تفجیرات غزة الإجرامیة : لم یکن ینقصنا سوى هذه
تفجیرات غزة الإجرامیة : لم یکن ینقصنا سوى هذه!
حصار غزة الممتد منذ سنوات وجوع الناس وموتهم بسببه لم یمنع على ما یبدو بعض الناس من فاقدی الحس الوطنی والضمیر من تحمیل شعبنا المظلوم المزید من الألم والمزید من البلبلة والانقسام عبر تفجیرات دامیة حصدت أرواح بعض أبنائنا یوم الخامس والعشرین من تموز الجاری، وهذا یطرح کثیراً من الأسئلة والمحاذیر على غیر صعید.
لقد قمنا بتنبیه الإخوة فی حرکتی فتح وحماس منذ بدأت عملیات الشد والتحرش والقتل المتبادل ومن ثم الحسم العسکری فی قطاع غزة إلى أن هذا الأمر وما نتج عنه من انقسام سیجعل الاختراق الأمنی من قبل عدونا أمراً متیسراً وسنقع فی مصیدة الشکوک والاتهامات الجزافیة وتطورات هکذا حالة، لیستحیل معها أی حل یوصلنا لمصالحة وطنیة، أو حوار جدی ینتج وحدة وطنیة على أساس برنامجی ومشارکة الجمیع فی منظمة التحریر الفلسطینیة وفی صنع القرار الفلسطینی. لقد وقع المحذور وکانت مقدماته بادیة للعیان ولا یمکن تجاهلها، والآن نحن أمام معضلة خطیرة خصوصاً بعد الاعتقالات التی قامت بها سلطات الحکومة المقالة لحرکة حماس فی قطاع غزة وطالت حصریاً أبناء حرکة فتح.
لقد ناشدت الفصائل الوطنیة الفلسطینیة وخاصة قوى الیسار ومنظمات المجتمع الأهلی والمؤسسات المدنیة التروی والتدقیق لکشف ملابسات هذه الأعمال الإجرامیة ونحن نعرف أن العدو الصهیونی قد ترک فی قطاع غزة حین انسحب مجموعة کبیرة من الجواسیس والعملاء وهؤلاء ومن یدعمهم ویرعاهم هم المستفیدون من هذه التفجیرات وأعمال القتل المدانة والمرفوضة والتی یجب أن یحاسب مرتکبوها بکل حزم وبالقانون.
لاشک أن أماکن التفجیر والمستهدفین منه یوحی بأن یداً فی الداخل هی من وضع المتفجرات أو مستعربین لا یشک المرء فی هویتهم وقد جربنا ذلک سواء فی غزة أو فی الضفة، ولعل من یتذکر فترة الخمسینیات والعمل الفدائی برعایة المصریین زمن الرئیس الراحل جمال عبد الناصر یتذکر کیف کان الصهاینة یرسلون لغزة مستعربین یقومون بکل أعمال التجسس وجمع المعلومات وحین کنا نسمع بعضها من إذاعة العدو نندهش لقدرته على فعل هذا. إذن نحن أمام مسألة معقدة ولابد من معالجتها فوراً وهذا العلاج غیر ممکن ولا یتوفر مطلقاً فی ظل الانقسام الفلسطینی الراهن، لأنه علاج یرتکز على التنسیق وعملیات مطاردة مشترکة وطرائق عمل سریة تشارک فیها کل الفصائل وأجهزة الأمن التابعة لها ومن هنا فان ما ذکرناه حول خطورة الموضوع یجب أن یکون حافزاً للجمیع للبدء فوراً فی اتخاذ ما یلزم من إجراءات احترازیة وبالتنسیق بین الجمیع وعلى الخصوص فتح وحماس وتشکیل لجنة أمنیة وغرفة عملیات للقیام بالمهمة بأفضل صورة ممکنة وبلا حساسیات تفقدنا البوصلة وتعمق الخلاف المریر الذی یضرب وحدتنا ووجداننا منذ سنوات، والذی توجناه للأسف بالانقسام الحاد فی صفوفنا والذی طالنا لیس على صعید الجغرافیا فقط بل وفی معتقداتنا ومشاعرنا.
إن هذه العملیات الإجرامیة تمثل جرس إنذار لکل المعنیین بالشأن الفلسطینی ولن یکون مقبولاً أن یتذرع أی مسئول أو قیادی أو فصیل لاحقاً بأی حجة إن فشلت الجهود فی وقف هذا المسلسل الدموی الإجرامی. الخلاف السیاسی والاختلاف مفهوم وقضیتنا لها درجة کبیرة من الحساسیة عند شعبنا الفلسطینی والأمة العربیة والإسلامیة وعند کل المهتمین بالسلام فی العالم وتعتبر من أهم المعضلات الإنسانیة فی التاریخ البشری، ومن هنا سنجد على الدوام اختلافاً فی الرؤى والاجتهادات تجاه حلها، وإذا استدرجنا کل خلاف کبیر إلى الانقسام والضیاع فإننا سنجد أنفسنا وشعبنا على قارعة الطریق وقد طوانا النسیان.
المطلوب فی هذه اللحظة أن یصدر موقف موحد من الجمیع یدین هذه الأعمال وأن تتوقف حرکة حماس عن الاعتقالات العشوائیة وتحیل الأمر إلى جهات الاختصاص الوطنیة وبمشارکة الجمیع وأن تتوخى الحذر فی ردود فعلها حتى لا تزید الطین بلة وحتى لا ینظر لإجراءاتها باعتبارها أعمال انتقامیة تعقد الأمور وتزید التوتر وهذا لا یعنی التراخی فی مطاردة الفاعلین بل حتى لا ینجح هؤلاء فی مبتغاهم الواضح وهو زیادة الانقسام وإغلاق الطریق أمام أی مصالحة، وأی دلیل مادی على تورط أفراد أو جهات فلسطینیة فی هذه الأعمال یجب أن یتم عرضه على الرأی العام الفلسطینی بعد التیقن منه وأیضاً بمشارکة الجمیع.
إنها فرصة برغم الألم الذی یحرق صدورنا لوقفة ضمیر ومراجعة الحسابات، وسؤال أنفسنا وقادتنا : ألا یستحق شعبنا المناضل والصابر والذی قدم لوطنه ولکم کل شیء أن تتقبلوا خیاره الوطنی بالمصالحة وإعادة الوحدة ؟ ألم یحن الوقت لیفرح هذا الشعب بوحدة مناضلیه وقیاداته مثلما فرح الشعب اللبنانی الشقیق بعودة أسراه المیامین؟.
(بقلم : زیاد ابوشاویش )
ن/25