ماذا بعد تداعى المشروع الأمریکی
ماذا بعد تداعى المشروع الأمریکی؟
تعزز فى الأشهر والأسابیع الأخیرة شعور الارتیاح لدى عواصم عربیة ودولیة عدیدة بسبب قرب مغادرة الرئیس الأمریکى جورج بوش البیت الأبیض على وقع تراجع وتداعى المشروع الأمریکى فى الشرق الأوسط الکبیر استنادا إلى المؤشرات والأوضاع التالیة:
* ارتفاع وتیرة الهجمات والضغوط على القوات الأمریکیة والغربیة فى أفغانستان مع استعادة "طالبان" حیویتها وقدرتها على الحرکة رغم وجود 60 ألف جندى أجنبى على أرض أفغانستان.
* سقوط الرئیس الباکستانى برویز مشرف، رجل أمریکا الأول فى آسیا الوسطى، ودخول باکستان مرحلة عدم استقرار على وقع تزاید نفوذ الإسلامیین.
* بدء العد العکسى للانسحاب الأمریکى من العراق، أیا کان الرئیس الأمریکى الجدید، على أن المسألة باتت مسألة وقت وإخراج، لأن ما یسعى إلیه الأمریکیون هو "الانسحاب المشرّف" و"حفظ ماء الوجه". وهذا ما یرمون إلیه من خلال الاتفاقیة الأمنیة المتعثرة مع حکومة بغداد لتنظیم وجودهم ونفوذهم فى مرحلة ما بعد الانسحاب.
* سقوط أولمرت ودخول إسرائیل فى مرحلة عدم استقرار داخلى وصراع على السلطة ستمتد إلى أشهر، ومن شأنها أن تطیح التوقعات الأمریکیة بشأن اتفاق سلام إسرائیلی- فلسطینى قبل نهایة العام، وان توقف المسار السوری- الإسرائیلى الذى کان على وشک الوصول إلى مفترق طرق، وهو ما أراح الأسد ووفر له مخرجا، وحیث أدى دخول المفاوضات فى المأزق الإسرائیلى إلى توفیر مخرج له من المأزق التفاوضی.
* صمود حرکة حماس فى قطاع غزة رغم کل الضغوط الأمنیة والاقتصادیة والاجتماعیة وتحفزها لتحقیق خطوة متقدمة مطلع العام المقبل مع انتهاء فترة رئاسة محمود عباس واستعدادها لخوض معرکة انتخابات الرئاسة الفلسطینیة.
* تعزز وضع حلفاء سوریا وإیران فى لبنان بعد توسع اتفاق الدوحة الذى أعاد رسم التوازنات وخارطة القوى على خلفیة ما حدث على الأرض فى مایو الماضی.
* انکسار العزلة الدولیة التى فُرضت على سوریا فى السنوات الماضیة، ونشوء حرکة انفتاح أوروبى ودولى ترافقت مع استعادتها لنفوذها وتأثیرها فى لبنان.
إلى کل ذلک، یضاف التطور الجدید القادم من القوقاز "الحرب الروسیة- الجورجیة" والذى بدأ یرخى بظلاله على الشرق الأوسط، وینبئ بإعادة صیاغة العلاقات وقواعد اللعبة الدولیة مع خروج "الدب الروسی" من غفوته الطویلة، وتشکل ملامح حرب باردة جدیدة بین روسیا والولایات المتحدة، مع ما یعنیه ذلک من عودة المنطقة إلى سیاسة المحاور التى سادت أیام الصراع السوفیاتی- الأمریکی.
هذا المعطى الاستراتیجى الجدید المتمثل فى تحول السیاسة الروسیة، والذى یعد الأهم منذ التحول الأمریکى إثر هجمات 11 سبتمبر، سارعت إیران وسوریا إلى التعاطى معه بجدیة والى استغلاله والاستفادة منه کل من نطاق مصالحه وعلى طریقته. وهکذا فإن إیران تجد فى "روسیا الجدیدة" متنفسا لها فى ملفها النووى الذى وصلت فیه الضغوط الدولیة إلى درجة متقدمة وبات صعبا أن تتقدم أکثر لأن أزمة القوقاز أدت إلى "شل" مجلس الأمن، وسیکون من الصعب تمریر عقوبات دولیة جدیدة بسبب تبادل الفیتوات وتضارب المصالح الدولیة من جهة، وبسبب الانهماک الأمریکی- الأوروبى فى هذه الأزمة التى حوّلت الاهتمام من الشرق الأوسط إلى القوقاز والبلقان، ونقلت التوتر إلى حدود أوروبا من جهة ثانیة.
أما سوریا فإنها لم تتأخر فى التقاط الفرصة المتاحة لها، وفى الدخول مباشرة على خط الأزمة المزدوجة: أزمة العلاقات الأمریکیة- الروسیة حیث یعرض الرئیس الأسد التعاون مع موسکو ویبدى استعدادا لنشر صواریخ روسیة فى بلاده وإقامة قاعدة عسکریة روسیة فى میناء طرطوس، ردا على نشر الدرع الصاروخى فى أوروبا الشرقیة.. وأزمة العلاقات الإسرائیلیة- الروسیة بسبب تقدیم إسرائیل أسلحة متطورة إلى جورجیا، وحیث تتطلع دمشق إلى الحصول على أسلحة روسیة حدیثة ومتطورة على خلفیة انتقام روسى من إسرائیل، بعدما کانت ضغوط إسرائیلیة وأمریکیة تحول سابقا دون حصول سوریا على مثل هذه الأسلحة المضادة للصواریخ وللطائرات.
( منقول عن العرب اللندنیة )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS