جنون الأفراح فی فلسطین

جنون الأفراح فی فلسطین
کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
بالتأکید یجب فتح المجال دائما للأفراح حتى فی أحلک الظروف. الناس لیسوا آلات یسیرون على وتیرة واحدة ونمط سلوکی واحد. الأفراح تریح النفس والقلوب وتجدد النشاط والحیویة، ومن المهم أمام المخطط السیاسی والاجتماعی أن یعی هذه المسألة، وأن یضع البرامج المختلفة من أجل الوفاء باحتیاجات الناس وذلک حتى یبقى الشعب متحفزا نشطا قادرا على العطاء والإنتاج. للأفراح وأوقات الترفیه هدف واضح له علاقة بالصحة النفسیة للناس وباستمرار عطائهم وبذل الجهود اللازمة لتحقیق الإنجازات.
لکن الأفراح فی فلسطین تأخذ بعدا آخر الآن. طبعا فلسطین المحتلة/48 دخلت نفقا مظلما فی هذا المجال منذ زمن بعید، والناس هناک یمارسون أفراحهم بخاصة الأعراس بطریقة مبتذلة ورخیصة وجنونیة. إنهم یبالغون جدا فی الأفراح وینفقون أموالا طائلة، ویتسولون أیضا کثیرا من خلال ما یسمى بالنقوط لتغطیة التکالیف الباهظة. الناس فی فلسطین المحتلة ینشغلون أشهرا کل عام بالنقوط، ورب البیت یشغل باله دائما بالمبالغ المترتبة علیه کسداد للذین نقطوا ابنه أو ابنته یوم عرسه/ا او نجاحه/ا. نسی الناس أنهم تحت احتلال ومهانة، وانشغلوا بأمور تجعل ورطتهم أشد وحیاتهم أکثر صعوبة، وترهنهم للبنوک الصهیونیة.
فی فلسطین المحتلة/67 الآن، من الصعب أن یجد المرء وقتا لنفسه إذا أراد تلبیة کل دعوات الأفراح، وأن یقوم بکل متطلبات المبارکات الخاصة بالتخرج من الجامعة أو النجاح فی التوجیهی. بطاقات الدعوات تنهال علیک مثل رش المطر، والمعاتبات حول التقصیر لا تتوقف. یراک أحدهم فیعاتبک أنک لم تدعه إلى الفرح، أما آخر فیعاتبک إن لم تلب الدعوة. أما آخرون فیسجلون الحضور، ویدونون مبلغ النقوط لکل شخص وذلک من أجل السداد فی المستقبل أو التملص إن أمکن. الناس یکثرون والمناسبات کثیرة، ویبدو ان الناس یفرغون أزماتهم فی مثل هذه الأمور، والمخطط السیاسی مسرور جدا بهذا التلهی المقیت.
کأستاذ جامعی علیّ واجبات علمیة وأکادیمیة أؤکد أننی لن أتمکن من القیام بأی عمل مثمر إذا کنت سألبی کل الدعوات التی تصلنی، أو إذا کنت لطیفا جدا لأسترضی الذین یعتبون. علی ترک الکتب والمقالات والأبحاث والتدریس وأشمر عن ساقیّ وأستمر فی الجری من هذه القاعة إلى تلک، ومن هذا البیت إلى ذاک.
الناس الآن یوسعون دائرة المدعوین بصورة کبیرة جدا. العریس یدعو کل أهل بلدته وربما ایضا اهالی القرى المجاورة، وأمه لا تترک أحدا إلا وتدعوها إلى المبارکة، وتعتب کثیرا على المرأة التی لا تشارک فی حفلة الرقص وتقرر ألا ترقص فی مبارکاتها. و وصل الحد ببعضهم أنه یقف فی مکان عام و یوزع بطاقات الدعوة بصورة سخیفة، وکأنه یقول للناس: تعالوا نقطوا ابنی. وقد وصلت المبالغات للتوجیهی الذی کان النجاح فیه محصورا بالأقارب والأصدقاء المقربین جدا. الآن على کل نابلس أن تحتفل بخریج التوجیهی وأن تحمل نفسها إلى القاعات. ویصل الحد إلى أن بعض النساء یطفن عدة أماکن للتهانی والتبریکات فی الیوم الواحد. وفی کل مکان تسمع ذات الأغانی التی ربما بطلها فارس کرم، وتقوم بذات الرقصات، وتحصل على ذات التحیات.
هناک مغالاة کثیرة فی الأفراح، وأحیانا فی الابتذال کما یحصل فی مدینة رام الله. والأعراس تتحول أحیانا إلى مناسبات للتسول، وأحیانا یتفاخر العروسان بکمیة النقوط التی جمعاها. هذا خارج شرع الله، وخارج المنطق الإنسانی، ویجب التوقف عن هذه العادات السیئة. الفرح ضروری، ومن الممکن أن یتم بحضور الأقارب والأصدقاء المقربین.
مطلوب من المخطط السیاسی والاجتماعی أن یضع البرامج الإنتاجیة المختلفة وذلک لیملأ الناس وقتهم بالعمل والإنتاج، ولیکون للترفیه معنى إنسانیا عمیقا بعد التعب.
ن/25