أموال الدول المانحة أهداف مشبوهة وأغراض خبیثة(2)
أموال الدول المانحة أهداف مشبوهة وأغراض خبیثة(2)
السلطة الفلسطینیة فی حقیقة الأمر وبحسب ما نراه لیس أکثر من روابط قرى مطورة أو بصلاحیات أوسع من روابط القرى – النسخة الأصلیة- وقد تکون بعض التسمیات اختلفت – عملیة تطور أو تطویر طبیعی ألیس کذلک- فقد کانت تسمى روابط القرى وهی الآن تسمى سلطة فلسطینیة – لا یوجد فی الاتفاق بین إسرائیل والسلطة کلمة وطنیة- أی أنها السلطة الفلسطینیة ولیس السلطة الوطنیة الفلسطینیة- وبدلا من تسمیة مختار صارت التسمیة وزیر، وبدلا من أن یقوم المواطن الفلسطینی بالاتصال مباشرة مع الضابط الإسرائیلی – شلومو أو سواه- من اجل انجاز معاملة ما، صار هناک مندوبا یسمى ضابط ارتباط فلسطینی – محمد أو غیره..- یقوم بالاتصال بالإسرائیلی، أی أن المسالة صارت فیها نوع من التنظیم والتدرج ربما أکثر مما کان علیه الأمر قبل دخول السلطة أو تشکلها.
فی السابق کان شلومو یقوم بعمله من خلال مکاتب موزعة فی مدن الضفة الغربیة وقطاع غزة ویتم تقدیم المعاملات إلیه مباشرة من خلال المواطن الفلسطینی عبر شباک المراجعة فی هذه الدائرة أو تلک، أما الآن وبعد أن تشکلت السلطة صار یداوم فی مکان ما داخل إسرائیل أو فی أی مکان فی المستوطنات الإسرائیلیة مثل بیت ایل أو کفار عصیون ویقوم المواطن الفلسطینی بتقدیم المعاملات للضابط محمد فی مکان عمله فی المدینة الفلسطینیة الذی یقوم بدوره بجمع هذه المعاملات وإرسالها إلى الضابط شلومو – من خلال الید أو الهاتف أو البرید الالیکترونی لیس مهما- وبعد أن یقوم الجانب الإسرائیلی بالتدقیق والتمحیص بنفس الطریقة والآلیة السابقة یقوم بإعادة الملفات بالموافقة أو الرفض أو أی قرار یتخذه الجانب الإسرائیلی، طبعا هنا نحاول أن نوضح بعض المسائل حتى تکون الصورة واضحة لمن لا یعرف وخاصة لأولئک الذین هم فعلا لا یعرفون أو أنهم یعتقدون أو توهموا للحظة بان المسالة أو القرار بید الفلسطینی.
ضمن السیاق ذاته وحتى تکون الصورة أکثر وضوحا وربما أکثر سوادا وتشاؤما، هل یستطیع أی مسؤول فلسطینی مغادرة الأراضی الفلسطینیة دون إذن من الإسرائیلی وهل هنالک إمکانیة لان یدخل أی فلسطینی أو عربی أو أجنبی إلى الأراضی الفلسطینیة دون موافقة الإسرائیلی– لا بد من أن نعید إلى الأذهان أن المرحوم یاسر عرفات لم یستطع مغادرة المقاطعة من اجل حضور مؤتمر القمة العربیة فی بیروت، ولم تستطع کل دول العالم أن تضمن عودته إلى الأراضی الفلسطینیة فیما لو غادر لحضور ذلک المؤتمر- ولا بد من الإشارة ولو من باب التذکیر فقط بان العالم کله شاهد رئیس الوزراء إسماعیل هنیة وعندما غادر عبر معبر رفح وأراد العودة إلى قطاع غزة شاهده وهو یجلس على کراسی أو مقاعد المهانة الرثة فی انتظار الموافقة الإسرائیلیة له للدخول فی منظر کان فیه الکثیر من الإذلال الذی مس مشاعر الشعب الفلسطینی کله لیس لأنه هنیة ولکن لأنه أو من المفترض انه رمز فلسطینی أو احد رموز "السیادة" الفلسطینیة.
وبالعودة إلى المنح والهبات التی یتم تقدیمها للشعب الفلسطینی من الدول الغربیة المختلفة فکما أسلفنا لا احد ضد ذلک إذا کان یتم بدون شروط وغیر مرتبط باشتراطات محددة، أما أن یأتی وزیر الخارجیة البریطانی السید براون أو سواه من الساسة الغربیین لیقول بأنه یقدم ما یقدمه دعما للسلطة الفلسطینیة فهذا لن یغیر من الأمر أو الواقع شیئا، فهو إنما یقوم بدفع تکالیف أو أموال یجب أن تکون من الخزینة الإسرائیلیة، ویبدو أن السید براون یعتقد بأنه بهذا المبلغ إنما "یتمنن" على الشعب الفلسطینی، والحقیقة أن هذا المبلغ وسواه هو عملیا من أموال الشعب الفلسطینی التی استولت علیها بریطانیا خلال فترة انتدابها أو استعمارها لفلسطین، کما أن هذا المبلغ لا یساوی ولو جزءا بسیطا مما عاناه طفل أو امرأة أو عجوز فلسطینی على ید قوات بلاده التی استباحت الأرض الفلسطینیة فی تلک الحقبة من الزمن، وهذا المبلغ لا یساوی نقطة دم سفحت من مناضل فلسطینی قتلته القوات البریطانیة خلال نفس الفترة، وهی لا تساوی شرف واحدة من حرائر فلسطین اغتصبت على أیدی القوات البریطانیة أو العصابات الصهیونیة التی سمحت بلاده بقدومها إلى فلسطین وهی لا تساوی أی جزء من معاناة فلسطینی تسبب هو وحکومته فیها حیث أن الأصل فی کل معاناة الشعب الفلسطینی هی بریطانیا التی منحت ما لا تملک إلى من لا یستحق، وعلى براون ومن خلفه ومن قبله بریطانیا الشعور بالعار والندم لما قامت به بلاده فی هذه الأرض، وعلیه أن یدرک أن ما یتعرض له الشعب الفلسطینی منذ 1917 حتى اللحظة إنما کانت مملکته هی سببه، وعلیه بالتالی ألا یشعر بالتباهی والتفاخر بان بلاده تقدم هذا المبلغ لمساعدة الفلسطینیین، لأنه إنما یدفعه نیابة عن دولة الاحتلال التی من مسؤولیاتها کل ما هو موجود فی الأراضی المحتلة کما ان علیه أن یدرک أن ما یدفعه إنما هو أصلا للشعب الفلسطینی من دین فی رقبة بریطانیا التی نهبت البلد وقتلت وجوعت وشردت قبل أن تسلمها إلى عصابات لا تعرف الرحمة أو الشفقة.
نقول هذا لان الموضوع الفلسطینی لا زال – على النار- ومن حق الشعب الفلسطینی أن یطالب بریطانیا بالتعویض عما ألحقته بهذا الشعب عندما قامت باحتلال بلاده ومن ثم تسلیمها إلى العصابات الصهیونیة- إن مسالة اعتذار بریطانیا وتقدیم تعویض للفلسطینیین یجب أن تظل موجودة فی قلوب وعقول الفلسطینیین ویجب ألا یطوی هذه القضیة النسیان، أو لم تقم إسرائیل بالضغط على البابا من اجل تقدیم اعتذار عما لحق بالیهود قبل ألفی عام وقام فعلا بذلک، على الفلسطینی ألا ییأس من هذه القضیة وان یطالب بها فی کل مناسبة إلى أن تستجیب بریطانیا لذلک.
من المفروض أن تکون دولة الاحتلال هی المسؤولة عن تقدیم کل الخدمات الصحیة والتعلیمیة والمیاه والکهرباء وکل الخدمات الضروریة للمواطن الفلسطینی الواقع تحت السیطرة الإسرائیلیة، وهذا معروف ومنصوص علیه فی کل الاتفاقات الدولیة وهذا ما کانت تقوم به دولة الاحتلال حتى دخول السلطة إلى الأراضی الفلسطینیة المحتلة عام 994 حیث تخلت إسرائیل عن کل هذه الالتزامات واستطاعت إسرائیل بذکاء أن تحمل کل ذلک للعالم الذی صار یدفع بالنیابة عن إسرائیل هذه التکالیف وصار الاحتلال بالنسبة لإسرائیل بدون أیة تکالیف تذکر لا بل صار ارخص احتلال فی هذا الکون.
الحدیث عن مناطق سیادة فلسطینیة وکل التقسیمات الفارغة التی نصت علیها الاتفاقات مع إسرائیل لیس سوى حبرا على ورق وخداع مارسته إسرائیل بشکل کبیر، فهی تقوم بشکل یومی بانتهاک ما یقال عنه انه مناطق سیادیة فلسطینیة، وهی تنتهک کل شبر فلسطینی تحت ما یسمى سیادة السلطة، وکل التقسیمات التی وردت لیس سوى لذر الرماد فی العیون، ولإیهام العالم بان إسرائیل تجنح إلى السلم، ولکی تتخلص من أعباء ومیزانیات بمئات الملایین من الدولارات کان یجب أن تخرج من الخزینة الإسرائیلیة.
عندما نقول بان الاحتلال الإسرائیلی أصبح مجانی وبدون فواتیر تدفع من الخزینة الإسرائیلیة، لیس رغبة منا بالتجنی على احد، أو رغبة منا اتهام احد، لکن لان الواقع یقول أن الاحتلال قائم ولا زال البسطار الإسرائیلی على الرقبة الفلسطینیة.
فی شهر مایو من العام 2006 قال العمید الإسرائیلی ایلان باز الذی تقاعد من الخدمة العسکریة الإسرائیلیة قبل ذلک بشهر تقریبا وکان یشغل منصب رئیس الإدارة المدنیة فی منطقة الضفة الغربیة "یهودا والسامرة" وقائد لواء جنین ورام الله سابقاً، وخلال لقائه مع بعض الفلسطینیین فی فندق الامبسادور فی الشیخ جراح قال: "إذا انهارت السلطة، لن تستطیع إسرائیل أن تبقى صامتة بلا حراک بینما یتواجد 3 ملیون فلسطینی فی "المناطق"، ولابد من عودة إسرائیل لحکم هذه "المناطق". وتابع یقول: "إن إعادة الحکم العسکری الإسرائیلی لهذه "المناطق" یعنی تکلفة إسرائیل 12 ملیار شیقل" أی حوالی 4 ملیار دولار. هذا ما قاله العمید الإسرائیلی، إذن وعلى اعتبار صدقیة الرقم، هذا إن لم یکن اکبر من ذلک بکثیر، مضاف إلى ذلک ما یمکن أن یشکل هذا الاحتلال "المعاد" على اعتبار أن "المناطق محررة" من إحراجات على المستوى الدولی والعلاقات العامة والإعلام وما إلى ذلک.
الجنرال الإسرائیلی تحدث فقط عن المبالغ المالیة التی یمکن أن تتحملها الخزینة الإسرائیلیة نتیجة إعادة نشر قواتها فی الضفة الغربیة، وهو لم یتحدث عما یمکن أن یلحق بهذه القوات من إصابات وقتلى وجرحى بسبب تواجدها وانتشارها المکثف فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة.
على أی حال فإننا عندما نورد هذا الرقم فلان من أورده بدایة هو جنرال إسرائیلی، ولان فیه من الدلائل على أن تکلفة الاحتلال أصبحت مجانیة ولان العالم یدفع ما یجب أن تدفعه إسرائیل، بالإضافة إلى أن هذا لیس سوى جزء فقط من تکلفة الاحتلال، حیث أن ما تحدث عنه الجنرال کان محصورا فی تکلفة إعادة انتشار القوات الإسرائیلیة، ومن هنا نقول للسید براون ومن هم على شاکلته بان ما تدفعونه إنما هو مساهمة فی رفع الأعباء عن دولة الاحتلال، وأنکم تساهمون بهذا الاحتلال سواء أعلنتم عن ذلک أم لا، وأنکم شرکاء کنتم ولا زلتم فی الاحتلال وأنکم جزء لا یتجزأ من منظومة الأعداء لهذا الشعب ولهذه الأمة.
لا شک بان السلطة الفلسطینیة وبدخولها أو تشکلها فی الأراضی المحتلة أزاحت عبئا ثقیلا عن کاهل دولة الاحتلال، وهنا لا نرید أن نورد ما لیس له علاقة بالثمن الاقتصادی أو المالی فی هذا السیاق والذی تخلصت إسرائیل منه، ولا بد هنا من التذکیر أو الإشارة إلى أن هنالک من الدراسات التی تتم فی أکثر من عاصمة أو مدینة أوروبیة وغیر أوروبیة حول تحسین الأوضاع الاقتصادیة للفلسطینیین لیس فقط فی الأراضی الفلسطینیة لا بل وفی الشتات، حیث یعتقد من یقومون بهذه الدراسات بان إصلاح أو تحسین الوضع الاقتصادی للفلسطینیین قد یساعد على التخلص من الکثیر من المشاکل والتی على رأسها المطالبة بحق العودة، لا بل إن هنالک دراسات تحدثت عن أرقام بعینها من اجل التعویض على الفلسطینیین من اجل التخلص من موضوع حق العودة وأشارت إلى أن دولا عربیة خلیجیة تساهم فی تلک الدراسات، وأنها یمکن أن تساهم بشکل کبیر فی دفع مبالغ کبیرة فی قضایا التعویض خاصة فی ظل الطفرة فی أسعار النفط التی حدثت خلال هذا العام تحدیدا.
إننا نعتقد بان کل هذه المشاریع وکل ما یتم تقدیمه للفلسطینیین لیس سوى جزء من ثمن یعتقد على نطاق واسع انه سیخفف من المواجهة مع الدولة العبریة، وانه قد یخفف من الإحساس بالظلم الذی یشعر به الفلسطینی فی الأراضی المحتلة بشکل خاص علما بان هذه الأموال التی یتم دفعها یتم استخدامها من اجل الضغط على الفلسطینیین ممثلین بالسلطة من اجل الخضوع لضغوط واشتراطات لم یکن ممکنا قبولها فی السابق، کما أنها وبحسب الکثیر من المراقبین والمحللین ساهمت فی انتشار الفساد فی المستویات المختلفة فی السلطة عدا عن أنها خلقت طبقة من المستفیدین ورجال الأعمال الذین صار لهم مصلحة فی استمرار الوضع على ما هو علیه، وان إسرائیل نجحت إلى حد کبیر فی تحویل الکثیر من رجال الثورة إلى رجال للإعمال.
أخیرا نعتقد بان ما یتم دفعه من أموال من قبل الدول الغربیة إنما سیبقی هذا الاحتلال البغیض قائما، وإن تقدیم الأموال للسلطة إنما هو دعم بشکل مباشر ومقصود من اجل إبقاء الاقتصاد والشعب الفلسطینی فی حالة من التبعیة غیر ممکنة الفکاک من هذا الاحتلال، عدا عن أن هذه المساعدات إنما تساعد على استشراء ظاهرة الفساد کما اشرنا فی مستویات مختلفة من السلطة الفلسطینیة، کما أنها تسهم فی إطالة أمد الاحتلال طالما لا تدفع إسرائیل ثمنا له لا مالیا ولا بأی صورة أخرى من الصور، والمطلوب أن تتوقف هذه الدول عن تقدیم هذه الأموال حتى تستجیب إسرائیل للقرارات الدولیة وتقوم بتطبیقها من خلال انسحابها من الأراضی الفلسطینیة المحتلة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس عندئذ وعندئذ فقط یمکن إلا نشکک بهذه المساعدات إذا ما استمرت هذه الدول بتقدیمها وبدون اشتراطات مهما کان نوعها.
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS