حماس وتکرار أخطاء الماضی

حماس وتکرار أخطاء الماضی!!!

فی غزة تدور نقاشات وحوارات داخلیة بین الناس حول الحال التی وصلوا إلیها بعد جریمة الشاطئ على بحر غزة، التی أدانها واستنکرها معظم الفلسطینیین لما تشکله من نقلة نوعیة فی عملیة القتل الجماعی التی وقعت للمواطنین الآمنین، وساهمت فی خلق حال من الرعب والخوف من تکرارها فی مناطق مأهولة مثل الأسواق أو، وما تلاها من إجراءات قمعیة قامت بها حرکة "حماس" وأجهزتها الأمنیة فی القطاع من تحریم حرکة "فتح" والعدد الکبیر من الاعتقالات وإغلاق المؤسسات التابعة للحرکة واعتقال القیادة السیاسیة العلیا لها.

المشهد الفلسطینی بشع ومحزن، وتوج أخیرا بالحملة الأمنیة التی شنتها کتائب القسام والشرطة والأجهزة الأمنیة التابعة للحکومة المقالة، على حی الشجاعیة لاعتقال مشتبه بهم فی تفجیر الشاطئ تقول الحکومة المقالة أن عائلة حلس المحسوبة على حرکة "فتح"، تأویهم وسقوط 12 قتیلا من الطرفین وعدد کبیر من الجرحى، واستخدام الطرفین الأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون و"الار. بی. جی" التی تناثرت شظایاها وسقطت فوق رؤوس الأبریاء، وفرار حوالی 188 على إسرائیل.

بعد جریمة الشاطئ طالبت وزارة الداخلیة المقالة من عائلة حلس تسلیمها عدداً من المطلوبین والمشتبه بهم فی تفجیر الشاطئ من العائلة وبعض أعضاء من حرکة "فتح"، واستمرت المفاوضات نحو أسبوع وتدخلت وساطات کثیرة من بعض الفصائل والشخصیات الوطنیة والوجهاء بما فیهم وجهاء عائلة حلس، وحسب بعض المصادر ذات العلاقة بالوساطة فان وزارة الداخلیة تنازلت عن العدد الذی کانت تطالب به وهو 25 مطلوباً إلى 10 مطلوبین، ألا أن العائلة رفضت، وحسب تلک المصادر أیضا فان الوسطات فشلت فی التوصل إلى حل.

فی غزة اختلف المراقبون فی تفسیراتهم وتحلیلاتهم حول الخطوات التی قامت بها حرکة "حماس" فی القطاع ضد حرکة "فتح"، منهم من ذهب إلى أن هذه الخطوات هی قرار من کتائب القسام من دون الرجوع إلى المستوى السیاسی،  وان قیادة القسام أطلقت العنان لعناصرها بمصادرة کل ما یتعلق بحرکة "فتح"، ومنهم من قال إن هذه الخطوات اتخذت بقرار من قیادة الحرکة، فما جرى فی قطاع من خطوات کان لا یتم من دون موافقة القیادة السیاسیة لحرکة حماس، وما جرى کان وما یزال یؤکد أن هناک شبه إجماع على تلک الخطوات والضرب بید من حدید على من نفذ جریمة الشاطئ، لاعتقاد قیادة الحرکة الراسخ أنها تلقت ضربة قویة لم تتلقاها من سنوات عدة لذا کان لزاما على الحرکة أن ترد بالقسوة، التی قامت بها خلال الأیام القلیلة الماضیة.

فالتصریحات الصادرة عن الناطقین باسم الحرکة وبعض القیادات السیاسیة تؤکد أن القرار بقمع "فتح" کان قراراً جماعیاً، وان تبریرات البعض الأخر من قیادة الحرکة هی غیر مقنعة ولم تصل إلى حد الإدانة، کما هو موقف حرکة "فتح" من تفجیر الشاطئ الغامض وغیر الواضح ولم تخرج قیادة "فتح" بما فیها الرئیس محمود عباس بموقف وبیان رسمی ینفی علاقة فتح بالتفجیر واعتمدت الحرکة على تصریحات الناطقین الإعلامیین، وخیمت أجواء الاتهامات المتبادلة بین الطرفین.

الأحداث التی یشهدها قطاع غزة قاسیة ومخیفة ومأساویة وتؤسس لحالات انتقام وثأر جدیدة، وتعمق الجرح الفلسطینی، وتساهم فی تفکیک النسیج الاجتماعی، فمن حق السلطة أن تلاحق المشتبه بهم فی تنفیذ جرائم أو متورطین فی قضایا، لکن یجب أن یتم ذلک وفقا للقانون، وعلى السلطة أن تستنفذ جمیع الإجراءات القانونیة المتعلقة بذلک، ولیس کما وقع خلال الحملة الأمنیة التی نفذتها الاجهزة الأمنیة فی الحکومة المقالة وکتائب القسام، فإن المواطنین من عائلة حلس والذین حوصروا فی بیوتهم خلال الحملة الأمنیة تحدثوا عن انتهاکات فظیعة ارتکبت بحقهم وحق أولادهم، من إطلاق نار وتخویف وترهیب.

إحدى النساء تحدثت أن أفراد الاجهزة الأمنیة الذین کانوا مقنعین اقتحموا منزلها وفیه 10 أطفال تم وضعهم فی غرفة وطلب منهم احدهم أن یشهدوا أن لا اله إلا الله، لأنهم سوف یموتون، وساد الخوف والرعب بین الأطفال، فضلاً عن روایات المصابین الذین أطلقت علیهم النار بعد اعتقالهم ومن بینهم أطفال، فالفتى محمود اعتقل وأطلقت علیه النار فی الشارع فی قدمه ومن تم اقتید إلى مرکز شرطة الشجاعیة وأطلقت علیه النار على فخذیه ومن تم نقله بسیارة الإسعاف إلى مستشفى الشفاء حیث یعالج، والمواطن محی من مخیم جبالیا الذی تم إنزاله من سیارة الأجرة على مفترق الشجاعیة وأطلق احد المقنعین النار على ساقیه وکتفه الأیمن، وغیرها من القصص المریعة والمخیفة.

فی شهر أکتوبر ( تشرین الأول) من العام الماضی وقعت اشتباکات عنیفة فی حی الشجاعیة بین الشرطة المقالة وأفراد من عائلة حلس، وتبین لاحقاً بعد التحقیق التی أجرته الحرکة والحکومة أن الشرطة وکتائب القسام أخطأوا فی معالجة الأحداث التی وقعت إلا أن الحکومة لم تصدر أو تنشر أی تحقیق ولم تحاسب المخطئین، وها هی الأخطاء ذاتها تتکرر مرة أخرى تخویف وترویع واقتحامات وإطلاق نار عن قرب بعد الاعتقال، ومنع الصحافیین من التغطیة وکذلک مؤسسات حقوق الإنسان من رصد وتوثیق الانتهاکات والالتقاء بالضحایا، کل ذلک یجری من دون تحرک من الحکومة المقالة أو أعضاء المجلس التشریعی.

حرکة "حماس" وحکومتها المقالة تفشل مرة أخرى فی تقدیم النموذج الذی وعدت به ناخبیها والفلسطینیین، وتکرر الأخطاء ذاتها من خلال ممارستها القمعیة التی تقوم بها أجهزتها الأمنیة بحق المواطنین فی قطاع غزة، ولم تستطع حتى الآن تقدیم النموذج فی الحکم، فالأخطاء المرتکبة وصلت حد الخطایا بحق المواطنین خاصة ضد "فتح"، و"حماس" تعتمد فی تطبیق القانون بالمعالجة الأمنیة لما یجری من ارتکاب بعض المواطنین لمخالفات قانونیة حتى بما فیهم أعضاء فتح. حان الوقت أن تقف حماس وتفکر فی إن کانت تستطیع أن تحقق الأفضل للفلسطینیین فی قطاع غزة من خلال الاستمرار فی سیطرتها على قطاع غزة، وتعید حساباتها وتتخذ قرارات صعبة فی طریقة إدارتها للقطاع، والعودة للحوار، وإلا سوف تتهم فی أنها کانت سبباً فی استمرار معاناة الفلسطینیین، وسقوط مزید من الضحایا.

( المقال استلمته قدسنا من الکاتب وهو یعبر عن رأیه )

( بقلم الکاتب والباحث الفلسطینی مصطفى إبراهیم  )

ن/25