ماذا یرید الغرب الأوروأمریکی من الشعب الفلسطینی
ماذا یرید الغرب الأوروأمریکی من الشعب الفلسطینی؟!
لا ینظر الأوروأمریکیون إلى معاناة الشعب الفلسطینی على أنها تکفی لتحریک مشاعرهم الإنسانیة تجاهه والعدول عن مواقفهم الجائرة من قضیته، بل ینظرون إلی هذه المعاناة على أنها تمنحهم فرصة لمحاولة إقناع الفلسطینیین بالرؤیة الأوروأمریکیة للصراع العربی–الصهیونی، ولذا یشترط هؤلاء على الفلسطینیین تغییر عقلیاتهم ومواقفهم من الکیان الصهیونی قبل أن ینالوا تعاطف الرأی العام الغربی الأوروأمریکی.
وبعبارة أخرى، یسعى الغرب الأوروأمریکی لتوظیف معاناة الفلسطینیین فی الضفة وغزة لصالح الکیان الصهیونی، وذلک من خلال إقناع الإسلامیین الفلسطینیین بتغییر مواقفهم من هذا الکیان الغاصب، لتنسجم مع شروط اللجنة الرباعیة الدولیة، وأخطرها الاعتراف بما یسمى (إسرائیل). ویأتی هذا السعی المحموم مواکباً لتفاقم معاناة شعبنا واستمرار حصار غزة والعزلة السیاسیة على الحکومة التی تتولاها حرکة حماس، وبعد فشل الضغوط السیاسیة والاقتصادیة والعسکریة فی إجبار حکومة حماس على الخضوع لإملاءات اللجنة الرباعیة.
وفی هذا السیاق، تحاول مجموعة غربیة أوروأمریکیة من العاملین فی الحقل السیاسی والدبلوماسی والبرلمانیین، منذ عدة أشهر، التأثیر على مواقف حرکة حماس، وذلک عبر عقد لقاءات متکررة مع نخبة من منظری حرکة حماس والمثقفین والأکادیمیین الذین یتصدون للدفاع عن القضیة الفلسطینیة والأمة العربیة والإسلامیة. وتأتی هذه اللقاءات المتکررة فی سیاق محاولة توظیف معاناة الشعب الفلسطینی لإجراءات تحولات جوهریة فی عقلیة حرکتی حماس والجهاد وإقناعهما بضرورة تعدیل مواقفهما من مسألة "التعایش السلمی" مع الصهاینة المغتصبین لأرضنا والمعتدین علینا.
وقد تجلت محاولة التوظیف الأوروأمریکی لمعاناة الفلسطینیین سیاسیاً فی المؤتمر الأول الذی عقده معهد بیت الحکمة بعنوان "آفاق السلام: الفرص والمعوقات"، وذلک فی فندق غزة الدولی یوم الأربعاء الموافق 30 یولیو 2008، حیث رهنت شخصیات غربیة أوروبیة بارزة من المشارکین فی المؤتمر نجاح الفلسطینیین فی نیل تعاطف الرأی العام الغربی الأوروأمریکی ومساعدتهم فی تخفیف معاناتهم بقدرتهم على الاستجابة لشروط المجتمع الدولی وإملاءاته.
وکان من بین الشخصیات الأوروبیة البارزة فی المؤتمر أحد المستشارین السابقین لحلف شمال الأطلسی "الناتو"، والرئیس السابق لحرکة الشین فین الأیرلندیة، وأحد أعضاء مجلس اللوردات البریطانی، وأحد السیاسیین الفرنسیین اللامعین، وتغیب أحد الدبلوماسیین الأمریکیین عن المؤتمر. زعم بعض هؤلاء الأوروبیین أنهم یعبرون عن الرؤیة غیر الرسمیة لشعوب دول الاتحاد الأوروبی لآفاق السلام ومعوقاته، ولکنهم فی الحقیقة عبروا عن الرؤیة الرسمیة الأوروأمریکیة بشکل واضح، وهی رؤیة مشوهة وغیر إنسانیة ومنحازة إلى الکیان الصهیونی ومناقضة لتطلعات الشعب الفلسطینی وطموحاته.
وتتمثل هذه الرؤیة فی إلقاء اللوم على الشعب الفلسطینی وتحمیله مسئولیة استمرار معاناته على أیدی الصهاینة بتواطؤ ودعم غربی أوروأمریکی، واعتبار شعبنا غیر مؤهل للتعامل معه بشکل إنسانی والتخفیف من معاناته وفک الحصار عنه، لأنه کما یرى هؤلاء الأوروبیون یتشبث بمواقفه الوطنیة ویرفض التنازل عن حقوقه والاعتراف بحکم الواقع، ولأنه یرفض التنازل عن حقه فی مقاومة الاحتلال الصهیونی.
وقد تضمنت کلمات هؤلاء الأوروبیین المشارکین فی المؤتمر دعوة واضحة لإعادة صیاغة الرؤیة الفلسطینیة للصراع العربی–الصهیونی على أسس التغیرات التی حدثت فی العالم واختلال موازین القوى العسکریة والسیاسیة لصالح الاحتلال الصهیونی. وتشمل هذه التغیرات نجاح الولایات المتحدة فی إقامة نظام دولی جدید تهیمن علیه وما ترتب على ذلک من فشل الأمم المتحدة فی حل النزاعات بین الدول. کما تشمل تلک التغیرات فشل الحکومات فی حل مشاکلها ونزاعاتها مع الدول الأخرى ونجاح الفوضى الخلاقة الأمریکیة فی تأجیج الصراعات الداخلیة فی دول منطقتنا.
کما تضمنت کلماتهم دعوة صریحة للفلسطینیین إلى عدم التعویل على المقاومة فی نیل الحقوق وتحقیق الأهداف الوطنیة، فالمقاومة وعملیة التفاوض من حیث المفهوم، وفقاً لوجهة نظر الغرب الأوروأمریکی، کلاهما وسائل لحل النزاعات بین المتنازعین، ومع التغییرات العالمیة التی أشار إلیها أصحاب هذه الدعوة، فإن المقاومة لا تحقق للفلسطینیین ما یصبون إلیه، على حد زعمهم. وأکد هؤلاء على أن تشبث شعبنا بحقه فی مقاومة الاحتلال الصهیونی یؤدی إلى تعمیق الفجوة بین شعبنا والغرب الأوروأمریکی، بل وحتى إلى إصراره على التشبث بمواقفه الجائرة ضد شعبنا والداعمة للکیان الصهیونی الغاصب.
وتأکیداً على هذه الرؤیة المشوهة، زعم الأوروبیون المشارکون فی المؤتمر أن حرکات التحرر الوطنی فشلت فی استخدام قوتها وسلاحها لتحقیق أهدافها الوطنیة وحل نزاعاتها مع الآخرین، وضربوا لذلک أمثلة لا تمت لطبیعة صراعنا مع الاحتلال بأی صلة، کالقضیة الأیرلندیة، وقضیة التحرر الوطنی فی جنوب إفریقیا. ولم تخل تلک الرؤیة من محاولات لبث الیأس فی نفوس المحاضرین فی المؤتمر، کالادعاء بانشغال الشعوب العربیة فی قضایاها الداخلیة وعبث التعویل على تفعیل دورها لخدمة القضیة الفلسطینیة، وأن شعبنا مشتت لا یمتلک استراتیجیة عمل لحل مشاکله وصراعه مع المحتل الصهیونی.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرد الفصائلی الفلسطینی کان ذکیاً وحکیماً، إذ أکد جمیع الحاضرین الفلسطینیین بمن فیهم الإسلامیین على دور الغرب الأوروأمریکی وتحدیداً البریطانی فی معاناة شعبنا واستمرار قضیته منذ نحو مئة سنة.
( للدکتور محمد اسحاق الریفی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS