الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الخلاص فی حل السلطتین

 

الخلاص فی حل السلطتین

 

اجتمع الرئیس الفلسطینی محمود عباس لمدة ساعتین مع رئیس الوزراء الاسرائیلی ایهود اولمرت فی مقر رئاسة الحکومة فی القدس المحتلة، یوم أمس الأول، وترکزت المناقشات فی جانب کبیر منها على استنکار اولمرت، وغضبه، للقاء الذی تم بین الرئیس الفلسطینی والأسیر العربی اللبنانی المحرر سمیر قنطار، على هامش زیارته الأخیرة لبیروت، وتبریراته لهذا اللقاء الذی قال انه تم بمحض الصدفة. اولمرت المتهم بالفساد والمستقیل من زعامة حزبه، تصرف مع الرئیس الفلسطینی کما لو انه رئیس مجلس بلدی تابع له، یؤنبه على بعض تصرفاته، ویقدم له قائمة من المحظورات علیه الالتزام بها وعدم خرقها. الرئیس عباس، ومثلما تسرب من اخبار على ألسنة مرافقیه الذین حضروا الاجتماع، لم یعارض هذا التصنیف بدلیل انه قدم تفسیرات، وتبریرات، لدرء اللوم عن نفسه، عندما قال موضحاً ان قنطار هو الذی اندس بین الحشد وتقدم الیه مصافحاً دون علمه أو دعوته.

مصافحة الرئیس عباس لسمیر قنطار شرف لکل انسان فلسطینی وعربی ومسلم، فهذا الرجل الذی أمضى ما یقارب الثلاثین عاماً فی السجون بعد تنفیذه لعملیة فدائیة ضد أهداف اسرائیلیة انتصاراً للحق العربی فی فلسطین، یستحق التکریم والمصافحة، بینما من لا یستحقها هو ایهود اولمرت الذی تتلطخ یداه، ویدا وزیر دفاعه، بدماء أکثر من الف فلسطینی سقطوا فی فترة حکمه وآلاف غیرهم قبلها، وسیدخل التاریخ على انه العمدة والسیاسی الاسرائیلی الذی فرض التهوید بالقوة على مدینة القدس، وطمس هویتها العربیة والاسلامیة وفرض حصاراً نازیاً على ملیون ونصف الملیون فلسطینی فی قطاع غزة.

لو کنت مکان السید عباس، والحمد لله انی لم ولن أکون، لما قدمت ای تبریرات او تفسیرات، بل لما سمحت لهذا القاتل الفاسد أو غیره، ان یوجه مثل هذا العتب الاستنکاری مطلقاً، لان اولمرت ما زال، وسیظل، عدواً للشعب الفلسطینی، والامة العربیة، ومجرم حرب یرأس حکومة تتبنى العدوان، وتحتل أراضی عربیة، وترتکب مجازر فی حق الابریاء، وتتوسع فی الاستیطان، وتعتقل أکثر من عشرة آلاف اسیر خلف القضبان.

ولعل الاهانة الأکبر التی وجهها اولمرت للرئیس الفلسطینی فی اللقاء المذکور هی محاولة اقناعه بقبول تسویة جزئیة، تستثنی القدس المحتلة، وبقیة قضایا المرحلة النهائیة، مثل حق العودة والمستوطنات والحدود والمیاه، وهی المقترحات التی رفضها الرئیس الفلسطینی مثلما اکد الدکتور صائب عریقات رئیس هیئة شؤون المفاوضات.

الرئیس عباس سیتوجه إلى واشنطن فی الأیام القلیلة المقبلة للقاء الرئیس جورج بوش الابن، ونتوقع ان یتعرض لضغوط أکبر لقبول المقترحات المهینة نفسها أو بعضها من أجل انقاذ ماء وجه ادارة أمریکیة غارقة فی الهزائم فی العراق وافغانستان واخیراً جورجیا، حتى ان عدداً کبیرا من حلفائها الاوروبیین باتوا یبتعدون عنها وسیاساتها الخارجیة الفاشلة، ونخشى ان یضعف الرئیس عباس امامها ویقبل بها أو ببعضها.

وحتى لا یقع فی 'المصیدة الأمریکیة' الأقوى لا بد من تحرک فلسطینی وعربی فاعل، وسریع، للتأکید على فشل الرهان على المفاوضات وسقوط حل الدولتین، والتحذیر من التفریط بأی من الثوابت الفلسطینیة التاریخیة، والتأکید على أن طرفی المعادلة الفلسطینیة فی رام الله وغزة قد فشلا فی تحقیق أی تقدم ملموس للشعب الفلسطینی وقضیته، وانشغلا بأمور حیاتیة ثانویة بعیداً عن الأهداف العلیا والسامیة.

فإذا کان هناک اجماع فلسطینی على ان المفاوضات والمراهنین علیها وصلوا إلى طریق مسدود، واهدروا وقتاً ثمیناً فی عملیة سلمیة وهمیة وعبثیة، فان من قبلوا بتهدئة مسمومة، وتخلوا عن المقاومة، ولو مؤقتاًَ، وهم الذین یتطلعون إلى الشهادة کهدف مقدس، لم یقدموا البدیل الأنجع فی وقت یبحث فیه الشعب الفلسطینی عن هذه البدائل. علینا أن نعترف بان جمیع مکونات الهویة الوطنیة الفلسطینیة قد ضُربت، وان السلطة الفلسطینیة التی جاءت ثمرة خطة اسرائیلیة أمریکیة محکمة، لعبت دوراً کبیراً فی تفکیک هذه الهویة، وتحویل الشعب الفلسطینی من شعب مناضل من اجل استعادة حقوقه المشروعة، یحظى بالتفاف العالم بأسره حوله، الى شعب متسول، یبحث عن الراتب، فی آخر الشهر بعد ان اصبح اسیراً له، لا یستطیع العیش بدونه.

سلطة رام الله تتسول الرواتب، وسلطة غزة تتسول فتح المعابر، ولو جزئیاً، لادخال کمیات من الطعام والوقود والأدویة، أی اننا نعود کشعب الى مرحلة ما قبل عام 1967، أی نعیش على مساعدات وکالة الغوث، التی تکاد تبقینا على حافة الحیاة فی مخیمات اللجوء والقهر دون ای کرامة وطنیة، ننتظر کرم الدول المانحة، وحفنات دقیقها، وأرزها، وتمرها، وملابسها البالیة.

ومثلما کانت قوات الامم المتحدة تتمرکز فی قطاع غزة لمراقبة الهدنة، بین العرب والاسرائیلیین، هناک من یخرج علینا باقتراح غریب ومفاجئ بارسال قوات عربیة، بقیادة مصریة، الى القطاع للفصل بین الفلسطینیین انفسهم اولاً، ثم بینهم وبین الاسرائیلیین ثانیاً، أی ان القوات العربیة، بدلاً من ان تدخل الى غزة محررة (بکسر المیم)، مثلما کان یأمل الفلسطینیون المحاصرون المجوعون، تذهب الى القطاع محایدة بقبعات زرقاء، مثلها مثل القوات الکندیة والهندیة والبرازیلیة والنرویجیة، سابقاً. أی ان التاریخ یعید نفسه ولکن بصورة اکثر سوءاً.

السید احمد ابو الغیط وزیر الخارجیة المصری وصاحب نظریة کسر الاقدام یستحسن الفکرة هذه ویتحمس لها ویعتبرها 'جذابة' الأمر الذی یدفعنا الى توجیه سؤال بسیط له وهو: کیف سیرسل هذه القوات الى القطاع ورئیسه، لا یستطیع زیادة عدد القوات المصریة جندیاً واحداً فی سیناء، رغم توسلاته للاسرائیلیین، واکثر من مرة، من اجل هذا الغرض؟ وتقدیمه خدمات غیر مسبوقة لحمایة امنها سواء بقتل المتسللین الأفارقة عبر حدودها طلباً للجوء او تدمیر العشرات من انفاق رفح على الحدود المستخدمة فی تهریب الطعام ولقمة الخبز للمحاصرین.

المراجعة الفلسطینیة الشاملة من قبل السلطتین فی رام الله وغزة، ومن کل ابناء الشعب الفلسطینی للخروج من حالة الشلل الحالیة التی تعیش فی ظلها القضیة المرکزیة الاولى، باتت حتمیة وملحة، فاستمرار الاوضاع على وتیرتها الراهنة، فی ظل الرهان على اوهام، والتضحیة بالثوابت الوطنیة من اجل راتب، او قارورة غاز، امر خطیر علاوة على کونه معیبا، ویشکل اهانة للتاریخ الفلسطینی الحافل بالتضحیات والبطولات.

فالحوارات الفلسطینیة التی تستضیفها القاهرة حالیاً، هی محاولة لإطالة بقاء حالة الشلل الحالیة هذه لأطول وقت ممکن، وبما یخدم اسرائیل التی تستغلها لالتهام الارض، وتهوید القدس، وتکریس الاحتلال، وتمزیق الهویة النضالیة والجهادیة الفلسطینیة.

المطلوب الآن حوار فلسطینی - فلسطینی مستقل یترکز حول کیفیة الخروج من هذا المأزق، ویکون عنوانه حل السلطتین فی قطاع غزة ورام الله، وایقاف مسلسل التسول والتوسل الفلسطینی الحالی، بأسرع وقت ممکن، والعودة الى المربع الأول الذی نسیناه جمیعاً، وهو مربع المقاومة والتحریر بکل الطرق والوسائل.

الرئیس عباس الذی راهن على المفاوضات، وحل الدولتین، منذ اشرافه على مفاوضات اوسلو یجب ان یعترف علناً بفشل رهانه هذا، وان یبادر مثل کل الزعماء الشجعان الى حل السلطة التی یتزعمها، وان یبادر بالاستقالة من کل مناصبه الحالیة، فهکذا فعل ویفعل جمیع الزعماء السیاسیین عندما یفشل مشروعهم، والفلسطینیون لیسوا استثناء.

نعترف وبأسف اننا لا نرى ای مؤشر لأی تحرک فی هذا الاتجاه، بل نقرأ 'فتاوى قانونیة' تشرّع تمدید بقائه فی السلطة، رغم الفشل الحالی الواضح للعیان، بعد انتهاء فترة رئاسته القانونیة فی کانون الثانی (ینایر) المقبل. فوعاظ السلاطین المستفیدون من هذه السلطة جاهزون بفتاواهم لتحویل الفشل الى نجاح، و'رش سکر على الموت' مثلما یقول المثل الشعبی.

الشعب الفلسطینی الذی قدم آلاف الشهداء والأسرى یجب ان یتحرک، لإنقاذ نفسه وهویته، وقضیته، من المستنقع العفن وتقلیص الخسائر بأسرع ما یمکن، والعودة الى الطریق الصحیح الذی سارت علیه جمیع الشعوب الأخرى، واقالة کل من اوصله الى هذا الوضع البائس المخجل والمعیب.

( بقلم عبد الباری عطوان فی القدس العربی اللندنیة )

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 141173







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)