الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

اتفاقیة المعابر لم تعد تلزمنا

اتفاقیة المعابر لم تعد تلزمنا  

أسوأ ما فى الأمر ان یصبح تدمیر حیاة الفلسطینیین فى غزة خبراً عادیاً، وأن یعد استمرار الحصار حدثاً مقبولاً، وأن نقف متفرجین أمام کل ذلک.

یسألنى فهد الرشود من الریاض: ما هو مستقبل أهلنا فى غزة؟ و أتلقى رسالة من لجنة أهالی المرضى فى غزة، رسالة تتساءل عما اذا کان هناک حکم بالإعدام على 1200 مریض یحال بینهم و بین العلاج فى الخارج. و یصبحون مخیرین بین الموت على فراش المرض او الموت برصاص حرس الحدود. یتزامن ذلک مع المظاهرة السلمیة التى احتشد فیها الفلسطینیون أمام معبر رفح مطالبین بفتحه. کما یتزامن مع المذکرة التى قدمها رئیس وزراء لبنان الاسبق الدکتور سلیم الحص باسم اللجنة العربیة لفتح معبر رفح و فک الحصار، إلى السفیر المصرى فى بیروت، و المظاهرة التى قام بها بعض النشطاء المصریین امام مقر وزارة الخارجیة بالقاهرة، مطالبین بفتح المعبر و رفع الحصار. و اخیرا الباخرتین اللتین حملتا بعض النشطاء الاوروبیین و اتجهت الى غزة لمحاولة کسر حصارها.

وسط هذه الأجواء نشرت الصحف المصریة تصریحات للمتحدث باسم الخارجیة المصریة تحدث فیها عن التزام القاهرة باتفاقیة المعابر فى عام 2005. کما نشرت الصحف الاسرائیلیة (هآرتس 12/8) الخطوط الرئیسیة لمشروع التسویة النهائیة الذى قدمه اولمرت الى الرئیس محمود عباس، بدد الأمل الذى علقه البعض على إمکانیة التوصل الى اتفاق مع الحکومة الاسرائیلیة، حتى و ان کان اتفاق "رف"، یحسن المنظر دون ان یقدم او یؤخر.

هذه المؤشرات التقت على أمرین، اولهما: انها استدعت موضوع فتح معبر رفح لیصبح احد العناوین الرئیسیة للاسبوع الماضى، و ثانیهما: انها استبعدت، فى ظل موازین القوة الحالیة، إمکانیة التوصل الى حل سلمى مع الاسرائیلیین. و هو ما یدعونا الى الکف عن المراهنة على حسن نوایا الآخرین (إن وجدت)، و یطرح علینا السؤال الذى یهرب الکثیرون من الإجابة عنه، و هو: ماذا علینا ان نفعل فى هذه الحالة؟

منذ أکثر من شهر یقف الناشط الفلسطینى الدکتور خلیل النیس على باب معبر رفح، و قد اصطحب معه من اسکتلندا سیارة محملة بطن و نصف طن من الأدویة و المساعدات الطبیة، أراد توصیلها خلالها دول اوروبا الى ان وصل الى العریش فى نهایة المطاف، لکن دخوله الى القطاع ـ الذى یفترض الا یستغرق عدة دقائق یجتاز خلالها معبر رفح ـ اصبح مشکلة لا حل لها، خلال شهر کامل على الاقل.

حال الدکتور خلیل لیست فریدة فى بابها بطبیعة الحال، بعدما أصبح إغلاق معبر رفح الوحید الذى یربط فلسطین بالعالم الخارجى هو الأصل، و هو الإغلاق ذاته الذى یسرى على المعابر الأربعة الأخرى، التى تتحکم اسرائیل فیها، و تستخدمها فى إحکام الحصار و خنق الفلسطینیین و إذلالهم.

لم یعدم الغزاویة حیلة لتحدى الحصار، اذ الى جانب ثورتهم ضد المعابر، و محاولتهم کسر القیود التى کبلت حیاتهم، فإنهم لجأوا الى حفر الأنفاق لمحاولة تمریر بعض الاغذیة و الادویة التى تسد الرمق و تخفف بعضا من الوجع. و فى تقریر نشرته الشرق الاوسط (فى 12/8) ذکرت أنهم حفروا حوالى 900 نفق عبر الحدود من رفح الى غزة، لتوصیل بعض البضائع، إلا ان الاسرائیلیین و معهم الامریکیون أصروا على إغلاقها و تدمیرها، بحجة انها تستخدم فى نقل السلاح الى غزة، فى حین ان الذین أقاموها و بدأوها کانوا مهربى المخدرات بالدرجة الاولى، و بعدهم دخل التجار على الخط، و توسعوا فى العملیة، الامر الذى رفع من أجور حفاری الأنفاق حتى وصل الاجر الشهرى للواحد منهم الى 2،500$. و خلال العام الاخیر احتلت عملیة تدمیر الأنفاق مکانة خاصة فى مشروع الحصار، حتى قیل: ان الأمریکیین ساعدوا على توفیر اجهزة متقدمة جدا للکشف عن الأنفاق و تتبع مسارها، کما أنهم وفروا للجهات المعنیة أنواعا معینة من الغازات التى تطلق فى النفق فیصیب مستخدمیه بالاختناق. و اذا اضفنا الى هذه الخلفیة ان ثمة قرارا لوزراء الخارجیة العرب بکسر الحصار فى شهر سبتمبر 2006، الذى اعقبه صدور قرار مماثل من جانب وزراء خارجیة الدول الإسلامیة فى الشهر التالى مباشرة، و تذکرنا ان مثل هذه القرارات تبخرت فور صدورها، فسوف تدرک ان جهود إحکام الحصار و التضییق منه تواصلت و تقدمت، فى حین ان جهود رفعه و فتح معبر رفح لم تتقدم خطوة واحدة الى الامام. و تلک خلاصة کاشفة، لأنها تشیر بوضوح الى ان القدرة العربیة فى هذه القضیة فى مستوى الصفر، الأمر الذى یستدعی السؤال التالى: اذا کانت تلک حدود القدرة العربیة فى "قضیتهم المرکزیة"، فما بالک بها فیما دون ذلک من قضایا؟!

لا مفر من الاعتراف بان اسرائیل نجحت فى فرض ترسانة من الاتفاقات التى کان هدفها الاساسی التحکم فى قطاع غزة، و تحویله الى سجن کبیر تملک مفاتیحه، و ان استخدمت فى ذلک واجهات اخرى. وهذه الاتفاقات أربع هى: اتفاقیة المعابر الاسرائیلیة ـ الفلسطینیة الموقعة فى 15 نوفمبر 2005 ، واتفاق اسرائیلى ـ اوروبى ـ فلسطینى لمراقبة المعبر، والاتفاق المصرى ـ الاسرائیلى الموقع فى اول اغسطس عام 2005 و المعروف باسم اتفاق فیلادلفى، واتفاقیة السلام بین مصر و اسرائیل الموقعة فى 29 مارس 1979.

للباحث القانونى محمد سیف الدولة بحث مهم فى هذا الموضوع، تحدث فیه عن ضرورة تحدی البنیة التحتیة للحصار. و کیف ان خنق معبر رفح بوجه اخص أسهمت فیه أربع اتفاقیات و ثلاثون دولة. و قد ذکر ان معبر رفح یخضع من الناحیة الشکلیة للسلطات الفلسطینیة و المصریة، وان هناک معبرا آخر بین غزة و مصر یخضع لسلطات الاحتلال، هو معبر کرم ابو سالم (کیریم شالوم). من الناحیة الشکلیة ایضا، فان تنظیم الحرکة بالمعبر تشترک فیه عدة أطراف هى اسرائیل و السلطة الفلسطینیة و الولایات المتحدة و مصر، و الاتحاد الأوروبی بدوله السبع و العشرین. و هذه الأطراف هى الموقعة على الاتفاقیات الأربع سابقة الذکر. لکن من الناحیة العملیة فان التحکم فى المعبر یتم من خلال عدد من أجهزة التصویر (الکامیرات)، و أجهزة الفحص للأشخاص و السیارات التى فرضتها اسرائیل للمراقبة. و هذه الأجهزة تتحکم فى فتح و إغلاق المعبر، لان وجودها شرط أساسى لاستخدامه طبقا لنصوص تلک الاتفاقیات. ولذلک فان اسرائیل عندما ترید إغلاقه فانها إما ان تمنع المراقبین الأوروبیین من الذهاب الى عملهم، و الذرائع لدیها کثیرة، على رأسها الحجج الامنیة. و إما ان تسطو على الأجهزة و تأخذها الى مواقعها بعیدا عن المعبر، الأمر الذى یؤدى الى إغلاقه تلقائیا. ذلک انه لا عبور بدون مراقبین، و لا عبور بدون أجهزة تصویر ومراقبة، وهذه هى خلاصة اللعبة التى تتم منذ اکثر من عامین.

الحجج التى أوردها المتحدث باسم الخارجیة المصریة، السفیر حسام زکی، لا تخلو من وجاهة ـ لأول وهلةـ لکن هناک أکثر من رد علیها. ذلک ان هذه الاتفاقات لا تتحرک فى فراغ قانونی، بمعنى أنها تظل محکومة بمرجعیة القانون الدولى العام، و القانون الدولى الانسانى. و الکلام لیس من عندی، و لکنه رأی لا یختلف علیه فقهاء القانون، و قد أثبته مفصلا الدکتور صلاح عامر أستاذ القانون الدولى العام بجامعة القاهرة، الذى اعد مذکرة قانونیة بطلب من الحکومة الفلسطینیة، حول النتائج المترتبة على إغلاق اسرائیل للمعابر. و فى هذه المذکرة تحدث بوضوح عن ان حق الاتصال بین الدول هو من الحقوق المعترف بها، والمقررة قانونا، الأمر الذی لا یجیز لأی دولة ان تفرض حصارا یعزل اى دولة عن العالم المحیط بها، و یمنع وصول مقومات الحیاة الیها. فى رأیه ایضا، انه فى حال التعارض بین اى اتفاقات موقعة، و بین القانون الدولی الإنسانى فالأولویة للقانون الأخیر، لأنه فى غیر حالة الحروب المعلنة، فلا ینبغی ان یسمح بالتضحیة بحیاة البشر لاى سبب کان.

تحدث الدکتور صلاح عامر أیضا عن ان اتفاقیة المعابر التى یکثر الاستشهاد بها تحمل اسرائیل بالتزامات أخلّّّّّّّّّت بها، منها مثلا: النص على ان تعمل المعابر بشکل متواصل، و ان تسمح اسرائیل بتصدیر جمیع المنتجات الزراعیة بالقطاع، وان تضمن انسیاب حرکة مرور الاشخاص و البضائع والمنتجات عبر المعابر التى تصل الأراضی الفلسطینیة بمصر (معبر رفح) و باسرائیل و بالأردن. منها ایضا: النص على تشغیل میناء غزة مع تعهد اسرائیل بعدم التدخل فى عمله. ولأن اسرائیل لم تفِ بشئ من تلک الالتزامات، جریا على عادتها، فى أن تأخذ و لا تعطی (تاریخها حافل فى رفض الشرعیة الدولیة التى تتذرع بها، من رفض قرارات مجلس الأمن الداعیة الى بطلان إجراءات تهوید القدس، الى قرار محکمة العدل الدولیة ببطلان بناء الجدار، و اخلالها بما تم الاتفاق علیه فى انابولس لوقف الاستیطان)، لذلک، فان من حق السلطة الفلسطینیة وحکومتها اما أن تنهی هذه الاتفاقات من جانب واحد، او توقف العمل بها، استنادا الى المادة 60 من اتفاقیة فیینا بشأن قانون المعاهدات. کما ان لها الحق فى ان تطالب اسرائیل بالتعویضات المالیة عما لحق بالفلسطینیین من أضرار محققة جراء مخالفاتها الجسیمة للاتفاقات المعقودة.

النقطة الثانیة التى أثارها المتحدث الرسمی، والتی لا تخلو من وجاهة ایضا: هى انه یتعذر فتح معبر رفح و تشغیله فى غیاب السلطة الفلسطینیة الشرعیة. لکن ذلک ایضا مردود علیه، بان ذلک العامل له أهمیة، لکنه ینبغی ألا یکون سببا لاستمرار محاصرة القطاع، و منع وصول الاحتیاجات الحیاتیة إلیه، لان الاعتبارات الإنسانیة هنا ینبغى ان تسمو فوق اى اعتبار سیاسى. من ناحیة ثانیة فان فى فلسطین شرعیتین، و لیس شرعیة واحدة، ذلک ان السلطة القائمة فى غزة لها شرعیتها المستمدة من فوزها فى الانتخابات النیابیة، کما ان السلطة الموجودة فى رام الله لها شرعیتها المستمدة بدورها من الانتخابات الرئاسیة. و فی حدود علمی فان سلطة غزة قبلت بإدارة فلسطینیة مشترکة بین الطرفین. و هو حل وسط یمکن القبول به بشکل مؤقت حتى یتم الوفاق بینهما.

لقد استغربت قول المتحدث باسم الخارجیة: إن مصر تضغط على اسرائیل لکی تزود القطاع باحتیاجاته الإنسانیة، لأننا الأولى بذلک، ان لم یکن ما تمثله مصر، فعلى الأقل، احتراما لقواعد القانون الدولی الإنسانی. ثم ینبغى ألا ننسى ان صبر المحاصرین لیس بلا حدود، و أننا ینبغی ان نتوقى أسباب الانفجار قبل ان نضطر الى التعامل معه بعد وقوعه.

( للکاتب والباحث المصری فهمی هویدی )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 141156







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)