هناک ما هو أسوأ
هناک ما هو أسوأ!!
أظهرت حادثة التفجیر المأساویة والمروعة التی وقعت مساء الجمعة الماضی، أن استمرار حالة الانقسام الداخلی، وبقاء الحالة الشاذة فی قطاع غزة تنذران بما هو أسوأ من إلحاق الضرر بالقضیة الوطنیة، والوضع المعیشی لملیون ونصف الملیون من المواطنین الفلسطینیین، فالمنطق السیاسی یقول انه ما لم یتم ترتیب الأوضاع الداخلیة بشکل توافقی یحقق السلام والأمن الداخلی، فان بقاء الشقوق الداخلیة من شأنه أن یدخل کل السموم الممکنة إلى الجسد الفلسطینی المنهک.
وقد لا یتوقف الأمر عند حدود الشقاق الثنائی بین فتح وحماس، حیث انه فی حال عدم ترتیب أی مجتمع بشکلٍ محدد وطبیعی، یمکن أن یتحول المجتمع نفسه إلى ضحیة صراعات لا تنتهی وتصدعات لا تتوقف، وربما کانت الأمثلة فی المحیط الإقلیمی عدیدة، وهی تدل کل من کان حریصاً على تجنیب الشعب الفلسطینی المزید من الآلام، إلى الطریق الوحید للخلاص.
إنقاذ ما یجب إنقاذه، له مدخل واحد وحید، وهو أن یتعایش المختلفون الفلسطینیون، وان تتعایش المتعددات السیاسیة وفق عقد سیاسی من خلال "تعاقد" تتحول عبره کل الفصائل والتنظیمات إلى شرکاء فی السلطة والحکم.
وکل ما عدا ذلک لیس مجرد أوهام وحسب، بل ومحاولات لإدخال المجتمع الفلسطینی فی المزید من حالة التآکل الداخلی، وانعدام الاتزان السیاسی، الذی یطلق ید إسرائیل وأطرافا إقلیمیة أخرى للتحکم بالریموت کنترول بالوضع الفلسطینی الداخلی.
وانه لمن دواعی الأسف الشدید القول بأنه رغم کل ما حدث من عذابات ومآس فان هناک ما هو أسوأ، مع استمرار حالة الانقسام الداخلی ووجود سلطتین تنفیذیتین لا تحاسبان أو لا یشرف على أدائهما - وان بدرجتین مختلفتین من الرقابة- من قبل سلطتی التشریع والقضاء، فی حین أن السلطة المعنویة - الرابعة- الإعلام، یتعرض البعض الموضوعی منه، الذی یمکن أن یوصف بقدر من الاتزان للضغط ومحاولات التضییق.
ولعل انسداد الأفق أمام الحوار الداخلی، وتراجع فرص تحققه بعد مبادرة الرئاسة ومقترح رئیس الحکومة، بالشروع الفوری فی تنفیذ آلیات إعادة الوحدة الداخلیة، ما یفاقم حالة التوتر الداخلی، والتی یمکن لها إذا ما استمرت الحالة على ما هی علیه، أن یکفی عود ثقاب لإشعال حریق لا ینتهی، إلا بعد أکل الأخضر والیابس.
یراهن البعض من المستفیدین من حالة الانقسام الداخلی، وعلى الجانبین، وممن کانوا سبباً فی حدوث حالة الانقسام واستمرارها، على انه یمکن البقاء هکذا، إلى أن یلغی احدهما الآخر، أو یقوم بإخضاعه لشروطه أو احتوائه سیاسیاً لصالح برنامجه، متناسین وجود شعب متضرر، تزداد حالة الرفض فی صفوفه لاستمرار الحالة الشاذة الراهنة، ومنهم من یعتقد بأنه یمکن الوصول حتى نهایة العام - بشکل طبیعی- فی انتظار الوصول إلى استحقاقات سیاسیة، تضعه فی موقف "تفاوضی" داخلی أفضل.
المشکلة أن کل طرف یقلل من شأن ما یمکن للطرف الآخر أن یحدثه بحقه من ضرر وفعل مضاد، وان من شأن إغلاق آخر بارقة أمل بعودة اللحمة الداخلیة، وتحطیم الجسور الداخلیة أن یدفع الأمور باتجاه تکسیر العظم الذی لن ینجو منه أحد دون خسائر فادحة، لکن المشکلة تکمن فی أن عموم الشعب ومجمل القضیة الوطنیة ستکون هی الخاسر الأکبر.
ماذا لو استمر الحال هکذا، حتى نهایة العام، دون توافق داخلی، یعید اللحمة والوحدة، ویعید بناء نظام الشراکة، حماس تهدد بأنها ومنذ التاسع من کانون الثانی المقبل، لن تعترف بولایة الرئیس وبالتالی بمرجعیة مؤسسة الرئاسة، والتی لا تنفذ حتى وهی تعترف بها قراراتها ومراسیمها، وهذا یعنی إمکانیة أن تشرع بتنظیم أجهزة سلطتها فی غزة بشکل مستقل، وهذا التصور، ربما یشجع على عدم الحماس باتجاه "الحوار" وفق إطاره المطروح - البحث فی آلیات تنفیذ المبادرة الیمنیة - والمطالبة بالعودة إلى فتح کل الملفات العالقة والتی یحتاج التوافق حولها إلى أشهر طویلة، إن لم یکن سنیناً، کما هو حال ملفات ترتیب م.ت.ف.
مثل هذا الرهان، یسقط من حساباته ما یمکن أن یترتب علیه من استحقاقات سیاسیة وإداریة وقانونیة، یمکن للطرف الآخر حتى أن لا ینتظر الوصول إلى الاستحقاق للرد علیه، بل حتى أن یستبقه بإجراءات وقائیة أو استباقیة، أو حتى إجراءات مضادة.
وفی الحقیقة بعض التصریحات تظهر تعرض مؤسسة الرئاسة إلى ضغوط داخلیة، تدفع باتجاه اعتبار قطاع غزة، منطقة أو ولایة أو قطاعاً متمرداً على السلطة المرکزیة، من شأن هذا الإعلان حتى وهو یفتقر إلى القوة الداخلیة للسلطة التی یمکنها أن تنهی سلطة التمرد أو أن تضع حداً لها "بالقوة" کما یحدث عادة فی الدول، أن یتمخض عن نتائج سیاسیة وإداریة قانونیة، حیث أن کل دول الإقلیم والعالم تعترف بالسلطة المرکزیة - خاصة الرئاسة- کسلطة شرعیة، أن تعقد أُمور الحرکة التی تسیطر على غزة، خاصة على صعید الاتصال والعلاقة مع الخارج، بما فی ذلک السفر ونقل الأموال وما إلى ذلک .
وحتى إسرائیل التی تشجع حالة الانقسام، لن یکون بمقدورها أن تجاهر بقبول "کیان" متمرد على السلطة الفلسطینیة، ولا حتى مصر، وطبعاً فی السیاق کل ما یتعلق بأموال وجهود الدول المانحة، وفی أحسن الأحوال، فان تکریس حالة الانقسام، وصولاً إلى "کیانین" معلنین ومنفصلین رسمیاً أن یدفع الإقلیم والعالم، إلى "إدارة" شؤون الفلسطینیین فی الضفة والقطاع من قبل أطراف إقلیمیة، إن لم یکن مجمل النظام الإقلیمی أو الکونی، وهکذا فقد یحقق بعض اللاعبین الإقلیمیین مکاسب على حساب الفلسطینیین، لکن الفلسطینیین جمیعاً، وفی مقدمتهم حماس وفتح، سیکونون أول واکبر الخاسرین.
( بقلم الکاتب الصحفی رجب أبو سریة )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS