qodsna.ir qodsna.ir

القاهرة: حوارات البحث عن حوار

القاهرة: حوارات البحث عن حوار!

 

 

 

باستثناء الإعلان الصریح عن سفر وفد الجبهة الدیمقراطیة إلى القاهرة، تلبیة لدعوة الرئیس "أبو مازن" للحوار الوطنی بهدف تنفیذ المبادرة العربیة (الیمنیة)، فإنه لم یتم الإعلان - رسمیاً- عن سفر وفود الفصائل والقوى إلى القاهرة، بناءً على دعوة مصریة صریحة بالخصوص، وحتى سفر وفد حرکة حماس للعاصمة المصریة، جاء محاطاً بغموض مقصود، من خلال الإعلان عن انه یجیء ضمن سیاق المباحثات غیر المباشرة حول صفقة تبادل الأسرى.

فی تفسیر الأمر، یمکن القول إن القاهرة استجابت جزئیاً لمطلب الرئیس "أبو مازن" بعد زیارته الأخیرة لها، وفضلت "دعوة" الأطراف الفلسطینیة فرادى، ولم توجه الدعوة المنتظرة بعد تحدید موعد لإطلاق الحوار، حیث أنها فضلت فترة حوار تحضیریة، تقف خلالها على مواقف الفصائل منفردة، وهی بذلک لا تغلق الباب فی وجه أبو مازن، فی الوقت الذی لا تفتحه تماماً، خشیة عدم استجابة کل الأطراف وکذلک التخریب على المنجز المتعلق برعایة ومتابعة حوارات التهدئة بین حماس وإسرائیل، خاصة بعد أن لوّحت حماس بالبحث عن وسیط آخر لمتابعة هذا الملف بدیلاً عن القاهرة.

یمکن القول اذاً بأن طریق الحوار الداخلی ما زال مفقوداً، رغم محاولات السلطة الفلسطینیة الحثیثة والمتواصلة، منذ إعلان صنعاء وتظهیر المبادرة الیمنیة فی قمة دمشق قبل أربعة أشهر، ورغم محاولات الدفع به، من خلال ما تقدم به الرئیس أبو مازن من إجراءات التقارب مع دمشق، إن کان من خلال حضوره شخصیاً قمتها، أو عرضه بعد ذلک رعایتها للحوار بصفتها رئیس القمة، خلال زیارته الخاصة لها ولقائه ممثلی معظم الفصائل الموجودة فیها, أو من خلال طرحه مبادرته للحوار بعد ذلک , منذ نحو شهرین .

السؤال الجوهری الذی لا بد من طرحه فی محاولة قراءة المستجدات السیاسیة الممکنة فی المنطقة، هو لماذا نجح الحوار اللبنانی اولاً، ثم نجحت صفقة تبادل الأسرى بین حزب الله وإسرائیل، ثم صفقة التهدئة بین حماس وإسرائیل، کذلک متابعة المفاوضات غیر المباشرة بین سوریة وإسرائیل، خلال الأشهر القلیلة الماضیة فی حین ظلت المفاوضات الفلسطینیة - الإسرائیلیة، التی أطلقت منذ أکثر من ثمانیة أشهر، منذ أنابولیس تراوح مکانها؟

الإجابة تعود إلى ما سبق وان أعلنته إسرائیل وأمیرکا قبل وقت من أن إستراتیجیتهما السیاسیة قائمة على تحویل الاهتمام من الملف الفلسطینی - الإسرائیلی إلى ما یسمى ملف الإرهاب، ومحاولة إثبات أن المشکلة لا تکمن فی احتلال إسرائیل للأراضی الفلسطینیة، بل فی مکافحته، وفیما تحاربه أمیرکا منذ الحادی عشر من أیلول العام 2001، أی ما تسمیه أمیرکا وإسرائیل الإرهاب، وهکذا، تتابع إسرائیل وعن بعد أمیرکا الدفع بالأمور السیاسیة فی المنطقة فی هذا الاتجاه.

وشیئاً فشیئاً، تحاول السیاسة الإسرائیلیة طی الملف الفلسطینی وإهماله , هذا فی الوقت الذی تؤکد فیه مجریات الأحداث السیاسیة أن السلطة الفلسطینیة وکذلک جلّ النظام العربی الرسمی، یغدوان أقل تأثیراً، ذلک أن معادلة الحرب والسلام فی المنطقة، تکاد تنحصر فی طرفین، وبالتالی لاعبین إقلیمیین رئیسیین، بحیث تبدو معالجة کل ما ذکرنا أعلاه من ملفات ثانویة، بمثابة التحضیر لمعالجة جوهر المشکلة الإقلیمیة المتعلق "بالمواجهة" بین إیران وحلفائها من جهة، وإسرائیل وأمیرکا من جهة ثانیة، فإن حدثت الحرب کان طرفاها واضحین، وان حدث السلام تفادیاً للحرب أو کإجراء لإعادة ترتیب ما سینجم عنها فی حال حدوثها، کان طرفاه هما ذاتهما، وبالتالی تتجه الأمور إلى عدم الاهتمام أو إلى إهمال ما عداهما من لاعبین سیاسیین، هذا لا یعنی انه لن تکون هناک معالجة للملف الفلسطینی، لکن بات من المرجح القول إن هذه المعالجة لیست بالضرورة أن تتم الآن، أی قبل معالجة المرکز المتحکم بمعظم الملفات الإقلیمیة المتوترة، التی تحولت إلى ساحات مواجهة بین الطرفین الإقلیمیین، کما أن شکل معالجته، لم یعد بالضرورة یمر من خلال العنوان الرسمی الفلسطینی ولا حتى ضمن الإطار الرسمی العربی.

لیست فقط أوسلو، ولا أنابولیس، بل أیضاً المبادرة العربیة التی طرحت منذ قمة بیروت العام 2002، لم تعد مرجعیات لمعالجة هذا الملف، لذا فان سوریة التی تفضل معالجة علاقتها مع لبنان ثم مع إسرائیل، على دور على الجبهة الفلسطینیة، حتى لو کان سیعید أو سیذکر بکونها رئیس القمة العربیة الحالیة، ولا حتى مصر بمکانتها وبنیابتها عن النظام العربی المعتدل، ومحوره - القاهرة - عمان- الریاض، باتتا قادرتین أو على الأقل تفضلان المراهنة على ملف غیر مضمون النجاح، ونقصد به ملف الحوار الداخلی الفلسطینی.

معجزة اذاً تنتظر إطلاق الحوار الفلسطینی، الذی طویت صفحته فی صنعاء، ثم فی الدوحة، وها هی تراوح مکانها فی القاهرة، بسبب تعلیق الملف الفلسطینی على جدول الأعمال الإقلیمی، والمعجزة تنتظر أن یتحرر الفرقاء الفلسطینیون من ارتباطاتهم الإقلیمیة، لیقدموا المصلحة الوطنیة، وهذا أمر یبدو بعید المنال، خاصة بالنسبة للطرفین الرئیسیین، اللذین یتلقیان الدعم السیاسی والمالی، من جهتین متقابلتین، وهکذا تبدو استجابة الفصائل الأقل ارتباطاً بالمراکز الإقلیمیة أکثر لدعوات الحوار وموجباته، لکنها وبسبب من عدم قدرتها على فرض الحل الداخلی، تبقى المشکلة تراوح مکانها.

وما لم یظهر عامل داخلی حاسم، فإن فلسطین ستبقى رهینة التجاذبات الإقلیمیة، التی تبقی على انقسامها السیاسی الداخلی وتلحق الضرر الفادح بمستقبل حرکتها الوطنیة ومستقبلها على طریق الحریة والتحرر، وعلى طریق الحوار الإقلیمی، ویبقى الحوار الداخلی ریشة فی مهب الریح، والى ان تجیء لحظة ذروة، مع استحقاقات داخلیة موجبة للتغییر، عندها قد یکون للملایین من الفلسطینیین کلمة أخرى.

( المقال للکاتب الفلسطینب رجب أبو سریة )

ن/25


| رمز الموضوع: 141117