انه قرار سیادی مصری
انه قرار سیادی مصری
للمعابر الحدودیة فی العالم جانبان سیادیان یجیز لکل سیادة منهما فتح جانبها او اغلاقه لکن القانون الدولی لا یجیز لای منهما فتح الجانب الاخر او اغلاقه والا سیکون ذلک انتهاکا لسیادة الطرف الاخر واعتداء علیه، غیر ان هذا العرف الدولی المتعارف علیه قانونا یفتقد التطبیق على معبر رفح المصری – الفلسطینی حیث انهت المقاومة الفلسطینیة أی سیادة لدولة الاحتلال الاسرائیلی على الجانب الفلسطینی منه یوم اجبرت الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة قبل اکثر من ثلاث سنوات، مما یثیر اسئلة حول اسباب استمرار اغلاق المعبر اجوبتها ساطعة کالشمس فی وضح النهار وهی موجودة على الجانب المصری من المعبر لکنها تنتظر فضیلة الاعتراف بالحق.
ان التصریحات التی ادلى بها المتحدث الرسمی باسم وزارة الخارجیة المصریة حسام زکی فی الثانی عشر من الشهر الجاری التی أکد فیها عدم فتح معبر رفح إلا بانتشار أمن السلطة التابعة للرئیس الفلسطینی محمود عباس فقط على المعبر ورفض فیها استخدام الورقة الإنسانیة للضغط على مصر من أجل فتح المعبر مؤکدا "أن مصر تتعامل مع کل الأمور المتعلقة بقطاع غزة بجدیة کاملة نابعة من مسئولیاتها القومیة"، ان هذه التصریحات قطعت الشک بالیقین حول المسؤولیة عن استمرار اغلاق المتنفس الوحید لملیون ونصف الملیون فلسطینی فی قطاع غزة ومنفذهم الوحید الى العالم.
وهنا لا بد من وقفة عند نقطتین اثارهما الناطق بلسان الخارجیة المصریة وخانته خبرته الدبلوماسیة فی حسن التعبیر عنهما اولهما الکارثة الانسانیة فی القطاع التی لم یوفق الدبلوماسی المحترف مرتین فی الاشارة الیها المرة الاولى عندما لم یظهر رهافة حس "قومی" متعاطف بوصفها انها مجرد "ورقة" تفاوضیة یستخدمها الجانب المحاصر لـ"الضغط" على القوی المصری الحامل لمفتاح فک الحصار عنه والمرة الثانیة عندما صور عن غیر عمد فی تصریحه ان دولة الاحتلال التی اعادت فتح معابرها مع القطاع، على العلات المعروفة لهذا الفتح المشروط بالقطارة، اکثر تعاطفا مع هذه الکارثة الانسانیة من الشقیق العربی والاخ المسلم والجار الجنوبی وهذا بالتاکید لیس صحیحا على الاطلاق ویدرک کل فلسطینی وکل مصری عدم صحته بالرغم من الخلاف القائم حول اعادة فتح معبر رفح.
اما النقطة الثانیة التی خذله فیها احترافه الدبلوماسی فکانت اشارته الى ان مواقف وزارة الخارجیة التی اعلنها "نابعة من مسؤولیاتها القومیة" قافزا عن حقیقة بدیهیة هی ان قاعدة المسؤولیات القومیة المصریة ، مثلها مثل السیاسات الخارجیة لکل الدول ذات السیادة، هی المسؤولیات الوطنیة، ومما لا شک فیه ان هناک مؤسسات وطنیة اخرى فی صنع القرار الوطنی المصری لها رأی مختلف فی "تقدیم" المسؤولیة القومیة على المسؤولیة الوطنیة التی تقتضی ممارسة السیادة الوطنیة المصریة على معبر رفح وعدم رهنها لاستحقاقات ضغوط خارجیة توظف تجمید ممارسة مصر لسیادتها الوطنیة على المعبر فی خدمة اهداف دولة الاحتلال الاسرائیلی، وهی دولة معادیة بالرغم من معاهدة السلام المصریة المبرمة معها.
ان استجابة الخارجیة المصریة لهذه الضغوط والتوصیة لمجلس الوزراء بمراعاتها تتجاهل حقائق على الارض تحولت الى امر واقع ینبغی للدبلوماسیة المصریة ان تتعامل معه بهذه الصفة مثلما تعاملت مع دولة الاحتلال الاسرائیلی کامر واقع ومثلما تتعامل بواقعیة مفرطة رضیت بموجبها القیام بدور الوسیط بین هذا الاحتلال المستمر منذ اکثر من احدى واربعین سنة وبین ضحایاه من الاشقاء الفلسطینیین فی الشمال.
واولى حقائق الامر الواقع على الارض التی ینبغی التعامل معها هی ان دولة الاحتلال لم یعد لها أی سیادة على الجانب الفلسطینی من معبر رفح یمنحها أی حق فی ای دور علیه لذلک فان استمرار التمسک بالاتفاق الخماسی الموقع عام 2005 لاعادة فتح المعبر لم یعد له ما یسوغه بل ان کل مسوغات الامر الواقع تقتضی اعادة فتحه طبقا لاتفاق جدید او معدل.
وثانی حقائق الامر الواقع التی ینبغی التعامل معها هی ان الجانب الفلسطینی من المعبر مفتوح وان المعبر مغلق فقط لان الخارجیة المصریة توصی بعدم ممارسة السیادة المصریة على جانبه المصری.
وثالث الحقائق الواقعیة التی ینبغی التعامل معها هی ان سلطة الامر الواقع القائمة فی قطاع غزة التی فتحت الجانب الفلسطینی من المعبر قادرة على اغلاقه حتى لو تقرر فتح الجانب المصری له.
ورابع هذه الحقائق ان السلطة الفلسطینیة کسلطة شرعیة مجتزاة لن تستطیع منفردة بحکم الامر الواقع ادارة المعبر دون شریکها فی الشرعیة الوطنیة.
وخامس هذه الحقائق ان الشرعیة الوطنیة الفلسطینیة کما افرزتها صنادیق الاقتراع هی شرعیة متکاملة بین الرئاسة المنتخبة وبین المجلس التشریعی وبین "فتح" وبین "حماس" لا بل ان المنطق یقول ان الشرعیة الاحدث اکثر تمثیلا لشعبها من الشرعیة الاقدم ان لم تکن تجبها، واذا کان لا بد ولا مناص لای طرف خارجی من الانحیاز فمن المحبذ ان یفعل ذلک بما ینسجم مع الخیار الدیموقراطی السیادی الحر الاحدث للشعب الفلسطینی، غیر ان مثل هذا الانحیاز مرفوض من حیث المبدا لانه یرقى الى التدخل فی الشان الداخلی الفلسطینی ، وفی الوضع العصیب الراهن للانقسام الفلسطینی یرقى الى تسعیر حدة هذا الخلاف والى تحمل المسؤولیة السیاسیة والتاریخیة والاخلاقیة عن مثل هذا الموقف، واذا کان من الممکن فلسطینیا فهم دوافع دولة الاحتلال والدول الاجنبیة غیر العربیة المساندة لها فی انحیاز مماثل فان ای انحیاز عربی لاحد طرفی الانقسام الفلسطینی سیحتاج بالتاکید لجهود دبلوماسیة وسیاسیة خارقة للعادة لتفسیره واقناع الشعب الفلسطینی بمسوغاته، ومثل هذه المهمة تکاد تکون مستحیلة لمن یتصدر جهود الوساطة لاصلاح ذات البین بین الفلسطینیین کما هو الحال مع الوسیط المصری.
وسادس هذه الحقائق ان نتائج انتخابات کانون الثانی / ینایر عام 2006 قد اضفت شرعیة لا یمکن الطعن بها على دخول حرکة حماس کشریک فی صنع القرار الوطنی الفلسطینی وهو ما اکده تالیف حکومة الوحدة الوطنیة التی اسقطها الحصار الاسرائیلی الامیرکی الاوروبی علیها واکدته کذلک وثیقة الاسرى واتفاقات القاهرة ومکة ثم اعتمدته قمة جامعة الدول العربیة فی دمشق باقرارها للمبادرة الیمنیة التی تعتمد الشراکة الفلسطینیة بین قطبی الانقسام اساسا للبناء علیه لیتحول الاعتراف بهذه الشراکة الى قرار عربی، لذلک فان ای انحیاز عربی صریح او مستتر ، مباشر او غیر مباشر، فی الانقسام الفلسطینی یعتبر خروجا على قرار عربی.
وسابع هذه الحقائق ان السیاسة الرسمیة المعلنة لحرکة حماس تسعى الى الشراکة الوطنیة فی سلطة الحکم الذاتی وحکومتها ومنظمة التحریر الفلسطینیة ومؤسساتها وکذلک على معبر رفح لکن السیاسة الرسمیة المعلنة للطرف الاخر فی الانقسام الفلسطینی ما زالت تسعى الى حرمان حماس من ای شراکة کهذه لا بل ان السیاسات العملیة لهذا الطرف تسعى الى اخراج حماس من المعادلة السیاسیة الفلسطینیة بشکل کامل الا اذا انصاعت صاغرة او طائعة لشروط دولة الاحتلال المسبقة التی تؤهلها للمشارکة فی العمل السیاسی الفلسطینی مثلها مثل القوى الفلسطینیة التی سبقتها فی التاهل لهذا العمل.
وثامن هذه الحقائق ان حماس ما زالت ترفض الشروط الاسرائیلیة المسبقة کمؤهلات للمشارکة والشراکة فی العمل السیاسی الفلسطینی وهنا تکمن عقدة الانقسام الوطنی الفلسطینی الراهن، وعلى معبر رفح تحدیدا یجری اختبار الارادات لفک هذه العقدة وللاسف ان العقدة قد انحلت على الجانب الفلسطینی من المعبر لکن مفتاح حلها على الجانب المصری منه موجود لدى مؤسسات صنع القرار الوطنی المصری ، وهذه المؤسسات مدعوة الى مراجعة متعمقة لموقف وزارة خارجیتها لاعادة صیاغة موقفها بحیث یراعی مستجدات حقائق الامر الواقع على الارض على اساس ممارسة السیادة الوطنیة المصریة على المعبر واستلهام هذه السیادة کمرجعیة وحیدة لقرار فتح المعبر او اغلاقه، وبذلک فقط تتحمل مصر "مسؤولیاتها القومیة" على افضل وجه، وتقدم الخدمة القومیة المثلى لفلسطین وشعبها وقضیتها ووحدة قواها الوطنیة، وتساهم مساهمة رئیسیة فی وقف الکارثة الانسانیة المتواصلة فی قطاع غزة.
انه قرار سیادی مصری ان مارسته القاهرة یرقى الى ممارسة السیادة المصریة على قناة السویس.
( بقلم الکاتب والباحث الفلسطینینی نقولا ناصر )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS