qodsna.ir qodsna.ir

سوریة وإیران علاقة صداقة متجددة

سوریة وإیران علاقة صداقة متجددة

 

التجاور بین الشعبین العربی والإیرانی یعود إلى قرابة ثلاثة آلاف سنة، هذا التجاور أفرز بطبیعة الحال تلاقحاً بین الحضارتین العربیة والفارسیة، وقد دخلت العلاقات العربیة ــ الإیرانیة مرحلة جدیدة مع ظهور الإمبراطوریة الساسانیة فحکمت العلاقة بین العرب والفرس الموادعة بین الأکاسرة الفرس وجیرانهم من القبائل العربیة فی أغلب الأحیان والحرب فی حالات أخرى، حیث کان أکاسرة الفرس یقدمون المیرة للقبائل العربیة فی مقابل دفاع تلک القبائل عن الحدود الغربیة للإمبراطوریة الفارسیة والطرق التجاریة عبر الصحراء، کما دعم الفرس المناذرة اللخمیین حکام الحیرة واعتمدوا علیهم کدولة حلیفة فی الصراع ضد الرومان، وکان من المعتاد فی تلک الفترة أن یرسل ملوک الحیرة الشبان العرب النابهین إلى البلاط الإیرانی لکی یتعلموا فیه أصول الإدارة ویدخلوا فی الجهاز الإداری والمالی للإمبراطوریة، کما کان من المعتاد أن یرسل الإمبراطور الإیرانی بعض أبناءه إلى الحیرة لیتم تربیتهم فی بلاط ملکها العربی.

ومع ظهور الإسلام الذی وحد القبائل العربیة جمعاء تحت رایته دخلت العلاقة ما بین الفرس والعرب منعطفاً جدیداً، فبعد انهزام جیوش الإمبراطوریة أمام الجیوش الإسلامیة فی معرکتی القادسیة ونهاوند الحاسمتین انتشر الإسلام فی صفوف الشعب الفارسی، فلم یکد ینصرم القرن الأول الهجری حتى کانت بلاد فارس بأکملها إسلامیة.

تحول بلاد فارس إلى الإسلام واجتماعها مع بلاد العرب تحت دیانة واحدة عزز بالطبع العلاقات الحضاریة بین الشعبین، فما بین القرن السابع تاریخ دخول الإسلام إلى إیران إلى القرن الثالث عشر تاریخ سقوط الخلافة العباسیة کان المشرق العربی والهضبة الإیرانیة یشکلان وحدة ثقافیة ودینیة وحتى سیاسیة إلى حد ما، فقد کانت تلک المنطقة إسمیاً تحت سلطان الخلیفة العباسی، مما یعنی أنه کانت هناک حریة واسعة لتحرک الأفکار والثقافات والفنون والعلوم دون وجود أی حواجز تعیقها.

ولم یقتصر التلاقح الحضاری بین العرب والفرس على المثقفین فقط، بل تغلغل إلى کافة فئات شعب فارس، فقد أحصت موسوعة «أمثال وحکم» وهی جزء من الموسوعة اللغویة الفارسیة «لسان نامة - دهخدا» المقابلة لموسوعة «لاروس» الفرنسیة و«أوکسفورد» الإنکلیزیة حوالی 1730 مثلاً عربیاً فی اللغة واللسان الفارسی، سواء أکانت أمثال عربیة انتشرت بین الفرس بنصها العربی أو کانت أمثال عربیة تمت ترجمتها إلى الفارسیة.

لکن هذه الحال لم تستمر، فالتغیر الکبیر فی طبیعة العلاقات الإیرانیة ــ العربیة حدثت مع الغزو المغولی لفارس والعراق على ید هولاکو، فلأول مرة منذ قرابة سبعة قرون تصبح الحدود بین المشرق العربی والهضبة الإیرانیة مغلقة وتملک مقالید الحکم فی إیران سلطة معادیة، لکن نقلة نوعیة جدیدة حصلت باستخدام کل من الصفویین والعثمانیین الاختلاف المذهبی کأداة فی الصراع السیاسی فیما بینهم وخلق نوع من الحساسیات التی لا تزال مستمرة إلى الیوم، رغم محاولات الإصلاحیین  والمتنورین العرب والمسلمین منذ القرن التاسع عشر إلى دفن هذه الحساسیات أمثال «محمد عبده» و«جمال الدین الأفغانی» و«عبد الرحمن الکواکبی».

أما المحاولة الأکبر لضرب کل التاریخ المشترک بین العرب وإیران فجاءت من قبل شاه إیران الذی حاول نسف کل شیء یمت إلى الإسلام والعروبة من إیران وتاریخها ومحاولة وصل حکمه بالسلالة الأخمینیة قبل 2500 عام قافزاً على 14 قرناً من الإسلام والتأثیر العربی، وتبنیه الکامل لإسرائیل والغرب ومحاولته تحویل الإمارات العربیة على شاطئ الخلیج( الفارسی )إلى محمیات إیرانیة، لکن هذه المحاولة ضربت مع قیام الثورة الإسلامیة فی إیران عام 1979، فقد أکد قائدها «الإمام الخمینی» (رض) منذ قیام الثورة على أهمیة العرب ومحبتهم بالنسبة لإیران، وأهمیة تنمیة وتقویة العلاقة معهم، وهو ما عنى تحول إیران من حلیف إسرائیل الأکبر فی المنطقة زمن الشاه إلى ألد أعدائها من غیر العرب زمن الثورة.

فإیران الیوم هی دولة المؤسسات المتوازنة والدیمقراطیة الإسلامیة الناجحة وفیها قیادة متمیزة عقلانیة ومستنیرة مؤمنة بالانفتاح على العالم العربی وبضرورة تدعیم التعاون وتفعیله مع کافة دول هذا العالم، والعلاقات العربیة - الإیرانیة تشکل حالة مهمة فی السیاسة الإقلیمیة والدولیة وتزداد أهمیتها نتیجة ما تشهده المنطقة والعالم من تسارع فی المتغیرات والأحداث التی تجعل من منطقتنا أحد أهم المواقع التی یرسم فیها المسار الذی سیسلکه مستقبل البشریة، والعلاقات العربیة - الإیرانیة (ولا ننسى العلاقة العربیة - الإیرانیة - الترکیة أیضاً) هی مفتاح أساسی یحدد مدى قدرة منطقتنا الذاتیة على إدارة شؤونها وتحقیق أمنها واستقرارها والرفاهیة والتنمیة المستدامة لشعوبها.

کما أن هناک تلاقی إیرانی ــ سوری فی دعم حق الشعوب فی الاستقلال والحریة وتحریر الأرض.. من هنا یأتی الموقف الواضح فی دعم المقاومة الفلسطینیة ضد السیطرة الإسرائیلیة الصهیونیة وفی الوقوف إلى جانب المقاومة اللبنانیة المنتصرة عام 2000 والصامدة والمنتصرة عام 2006 والمستمرة فی العمل على تحریر کامل التراب اللبنانی.

العلاقة المتمیزة التی تجمع بین سوریة وإیران منذ قیام الثورة الإسلامیة عام 1979 إلى الیوم والمتطورة عاماً بعد عام إنما تجعل من دمشق بوابة العبور والجسر والمثال للعلاقات العربیة – الإیرانیة التی نأمل ونتمنى أن تتعمق کی تکون إیران عمقاً للوطن العربی بما یربطنا بها من علاقات سبق أن ذکرناها دینیة ثقافیة اقتصادیة.. إلخ، وتأتی زیارة السید الرئیس «بشار الأسد» إلى إیران کما زیاراته السابقة وجمیع الزیارات المتبادلة بین القیادات السوریة والإیرانیة - متمثلة بزیارة الرئیس الراحل «حافظ الأسد» عدة مرات لطهران وکذلک مرشد الثورة الإیرانیة «آیة الله علی خامنئی» عندما کان رئیساً للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لدمشق والرئیس «علی أکبر هاشمی رفسنجانی» والرئیس «سید محمد خاتمی» والرئیس «محمود أحمدی نجاد» ، ومختلف القیادات السیاسیة والاقتصادیة والدینیة والثقافیة فی البلدین - إنما تعمل على تعمیق تلک العلاقات سیما التعاون الاقتصادی والعلمی.. والعمل على تجذرها واستمرارها وتطویرها ودفعها بما یخدم الدولتین والشعبین والمنطقة بشکل عام، وتساهم فی حل جمیع القضایا والملفات التی تهدد أمن واستقرار منطقتنا والعالم.

(بقلم : مازن یوسف صباغ  )

م/ن/25

 


| رمز الموضوع: 141121