حزب الله یحدد المسار
حزب الله یحدد المسار
کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
ربما یکثر اللاعبون على الساحات الاقتصادیة والسیاسیة والأمنیة، وربما یعطی الإعلام کل لاعب حجما، وربما یصنع لدى المشاهدین صورا حول الأوضاع تجعلهم یهیمون فی الظنون. تعج القضیة الفلسطینیة الآن باللاعبین، وبالتجاذب والتنافر، وتتزاحم التصریحات المتنوعة وذات المصادر العدیدة، وتخیم أحیانا أجواء تفاؤل وأحیانا أخرى أجواء تشاؤم. مرت سنین طویلة واللاعبون یمضغون ذات التصریحات ویجترونها، والناس یحاولون برمجة انفعالاتهم وتفاعلاتهم مع ما یقال بقدر عقولهم وقدرتهم على عقلنة تجاربهم.
تغیرت الأمور فی السنین الأخیرة بحیث أن اللاعبین الحقیقیین صامتون إلى حد کبیر، واللاعبون ذوو الشأن القلیل لا یغادرون شاشات التلفاز. ینشط سیاسیون فلسطینیون وعرب فی البحث عن حل للقضیة الفلسطینیة وإقامة الدولة الفلسطینیة، فی حین أن الطرف الآخر الذی هو الکیان الصهیونی لا یکاد یجد فی برامجه حیزا لأخذ هؤلاء بجد. الکیان الصهیونی أمام مشکلة کبیرة وعسیرة، وهی مشکلة اختلال توازن القوى فی المنطقة العربیة الإسلامیة، وما یترتب علیها من تهدید لوجوده. من دروب الخروج عن المنطق أن فلسطینیین یطلبون إقامة دولة لهم من دولة أصبح وجودها على طاولة حواراتها الداخلیة.
اللاعب الحقیقی على الساحة الآن هو حزب الله المدعوم من إیران وسوریا، وهو لاعب یفکر علمیا ویعمل بمنهجیة علمیة، ولا یمارس خداع الذات ولا یعشق تفکیر التمنی؛ وهو یضع تحدیا کبیرا وحقیقیا للآلة العسکریة الصهیونیة. حزب الله عبارة عن رکن أساسی فی تغییر میزان القوى الذی ساد فی المنطقة على مدى سنین طویلة، والذی أدى إلى هزائم عربیة متکررة، وهو یرى فی هذا التغییر مقدمة أساسیة وحیویة نحو تحقیق إرادة سیاسیة عربیة حرة. إنه یعمل دائما بدأب وبدون کلل أو ملل، وهو دائما مستعد للمواجهة.
کتبت مباشرة بعد حرب عام 2006 مقالا بعنوان "الحرب قریبة ولیست وشیکة" قلت فیها إن إسرائیل وأمریکا لن تسلما بالحقائق على الأرض وستعملان على استعادة المیزان العسکری لصالحهما، وأضفت بأن أی جولة حربیة قادمة ضد حزب الله، سیخرج الحزب منها منتصرا. وفد شرحت بعد خطاب السید حسن نصر الله الذی أشار فیه بأنه یملک مفاجأة کبرى بأن الحزب، على أغلب احتمال، یمتلک قدرات دفاعیة جویة تمکنه من شل الطیران الصهیونی. قلما وجدت أحدا یوافقنی على توقعاتی، لکن ها هی قیادات الصهاینة الآن تطلب العون من قوات الأجانب فی جنوب لبنان فی حال سقوط طیارین صهاینة.
وقد شرحت بعد ذلک بأن الحرب القادمة، بالنسبة لحزب الله، ستکون حربا متحرکة مختلفة عن الحرب الساکنة التی خاضها الحزب عام 2006. لدى الحزب الآن قوات بعشرات الآلاف من الجنود، وهؤلاء سیزحفون بریا إذا استطاع الحزب إسقاط طیران الصهاینة. إذا شل الطیران الصهیونی ولو جزئیا، فإن الجیش الصهیونی لن یصمد أمام ضربات حزب الله، والجبهة الداخلیة فی إسرائیل ستصاب بالشلل بمجرد أطلق الحزب عدة قذائف على تل أبیب.
انتصار حزب الله القادم، وهو منتصر بإذن الله، سیأذن على أغلب احتمال بسقوط مستوطنات صهیونیة بید الحزب، وهذا یعنی أن الضفة الغربیة ستکون موضوع تبادل قادم. لکن ماذا لو لم تحارب إسرائیل؟ الحزب سیحارب وسیفرض على إسرائیل خوض الحرب. حزب الله مهتم بتغییر وجه المنطقة، وهذا التغییر لن یحصل إلا إذا هزم جیش إسرائیل بریا، أی على الحزب أن یدحر الجیش الإسرائیلی إلى الخلف، على الأقل لتؤمن الجماهیر العربیة بأن الواقع العربی المریر قد تغیر، وأیضا لکی تغلق الأنظمة العربیة أفواهها وتتوقف عن دعمها للکیان الصهیونی.
لیس من المهم کیف سیبدأ حزب الله الحرب إذا لم تبدأ إسرائیل، فهناک آلیات ومبررات کثیرة للقیام بذلک. لکن المهم أن الحزب لا یتدخل فی الشأن الفلسطینی بأی طریقة من الطرق، وهو یبقی نفسه على مسافة واحدة من کل الفصائل الفلسطینیة. طبعا هذه رسالة للشعب الفلسطینی بأن الحزب لیس طرفا فی الصراع الداخلی، ولن یؤید طرفا على آخر. لکن الحزب لیس محایدا فیما یتعلق بالصراع ضد الکیان الصهیونی، وهو یعد نفسه لأیام موعودة وحاسمة، ولذلک هو یرى أن مقاربته لحل القضیة الفلسطینیة والتی هی غیر معلنة ستفرض نفسها فی النهایة موضوعیا ولیس بجهود سیاسیة وإعلامیة مباشرة. هو على ثقة بأن النصر یفرض نفسه فی النهایة، ویثبت وقائع جدیدة على الأرض. لقد فرضت نتائج حرب عام 2006 نفسها على اللاعبین السیاسیین والعسکریین فی المنطقة، وأی نصر قادم سیکون له وقع کبیر.
فی مثل هذا المشهد، حزب الله هو الذی سیحدد مسار القضیة الفلسطینیة، وسیکون مدعوما من جماهیر الشعب الفلسطینی وجماهیر الأمة العربیة والإسلامیة. أین سیذهب سیاسیو شاشات التلفاز الفلسطینیون؟ سیذوبون ولن یکون لهم دور. إنهم یتسلون الآن، وهم سیجدون أنفسهم خلف التاریخ وخلف الناس إن استمروا على ما هم علیه من استجداء للرواتب والدولة. ما زال هناک وقت للتسلیة بمصیر الشعب الفلسطینی، لکن ما زال هناک وقت أیضا للتراجع عن الترهات السائدة لصالح عمل یقود فعلا إلى تحریر الأرض أو جزء منها.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS