qodsna.ir qodsna.ir

الغزوة المصریة لقناة العالم

الغزوة المصریة لقناة العالم..

 

تبریرا للتعدیلات التی أُدخلت على الدستور المصری مؤخرا فشوهته، کان أهل الحکم یحرصون على ان یبدوا للناظر أنهم یهدفون إل تکریس الدولة المدنیة، فی مواجهة جماعة الإخوان المسلمین التی تسع إلى إقامة الدولة الدینیة!.

المستهدف بالحرص هو الناظر الأمریکی الذی یسعى القوم إلى احتکاره، واتهام کل من یتعامل معه بالخیانة، ألم ترى کیف ان احد رجالات الحزب الحاکم تقدم ببلاغ لجهات التحقیق، متهما الدکتور سعد الدین إبراهیم بالعمالة لواشنطن، حتى بدا موقفهم المعادی للرجل کما لو کان تنافسا على الفوز بالقلب الأمریکی؟!.

ما علینا، فجماعتنا فی کل یوم یثبتون ان بینهم وبین الدولة المدنیة دنیا، فقد نجحوا فی تشیید بنیان الدولة البولیسیة بامتیاز، وقد تجلى هذا فی هجمتهم التتاریة على مکتب قناة ( العالم) بالقاهرة، ومعاملة مقر القناة الإیرانیة، کما لو کان وکرا للاتجار بالمخدرات، حیث تمت مداهمته من قبل قوات الأمن، وصودرت الکامیرات ومعدات العمل. والتهمة ان المکتب یعمل بدون ترخیص من الجهات المختصة، وان المراسل، لم یحصل على موافقة هذه الجهات بالعمل!.

العالم لها مراسل فی القاهرة منذ أربع سنوات، هو زمیلنا احمد السیوفی، الذی لم یسبق له العمل التلفزیونی سوى فی قناة ( العالم)، فهو یعمل بالصحافة المکتوبة، ولکن وقع الاختیار علیه، بالطبع لکفاءته، وربما بالإضافة الى هذا لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمین، وحتى یثبت الأشقاء فی طهران بشکل عملی سعیهم للتقریب بین المذاهب، فها هم لا یجدون حرجا فی ان یعمل لدیهم احد عناصر واحدة من اکبر الجماعات السنیة فی العالم!.

الإخوان لا تشغلهم المذاهب، ربما لأنهم لیسوا متبحرین فی الدین بالشکل الکافی، ومنذ بدایة تأسیس الجماعة والفکرة الدینیة لدیهم لیست واضحة، فقد کانوا فی نشأتهم اقرب ما یکونوا للطرق الصوفیة، والآن هم اقرب ما یکونون إلى الحزب السیاسی!.

المهم فمراسل (العالم) کان طوال السنوات الأربع یمارس عمله فی وضح النهار، فلم یتصرف على انه عضو فی تنظیم سری، ولم تسع الفضائیة الإیرانیة الى اختراق مصر به، وکنا نشاهده وهو یغطی المظاهرات فی الشوارع، فی حضور قیادات وزارة الداخلیة، ولا نظن ان هؤلاء کانوا یظنون ان السیوفی یحمل ترخیصا بالعمل، ثم فجأة اکتشفوا انه (ضحک) علیهم طوال السنوات الماضیة، وعلیه تقرر غزو المکتب، ومصادرة ما فیه من معدات، باعتبارها غنائم حرب؟!.

فالحکایة وما فیها انه تم التعامل مع مراسل ( العالم) على انه أسیر فی الحرب الدائرة بین النظام السیاسی المصری، والنظام السیاسی الإیرانی، بسبب فیلم ( إعدام الفرعون)، الذی اتهمت القاهرة طهران على أثره بالإساءة للعلاقات بین البلدین، واحتشد التلفزیون المصری لیواجه حکم الملالی بالمدفعیة الثقیلة.. لیست العلاقات بین البلدین على ما یرام، لا قبل الفیلم، ولا بعد الفیلم، ولن تکون کذلک حتى لو تم شنق کل طاقم العمل فی میدان عام. کما ان الرئیس السادات لیس غالیا على القوم على النحو الذی شاهدنا، وهم الذین جردوه حتى من نصر أکتوبر، الذی اختزلوه فی الضربة الجویة، والضربة الجویة فی الرئیس مبارک، وان شاء الله لو حدث المراد فسوف یقال أن من ضغط على إشارة توجیه هذه الضربة هو الرئیس جمال مبارک، حیث کان والده قد اصطحبه الى مقر القیادة من باب (الفال الحسن)، ولم یتم اعلان هذا فی حینه، حتى لا یتهم المعلن بإفشاء أسرار عسکریة!.

قال أهل الحکم فی طهران ان المؤسسة التی أنتجت الفیلم مستقلة، ولا تتبع السلطة. وقال البعض ان کونها مستقلة لا یمنع من توجیه الحکومة لها لإنتاج مثل هذا العمل، ولا أظن ان القوم فی إیران لدیهم فراغ یمکن ان یسعوا لتبدیده فی التطبیق العملی لسیاسة (کید النساء)!.

الخطأ فی العنوان

ومهما یکن الأمر، فقد کان ما جرى مع مراسل (العالم) ومکتبها بسبب موضوع الفیلم، ولو فکر أصحاب قرار الغزو لوقفوا على أنهم أخطأوا فی العنوان.

فقد سبق للإخوان ان تحالفوا مع حزب (العمل)، وسیطروا على جریدة الحزب (الشعب)، وکان زمیلنا السیوفی واحدا من هؤلاء، قبل انتقاله الآمن لصحیفة (الأهرام)، وعندما وقعت الفأس فی الرأس وتم تجمید الحزب، وإغلاق الصحیفة، کان الإخوان أول من قفزوا من السفینة الغارقة، وترکوا قادة الحزب یواجهون مصیرهم بمفردهم، فهم قوم شعارهم فی الحیاة: یا موت منک لصاحبک!.

مراسل (العالم) کان حریصا على مشارکة الجانب الحکومی فی کل برامجه التی یقدمها من القاهرة، وکان حریصا على ان یکون معتدلا أکثر من الاعتدال ذاته، ولهذا کان ممثلو الحزب الحاکم یقبلون على المشارکة فی هذه البرامج، على الرغم من ان العلاقات بین مصر وإیران کانت فاترة حینا، وسیئة أحیانا.. ربما یتحرجون من الظهور على شاشة قناة الأعداء (الجزیرة)، وان کانت الأمور ستتغیر خلال الفترة القادمة بعد المصالحة القطریة- السعودیة، وقومنا مع قادة المملکة فی المکره والمنشط!.

فی الحروب فان کل المحظورات مباحة، ولهذا فلم یمنع حذر من قدر، ولم یمنع اعتدال رسالة (العالم) من القاهرة من ان یتم العصف بمکتبها، والتعامل مع مراسلها على انه مجرم حرب، والذی تأکدت اخوانیته فی اللحظة الأول للغزو، وأکد للقوم ان ما تصوروه صیدا ثمینا لم یکن سوى قبض الریح!.

السیوفی قال ان ما جرى لا شأن له بالتوتر الإیرانی- المصری، ولا یهدف الى التضییق على المراسلین، ولا یمثل استهدافا لحریة الاعلام، وانه لهذا رفض تدخل مکتب المصالح الإیرانیة بالقاهرة، فالتصرف مع المکتب قانونی، وأوشک أن یدین نفسه، فهو المخطئ فی حق نفسه، لأنه یعمل بدون ترخیص!.

ومثل هذا الکلام یوحی کما لو کانت التراخیص ملقاة فی عرض الشارع، وانه تکاسل فلم ینحن ویأخذ ترخیصا له، وترخیصا لمکتب القناة، ولهذا فقد استحق ما حاق به بسبب تکاسله ولیس بسبب تعنت الجهات المختصة.

ولا شک ان ما جرى مع مراسل (العالم) یفتح ملف مشکلة التراخیص الإعلامیة للمراسلین وللمکاتب، والتی تعد الکلمة الأول والأخیرة فیها الان، وفی عهد وزیر الإعلام انس الفقی، للأمن، و کان الأمر قبله یخضع أحیانا للقرار السیاسی، واذکر انه حدث ذات مرة ان تعنتت وزارة الداخلیة مع احد المراسلین الأجانب، فقام وزیر الإعلام صفوت الشریف وقتها بسحب ملف هؤلاء والحقه بوزارته، وقال انها الجهة الوحیدة المختصة بالتعامل مع الإعلامیین الذین یعملون لصالح جهات خارجیة!.

الأمر محکوم بالأریحیة، وحسب المزاج، ولیس بالقانون، وأحیانا یکون القرار افتح مکتبک، ومارس عملک، الى حین صدور الترخیص، لأنه لیس هناک موقف واضح وربما یکون الهدف ان تعمل والسیف على رقبتک، فتبالغ فی إظهار الحب العذری!.

لکن لا یغنی حذر من قدر، ومشکلة أهل الحکم أنهم سعوا للامساک باحمدی نجاد، فإذا بهم یکتشفوا ان من یمسکون به هو إخوانی متسامح، حمل نفسه التهمة، ومارس علیهم (الشحتفة). الغریب انهم یمارسون هذه الأعمال البولیسیة ویتحدثون عن انهم الرعاة الرسمیون للدولة المدنیة.

( المقال للصحافی المصری سلیم عزوز  )

ن/25


| رمز الموضوع: 141099