إسرائیل وأمیرکا هزیمة جدیدة لکن فی القوقاز هذه المرة
إسرائیل وأمیرکا هزیمة جدیدة لکن فی القوقاز هذه المرة
لا نعتقد بأن الحرب الدائرة فی القوقاز هی بین جورجیا وروسیا أو محاولة من جورجیا للسیطرة على اوسیتیا الجنوبیة أو استعادتها إلى الحضن الجورجی کما تم التداول على نطاق واسع أو ما حاولت الدوائر الجورجیة وکذلک الغربیة الترویج له، حیث إن ما یجری هناک له علاقة أو امتداد للحرب الباردة التی جرت على مدار عقود من الزمن بین الولایات المتحدة الأمیرکیة والاتحاد السوفییتی ومنظومة الدول الاشتراکیة التی کانت تدور فی فلکه فی السابق، صحیح أن البعض لا یحبذ استخدام هذا المصطلح "الحرب الباردة" بعد مرور عقدین من الزمان على تفکک الاتحاد السوفییتی، إلا أن ما یجری فی تلک المنطقة من العالم لا یمکن فصله عن تلک الحقبة واستمرار أمیرکا فی محاولاتها الإبقاء على "الاتحاد الروسی" و روسیا تحدیدا فی حالة من الضعف والتردی والتخلف حتى لا تقوم لها قائمة من جدید بحیث تظل الولایات المتحدة الأمیرکیة سیدة هذا الکون بدون منازع.
إن ما حدث مؤخرا فی منطقة القوقاز لم یکن سوى محاولة فاشلة للرغبة الأمیرکیة والإسرائیلیة والغربیة بعامة للتوغل بنفوذها وهیمنتها بشکل مفضوح وفج على المنطقة فی محاولة للإبقاء على ضعف روسیا وإبقاؤها عاجزة ضعیفة وغیر قادرة على استعادة أی جزء من "أمجادها" السابقة کقوة عظمى لها وزنها ودورها الفاعل فی الأحداث والشؤون العالمیة.
لقد أثبتت تلک "الحرب أو المعارک " بأن الولایات المتحدة الأمیرکیة بشکل خاص لا تزال تتخوف من استعادة روسیا لدورها کقوة عظمى یحسب حسابها ویمکن أن یکون لها تأثیرها فی الساحة العالمیة،وهی على هذا الأساس ذهبت فی تمادیها بعیدا خاصة بعد أن نجحت فی نشر الدرع الصاروخی على تخوم روسیا من خلال دولة التشیک ومن خلال بولندا التی منها بدأت عملیا ملامح تفکک المنظومة الاشتراکیة عندما قامت التظاهرات النقابیة بدایة الثمانینات من القرن الماضی.
لقد بدت الأصابع الأمیرکیة والإسرائیلیة عدا الغربیة واضحة جلیة فی تلک "الحرب" التی لم تدم طویلا والتی لم تستطع خلالها الدولة الجورجیة التی تحاول أن تکون النموذج الأمثل للقیم والمفاهیم الغربیة فی منطقة القوقاز الصمود أمام رد الفعل العنیف الذی أبدته روسیا تجاه ما قامت به جورجیا من عدوان على اوسیتیا الجنوبیة وذلک عندما قامت القوات الجورجیة بالاعتداء على القوات الروسیة التی تعمل فی المنطقة کقوات لحفظ السلام والتی تم نشرها منذ بدایة التسعینات من القرن الماضی.
من الواضح أن جورجیا فی ظل رئیسها ساکاشفیلی الذی قاد الثورة التی تسمى "الوردیة" والذی عملت أمیرکا على دعمه بشکل کبیر من اجل الوصول إلى رأس السلطة فی البلاد اتجهت بدون تردد إلى الحضن الأمیرکی، وقد عمل ساکاشفیلی على ربط بلاده بالولایات المتحدة الأمیرکیة ودولة الکیان العبری کما استوزر وزیرا للدفاع جورجی الأصل یحمل الجنسیة الإسرائیلیة ودفع ببلاده بشکل مریب بالاتجاه الأمیرکی من خلال تحالف مع أمیرکا لا یمکن فکاکه عدا عن إرسال اکبر القوات عددا بعد قوات أمیرکا وبریطانیا للمساهمة فی احتلال العراق، وکذلک تسلیح الجیش الجورجی بکل أنواع الأسلحة الأمیرکیة والإسرائیلیة عدا عن استقدام مدربین إسرائیلیین لتدریب القوات الجورجیة وهذا ما دفع احد الوزراء الجورجیین "یهودی متصهین" بالقول أن القوات الجورجیة سوف تقاتل مثل الأسود لأنه تم تدریبها على أیدی خبراء من إسرائیل وهو "الرئیس الجورجی" لم یتردد عن تحویل البلاد إلى قاعدة متقدمة للاستخبارات الأمیرکیة والإسرائیلیة فی منطقة القوقاز.
لقد کانت محاولات ساکاشفیلی التعاون مع الغرب واضحة وجلیة فی إبقاء روسیا ضعیفة وغیر قادرة على استرجاع "أمجادها" کدولة عظمى مؤثرة فی محاولة منها لاستعادة ولو القلیل من التوازن و"فرملة" الاندفاع الأمیرکی للسیطرة على العالم والبقاء کقوة واحدة وحیدة تتحکم فی هذا الکوکب.
الموقف الأمیرکی مما حدث فی القوقاز لم یکن بعیدا عن المواقف الأمیرکیة التی تعود علیها العالم من تزویر وقلب للحقائق، فهی حاولت قلب الحقائق من خلال القول إن روسیا واوسیتیا هی من اعتدى على جورجیا فی محاولة فجة ووقحة للتزویر والدجل، وقد کان ذلک نتیجة للهزیمة الساحقة التی تلقتها القوات الجورجیة فی ساحات القتال، وقد کان من الممکن لأی مراقب أن یلاحظ آثار تلک الهزیمة بادیة تماما لیس فقط على وجه الرئیس الجورجی الذی خرج یخاطب الجماهیر الجورجیة، بل هی کانت کذلک وربما أکثر وضوحا على وجه الرئیس الأمیرکی الذی کان أکثر تجهما وربما مصابا بالصدمة عندما خرج على شاشات التلفزة یلقی خطابه مطالبا القوات الروسیة بالانسحاب وهو یعلم علم الیقین أن هذه القوات تعرضت للهجوم علیها وأنها کانت فی مهمة لحفظ السلام فی المنطقة.
الهزیمة التی منیت بها القوات الجورجیة کانت هزیمة بکل المقاییس للتواجد الأمیرکی والأسلحة الأمیرکیة والتوجهات الأمیرکیة، کما کانت کذلک بالنسبة للدولة العبریة التی تحاول التدخل فی شؤون تلک المنطقة من خلال بیع الأسلحة وتحویل الأنظمة التسلیحیة إلى أنظمة غربیة وإسرائیلیة ومن خلال إرسال الخبراء العسکریین ورجال المخابرات إلى تلک الدول للتدخل فی شؤونها والعبث بسیاساتها ومساعدة الولایات المتحدة على تحقیق غایاتها فی تلک المنطقة.
الهزیمة الإسرائیلیة والأمیرکیة فی القوقاز لیست الأولى التی تمنى بها هاتان الدولتان خلال السنوات الأخیرة، فهاهی أمیرکا وبرغم مرور أکثر من خمس سنوات على احتلالها للعراق لم تستطع أن تحقق سوى الخیبة والفشل، وهی لا تزال تفشل حتى بتوفیر الخدمات الضروریة للعراقیین برغم کل الفائض المالی الذی تحقق نتیجة ارتفاع أسعار النفط فی الأسواق العالمیة، وهی کذلک فشلت حتى اللحظة فی أفغانستان، وهی فشلت ومعها إسرائیل فی أن تحول لبنان إلى محمیة إسرائیلیة، وفشلت فی ما دعت إلیه رایس من خلق الشرق الأوسط الجدید، وهی کذلک تفشل فی تجنید العالم من اجل توجیه ضربة لدولة إیران بحجة البرنامج النووی عدا عن فشلها فی مواقع أخرى فی العالم.
إن ما یحصل فی القوقاز هو جزء من الإستراتیجیة الأمیرکیة فی رغبتها السیطرة على العالم، وهو کذلک جزء من مخططاتها السیطرة على ما 40 إلى 50 دولة من دول العالم کانت تحدثت عنه الدوائر الأمیرکیة نهایة الثمانینات من القرن الماضی، إلا أن ما حدث فی العراق من مقاومة لم تتوقعها الولایات المتحدة - وهذا ربما أجل مؤقتا تلک الخطط- کذلک فان الهزیمة التی تلقتها الدولة العبریة فی لبنان وما حدث أخیرا فی القوقاز قد یکون من بین الأسباب التی قد تقنع أمیرکا بأن مخططاتها لیست "قدر" العالم.
( بقلم الکاتب والصحفی الفلسطینی من بیت لحم رشید شاهین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS