% منذ التوقیع على اتفاقیة "أوسلو". من ناحیة ثانیة فإن إسرائیل تبتدع الوسائل لإحراج وإهانة الأطراف التی تجری معها مفاوضات "سلام". والذی یصلح دلیلاً على ذلک هو التقریر الذی رفعه المبعوث الأمنی الأمریکی فی الأراضی الفلسطینیة جینی جونز للإدارة الأمریکیة مؤخرًا والذی یؤکد أن جیش الاحتلال بدلاً من أن یکافئ أجهزة حکومة فیاض الأمنیة على مساهمتها فی حربها ضدّ حرکة حماس فإنه یُعِیق عملها ویقوم بإحراجها أمام الرأی العام الفلسطینی.

دلالات عملیة الجرّافة الثانیة فی القدس وتداعیاتها أکثر عمقًا من نتائجها المیدانیة؛ فهی أولاً وقبل کل شیء تظهر دور المقاومة فی دفع الصهاینة لإبداء التنازل، إلى جانب تأکیدها بؤس الرهان على المفاوضات کخیار إذا لم تستند إلى ممارسة أشکال النضال الأخرى.

( بقلم الصحفی الفلسطینی صالح النعامی )

م/ ن/25


| رمز الموضوع: 141098







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)