اتفاقیة ترسیخ ولیس تنظیم وجود قوت الاحتلال الأمیرکی فی العراق
اتفاقیة ترسیخ ولیس تنظیم وجود قوت الاحتلال الأمیرکی فی العراق
یحاول الرئیس الأمیرکی جورج بوش فیما تبقى له من فترة قصیرة فی سدة الرئاسة للدولة الأقوى فی العالم أن یحقق ربما الاتفاق الأخیر أو الانجاز الأخیر فیما یتعلق بالعراق – هذا إذا اعتبرنا انه حقق أی انجازات فی العراق بعد احتلاله سوى تدمیر البلد وتحویله إلى مقبرة للعراقیین، کما ونجح فی جعله أحد أکثر البلدان فسادا فی العالم، والأکثر خطرا والأقل أمنا والأکثر عددا فی ما یتعلق باللاجئین سواء بالداخل أو بالخارج، عدا عن کل ما جلبه الاحتلال الأمیرکی من کوارث لا تعد ولا تحصى إلى هذا البلد الذی یعتبر واحدا من أکثر الدول التی تحتوی على محزونات من النفط وغیره من المعادن غیر المکتشفة أو المستثمرة- خاصة وان "السید بوش" انتقل من فشل إلى آخر على مدى أکثر من خمس سنوات منذ المغامرة التی قام به على أساس من الکذب الکثیر والذی لم یشهد له التاریخ الحدیث مثیلا سوى فیما قام به وزیر إعلام هتلر من کذب وخداع وتزویر.
فی هذا السیاق فهو قد انتدب وزیرة الخارجیة الأمیرکیة کوندالیزا رایس من اجل التوصل إلى ما قیل انه اتفاقیة ل "تنظیم الوجود العسکری"لقوات الاحتلال الأمیرکی الموجودة فی العراق.
والحقیقة أن من یتناغم مع الرئیس الأمیرکی فی هذا الإطار هو رئیس الوزراء العراقی نوری المالکی والذی طالما کان مع بقاء هذه القوات والذی انقلب على موقفه هذا بشکل مریب وغریب وبدون سابق إنذار، فصار وکما تشیر کل التصریحات الصادرة من بغداد وکأنه یرید برمجة أو جدولة الانسحاب الأمیرکی أو تنظیم هذا الوجود وهو الذی یعلم علم الیقین بأنه وبدون هذه القوات وبدون تواجدها لما تمکن لا هو ولا سواه من الوصول إلى السلطة، خاصة وأنه وبعد
خمس سنوات من الاحتلال الامیرکی للعراق لا یستطیع لا هو ولا سواه من مغادرة مخبأه فی المنطقة الخضراء وهذا ما ینطبق على سادته من الامیرکیین الذین اقتطعوا منطقة شاسعة من بغداد سموها بالمنطقة الخضراء، وحولوا ما تبقى الى معازل واسوار وجدران ومنعوا الناس من السیر فی عشرات الکیلومترات من طرقها سواء برمکباتهم او حتى مشیا على الاقدام، والمالکی یعلم کذلک بأن أمیرکا وعندما أتت إلى العراق إنما أتت کقوات احتلال ولیس کقوات تحریر، وان ما تم دفعه من الخزینة الأمیرکیة والذی تجاوز بحسب کل التقدیرات أل ستمائة ملیار دولار عدا عن الخسائر البشریة لم یکن من اجل عیون العراقیین ولا من اجل الإطاحة بنظام صدام حسین بقدر ما کان من اجل السیطرة على العراق وإبقاءه تحت الهیمنة الأمیرکیة أو فی أحسن الاحوال واحدة من الدول التی تسیر فی رکاب القرار الأمیرکی وجزء من السیاسة الخارجیة الأمیرکیة کما هو حال الکثیر من دول العربان التی رهنها قادتها للسید الأمیرکی بغض النظر عمن یکون هذا السید دیمقراطی أم جمهوری.
محاولات السید الأمیرکی إظهار أمیرکا بمظهر الدولة الحضاریة والمتمدنة وانه لا أطماع له فی العراق وان کل ما یریده هو الحفاظ على العراق والتدرج به إلى أن یتمکن من "الوقوف" على قدمیه لیس سوى محاولات بائسة، حیث یعلم العالم بان من أوصل العراق إلى هذا الدرک إنما هو هذا الاحتلال وهدم أسس الدولة العراقیة وکیانها بفعل ما تم اتخاذه من خطوات على الأرض منذ اللحظة الأولى للحرب، ومنذ الغارة الأولى على العراق والتی کان الهدف من وراءها هو الوصول بالعراق إلى هذا الحال.
الخداع الأمیرکی فی ما یتعلق بالاتفاقیة التی ترید توقیعها مع العراق من اجل "تنظیم الوجود العسکری الأمیرکی" لیس سوى استکمالا لکل مسلسل الخداع والکذب الأمیرکی الذی تمت فبرکته منذ اتخذ القرار بغزو العراق واحتلاله والسیطرة علیه وتحویله إلى "محمیة" کباقی المحمیات فی المنطقة، وهو جزء من إستراتیجیة أمیرکیة تم وضعها فی ثمانینات القرن الماضی من اجل السیطرة على أکثر من أربعین من دول العالم بطرق مختلفة من بینها الاحتلال المباشر کما حصل فی العراق وأفغانستان.
أن یحاول رئیس الوزراء العراقی التظاهر بأنه مع تنظیم هذا الوجود وانه مع الانسحاب لیس سوى جزء صغیر من عملیة الخداع التی یمارسها الرجل بالتوافق والترتیب مع الرئیس الأمیرکی وأرکان إدارته، خاصة وان موقفه معروف من انه مؤید قوی لبقاء قوات الاحتلال الأمیرکی، إلا انه أدرک تنامی الشعور بالکراهیة والنزعة العدوانیة ضمن صفوف أبناء الشعب العراقی إزاء وجود القوات الأمیرکیة والتی ثبت على مدى السنوات الخمس الماضیة أنها لیس سوى قوات احتلال وان کل ما قیل عنها فی البدایة من أنها سوف تنشر الدیمقراطیة والحریة والرفاهیة لم یکن سوى خداع وکذب وتدلیس وان هذه القوات مارست کل أنواع الموبقات فی العراق وان شیئا فعلیا على الأرض لم یتحقق لصالح المواطن العراقی وان البلد تحول إلى مرتع لکل الفاسدین والعصابات وأجهزة المخابرات وان شیئا لم یتقدم أماما فی البلد منذ أن أتت قوات الاحتلال إلیه فی العام 2003. هذا الشعور لم یقتصر على المواطن العراقی العادی بل کان قبل ذلک ضمن قوى سیاسیة وأحزاب لها جماهیرها العریضة وفی المقدمة أتباع التیار الصدری الذی یعتبر أکثر التیارات السیاسیة شعبیة وجماهیریة فی العراق.
محاولات الخداع التی مورست على العراقیین منذ بدایة الاحتلال لم یعد بالامکان تمریرها علیهم، وإذا ما نجحت تلک المحاولات ضمن لحظة تاریخیة معینة ونتیجة ظروف لها علاقة بممارسات النظام السابق فان الفترة التی انقضت على وجود تلک القوات ومن جاء معها لحکم البلاد أصبحت کافیة لان یدرک أبناء العراق بأنهم إنما مورس بحقهم خداع کبیر، ومن هنا ربما یأتی الإحساس بالندم من قبل الکثیر منهم کونهم صدقوا ما قیل عن أن تلک القوات إنما أتت من اجل تحریر العراق ونقله إلى مصاف الدول المتقدمة.
إن الحدیث عن "جدولة الانسحاب أو تنظیم للتواجد العسکری الأمیرکی" لا یمکن أن یکون حدیثا جادا عندما نعلم بان الحدیث یدور عن 14 قاعدة عسکریة أو عشرة أو حتى اثنتین أو واحدة، حیث انه حتى القاعدة الواحدة فان بإمکانها أن تکون أضخم قاعدة فی العالم، ویمکنها أن تکون ضمن مساحة العراق المعروفة اکبر من بعض الدول فی المنطقة أو فی العالم. إن الحدیث عن هذا العدد الکبیر من القواعد فی العراق وبقاء أعداد ومعدات ضخمة ذات تقنیات متقدمة جدا فی المجال العسکری لا یمکن أن یکون سوى احتلال لکن بالاتفاق مع حکام العراق الجدید والذین لا یمکن أن تکون لدیهم القدرة على الفکاک من السیطرة الأمیرکیة خاصة وان من أتى بهم إلى الحکم هو "سیدهم" الأمیرکی".
إن الحدیث الذی لا یزال یتردد عن أن هؤلاء القادة وصلوا إلى السلطة من خلال انتخابات "شفافة ونزیهة" وأنهم تم انتخابهم من خلال صنادیق الاقتراع ومن قبل أبناء الشعب العراقی إنما هو کلام یمکنهم أن یقنعوا به أنفسهم وان یدلسوا به على أنفسهم وأتباعهم حیث لا یمکن ولا بحال من الأحوال أن تکون هنالک دیمقراطیة فی ظل الاحتلال، هذا بالاضافة الى اننا نعلم خاصة واننا کنا شهودا على تلک الانتخابات کیف کانت عملیة الانتخابات وکیف تم استغلال الدین والرموز الدینیة بشکل لا علاقة له بالدین.
کذلک فإن من غیر الواقعی أن یتم فهم وجود هذه القواعد بعیدا عن التهدیدات الأمیرکیة الإسرائیلیة للدولة المجاورة للعراق والمقصود هنا إیران هذا إذا ما تخطینا ما حدث مؤخرا فی القوقاز من أحداث أعادت إلى الأذهان ما کان یعرف بالحرب الباردة وما یقال الآن عن "عودة للدب الروسی" إلى ما یمکن وصفه بمحاولة استعادة "أمجاد الاتحاد السوفییتی السابق" وهذا ما سوف یستدعی بالضرورة وجود القوات الأمیرکیة فی أی بقعة ممکنة فی المناطق القریبة من حدود روسیا والعراق فی هذا الإطار احد البلدان المرشحة لذلک.
الحدیث عن تنظیم للوجود العسکری الأمیرکی وسواه لیس سوى محاولة للإیحاء بان أمیرکا لا ترغب بالبقاء فی العراق، لکن ما یوجد على الأرض من حقائق وترتیبات ینافی ویدحض بشکل کامل هذه الادعاءات الأمیرکیة وکذلک العراقیة، هذا بالإضافة إلى کل التصریحات الأمیرکیة فی هذا المجال والتی أشارت فی الکثیر منها إلى رغبة أمیرکیة بالتواجد فی هذا البلد لعشرات السنین واعتراف القادة الأمیرکیین وعلى الأخص العسکریین منهم بان ما تم إحرازه على الأرض من تقدم فی بناء القوات العراقیة غیر کاف وکان آخر ما جاء فی هذا الإطار ما قاله قائد قوات الاحتلال الأمیرکی فی العراق الجنرال بترایوس قبل یومین فی مقابلة له مع صحیفة نیویورک تایمز " لم أکن أعرف من أنها حلقة دمویة مفرغة، لم نحقق مکاسب نوعیة لافتة على الصعید الأمنی، ما زال هناک الکثیر من العمل للقیام به"، ولا نستبعد هنا من أن عدم تحقیق تقدم فی إعداد القوات العراقیة وهذا التأخیر فی بناء هذه القوات یأتی على خلفیة محاولة التذرع بالبقاء فی العراق اطول فترة ممکنة رغم اننا نعتقد بان أمیرکا لا تحتاج الى ذرائع فی هذا السیاق.
بالإضافة إلى هذا الذی ذکرنا فان من غیر الممکن أن تکون أهداف الغزو الأمیرکی للعراق مکتملة أو تحققت إن تم سحب القوات الأمیرکیة کما یتوهم البعض، حیث إن من المعروف بان واحدا من الأسباب لتلک الحرب هو حمایة الدولة العبریة ومنع قیام دولة قویة فی العراق مستقبلا من اجل منع أی تهدید مستقبلی لهذا الکیان عدا عن أطماع أمیرکا فی بناء الشرق الأوسط الکبیر أو الجدید والذی تحدثت عنه بکل صراحة الوزیرة رایس خلال الحرب الإسرائیلیة على لبنان فی العام 2006.
إننا نعتقد بان بوش وخلال الفترة القصیرة المتبقیة یرغب بتحقیق ولو انجاز واحد قبل أن یغادر غیر مأسوف علیه - لا بد هنا من التذکیر بأن محاولات بوش تحقیق انجاز فی فترة الأشهر الأخیرة من ولایته لا تقتصر على العراق بل هو یحاول الشیء ذاته فی جبهة فلسطین حیث مارس کذبا مماثلا فیما یتعلق بالدولة الفلسطینیة التی لا بد من أن تقوم فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، ومن هنا فإننا نعتقد بان الزیارة التی تنوی رایس القیام بها إلى المنطقة خلال هذا الأسبوع تأتی فی هذا السیاق-، وعلى أی حال فهو – بوش- وفی کلتا الحالتین الفلسطینیة والعراقیة یعلم بأنه لن یستطیع أن یحقق أی تقدم، وهو بتقدیرنا إنما یحاول أن یرسم سیناریوهات لخلفه وبالتالی الإبقاء على إرث ثقیل یتم من خلاله توریط الإدارة الأمیرکیة القادمة بغض النظر عمن تکون دیمقراطیة أو جمهوریة فی قضایا ضمن رؤیته التوراتیة للأمور حیث یعتقد الرجل بأنه إنما یحقق المشیئة الإلهیة لکل ما یفعل.
( الکاتب والباحث الفلسطینی من بیت لحم رشید شاهین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS