أزمة الوعی العربی
أزمة الوعی العربی
ویتابع قائلاً : إن الظروف التاریخیة تؤکد ، أن أمریکا إنما هی جزء مکمل للعالم الغربی ، فلسفته ، وعقیدته ، ونظامه ، وذلک یجعلها تقف معادیة للعالم الشرقی الإسلامی ، بفلسفته وعقیدته المتمثلة فی الدین الإسلامی ، ولا تستطیع أمریکا إلا أن تقف هذا الموقف المعادى ، للعروبة والإسلام إلى جانب العالم الغربی ، والدولة الصهیونیة . ( انتهى )
یعتبر الوعی عبر التاریخ الإنسانی الطویل وعند کل الأمم والجماعات والشعوب من أهم العوامل المؤئرة فی حسم الصراعات والخلاقات التی تقع بینها ، کما انه المصب الذی تتبلور فیه الأفکار والرؤى والأهداف وما إلى ذلک من مفردات ....
ولا اقصد هنا بالوعی من منظار معیَّن ، کأن نقول الوعی الدینی بکل مشاربه ، أو الوعی العلمانی بکل توجهاته ، أو الوعی القومی والاشتراکی أو ما شابه ذلک ؛ من اجل عدم اختزال مفهوم وجوهر الوعی البشری ، بل قصدت بالوعی هو ذلک الوعی الذی یجمع کافة الأفکار والمشارب والاتجاهات ، التی تهدف إلى تحقیق الحد الأدنى من الکرامة العربیة ، من خلال جبهة موحدة قادرة على التصدی والتغییر ، باعتبار انه ربما وبفعل تأثیر الأحداث المتلاحقة والضاغطة ، أن یلتقی جمیع شرفاء الکلمة والضمیر لإنقاذ ما یمکن إنقاذه من خلال تلک الجبهة الموحدة ، ومن الطبیعی أن نتفهم ولو بغض النظر قلیلا ، بأن کل فکر یعتبر نفسه هو الأجدر على بناء الوعی العربی ، وانه السبیل الوحید من أجل الکرامة والبناء والتحریر ، ولکن ما لا یمکن أن نتفهمه هو المواقف السلبیة المتشابه لجمیع تلک القوى والأحزاب الفاعلة ، على الساحتین العربیة والإسلامیة ، والذی لا یتبلور عنه جهد مشترک أو رؤیة دافعة موحدة ، تؤدی إلى تشکیل جبهة فاعلة موحدة ، تهدف إلى الضغط من أجل إیجاد حالة من التغییر المنشود ، بخطة یحکمها شکل من أشکال الوعی المشترک ، بین جمیع المشارب والأفکار والأیدیولوجیات والاتجاهات ، من خلال القواسم المشترکة التی یلتفون حولها .
بعض العلماء اعتبروا ووفق معادلتهم الخاصة : أن الخلل فی الوعی هو بالضرورة خلل فی الرؤى والبرمجة والتخطیط ، باعتبار أن کل نتیجة خاطئة تنم عن وعی خاطئ ، یکمن فی کیفیة وشکل التعاطی مع هذا الحدث أو ذاک ، أو مع هذه المعضلة أو تلک .
ومن أولویات الوعی أن یدرک الإنسان بأن مصلحته ومصلحة الناس من حوله تکمن فی عدم الدمج بین النفعیة والمبدئیة ، بین الانتهازیة والواجب ، وهذا هو من أهم أسباب التخبط والفشل والانحطاط ، لأن الوعی الحقیقی یفرض وبالضرورة العطاء أکثر من الأخذ ، والإیثار أکثر من الأنانیة ، وتغلیب المصالح العلیا على المصالح الشخصیة والدنیا ، کما یدعو إلى الشجاعة والمسئولیة والمبادرة الذاتیة والتضحیة والإیثار، من هنا تکمن أهمیة التضحیة بالأرواح والدماء والأموال والممتلکات ، من أجل تحقیق الأهداف المرجوة من خلال عامل الوعی .
ولا شک بأن الوعی العربی یعیش حالة من الانحطاط لا مثیل لها ، وهی شبیهة بتلک المرحلة التاریخیة التی عاشها العرب قبل یزوغ فجر الإسلام ، حیث التمزق والنظام القبلی ، والتجزئة و تفشی القتل والانحطاط القیمی ، وغیاب الوازع الوطنی والإنسانی والأخلاقی .
ولعل ما تعرضت له الأمتین العربیة والإسلامیة عبر التاریخ یکمن فی فقرها لوعی المواجهة والبناء ، مما جعلها تعیش حالات من التخلف والضیاع ، کما جعلها فریسة سهلة للنیل منها ، فی الوقت الذی نجح أعداؤها فی دک حصونها ، واختراق صفوفها ، وهزیمة جیوشها بفعل نجاحهم ( أی الأعداء ) بامتلاک الوعی الذاتی والموضوعی ، الذی مکنهم من تحقیق نجاحات باهرة ضدنا ، ومن أهم العناصر التی شکلت الوعی العدائی ضد الأمتین العربیة والإسلامیة هو قدرة الأعداء على فهم طبیعة تفکیرنا ، وغیاب وازع العطاء والتضحیة عندنا ، وشیوع الأفکار الهدامة ، والعادات والتقالید البالیة ، والأفکار المتهترئة والاتکالیة الممقوتة ، والإشاعات الکاذبة الضارة ، وهو ما اعتُبر جزء من نسیج مجتمعی هش ، مما ساعد أعداؤنا فی تحقیق اختراقنا بسهولة ، فکان نجاح الحملات الصلیبیة ، ثم نجاح هجمات المغول ، ثم وقوع العالمین العربی والإسلامی تحت الحکم الترکی ، وما آلت إلیه الأمور فیما بعد من فقر وجهل وظلم ، ومن ثم انهیار الخلافة العثمانیة ، ثم الخضوع لاتفاقیات سایکس بیکو ، التی أعادت رسم خارطة العالمین العربی والإسلامی من جدید ، وما نجم عن ذلک من إفرازات مریرة نجنی أشواکها حتى الیوم .
لقد نجح أعداؤنا فی فهمنا وقدموا التضحیات من اجل النیل منا ، نجحوا فی فهم ترکیبتنا وسیکولوجیتنا وإمکانیاتنا وطرق تفکیرنا وثقافتنا ، علما بأن من أهم عوامل النصر فی الدراسات الإستراتیجیة ، هو إما أن تفهم عدوک وإما أن یفهمک ، فإن فهمت عدوک ( وهذا بالطبع من خلال وعیک ) کنت الأقرب لتحقیق النصر علیه ، وإن فهمک عدوک کان هو الأقرب فی تحقیق النصر علیک ، وهذه الحرکة الصهیونیة بصعودها وهیمنتها ، وإمکانیاتها المدعومة من الوعی الغربی والتخلف العربی معاً ، تمکنت من تحقیق أکبر الانتصارات فی السیطرة على الإعلام العالمی ، کما نجحت فی الوصول إلى رأس الهرم السیاسی فی معظم دول العالم وصناع القرار ، حتى أن وزیر دفاع جورجیا دافید کازرشفیلی والذی کان مواطنا إسرائیلیا یعیش فی کیان العدو ، وبمجرد أن انهار الاتحاد السوفیتی ، عاد إلى موطنه الأصلی فی جورجیا لیتولى حقیبة الدفاع هناک ، ولیعمل على توتیر منطقة القوقاز .
والمتتبع بإنصاف لحال العالمین العربی والإسلامی یشعر بألم کبیر وبحرقة بالغة ، على ما آلت إلیه الأمور من انحطاط وفشل وهوان ، فجمیع الحرکات التی دعت إلى التحرر فی المنطقة العربیة والعالم الإسلامی أفل نجمها أو کاد ، بغض النظر عن مشاربها الفکریة والعقدیة ، والکثیر منها تقاطعت أهدافها ومصالحها مع أهداف ومصالح أعدائها ، مما أفقدها الکثیر من الدعائم التی یعتمد علیها الوعی فی دیمومته .
الوعی العربی یعیش أزمة فکر ، وأزمة ثقافة ، وأزمة انتماء وهویة ، ثلاثة عشر ملیون مهاجر فی دولة الإمارات العربیة وحدها ، وأصوات إماراتیة شریفة تحذر من التداعیات الخطیرة لذلک کما حدث فی سنغافورة ومالیزیا ، ودول الخلیج العربی ( الفارسی ) ومیاهه تحولت إلى قواعد عسکریة تصب فی تحقیق الأهداف الإسرائیلیة ، والحرکة التعلیمیة فی الوطن العربی تم تسییسها والهیمنة علیها لصالح أعدائنا ، والسودان یخضع لمؤامرة التقسیم ، والعراق حدث عنها ولا حرج . ولیبیا سلمت کل أوراقها والیمن متخبط فی سیاسته وتعامله مع شعبه ، ومصر یکفی ما حدث من انهیار للصخور الجیریة التی أودت بأرواح العشرات الآمنین فی بیوتهم ، وما سبق ذلک من کوارث یتعرض لها الشعب المصری ولا یزال ، مثل کارثة غرق العبارة ، وانهیار العمارات السکنیة ، وانزلاق القطارات والحافلات إلى میاه البحر ، والنظام المصری بجیشه وترسانته أعجز من أن یرد على جندی إسرائیلی واحد یطلق النار على جنود أو مدنیین مصریین .
، وسوریا عاجزة عن تحریر الجولان ومن المتوقع أن تلحق فی رکب التسویة الأمریکی ، وما ینعکس ذلک على قوى المقاومة ، کما عجزت من قبل على تحریر لواء الإسکندرونة . ولبنان خطط ومؤامرات تهدف إلى نزع البندقیة المقاومة ، والجیوش العربیة ناجحة بامتیاز فی قمع شعوبها ، وسجناء الرأی تکتظ بهم السجون ، والشعوب تتنفس من تحت البوستار ( الحذاء ) الحاکم .
ودول المغرب العربی تعیش الفرْنَسَة ( بتسکین الراء ) بأوَجّها ، حتى أنها لازالت تواجه مشکلات التعریب فی بعض المناطق حتى الآن .
وفی السعودیة نهب وسرقة الثروات والأموال النفطیة ، ونسبة الفقر والبطالة فی ازدیاد ، ومدن الصفیح شاهد حی على تخزین الملیارات بأسماء الأمراء والأمیرات فی بنوک أوروبا .
وفلسطین فقدت کل إمکانیات قیام الدولة من جراء الوقائع المادیة على الأرض ، والقضیة الفلسطینیة تسیر نحو المجهول ، وغزة تعیش الحصار والخناق ، وبارک الله فی أیسلندا التی قررت حکومتها قبول 29 لاجئاً فلسطینیاً عالقین منذ عامین فی معسکر للاجئین على الحدود العراقیة السوریة ومن قبلها حکومات البرازیل وتشیلی وکندا التی استقبلت العشرات أیضاً .
لقد نجح بوش من قبل فی اختیار مسئول عن الشرق الأوسط فی مجلس الأمن القومی ، اسمه إلیوت أبرامز ، الذی اختص بالکتابة فی موضوع التحالف الضروری بین الیمین الأصولی المسیحی ، ومؤیدی إسرائیل فی أمیرکا ، کان هذا التحالف قوة دفع رئیسیة فی اتجاه الحرب على العراق وأفغانستان من قبل ، وأنه لا بد من نقلة جدیدة إلى یوم القیامة ( وفق تصور الیوت أبرامز ) .
فهل یمتلک العالمین العربی والإسلامی وعیا یرتقی إلى مواجهة بوش وزمرته !!! ؟ .
لا بد من توحید المواقف بین جمیع شرفاء الرأی والکلمة ، ولابد من التقاء الوعی حول قواسم مشترکة لجمیع المشارب الفکریة ، والاتجاهات السیاسیة الشریفة ، وذلک بتشکیل جبهة موحدة فاعلة قادرة على التغییر ، فما حدث فی لبنان من تشکیل جبهة موحدة للموالاة و أخرى للمعارضة ، وفی العراق حیث الجبهة العراقیة للحوار الوطنی ، لماذا لا یتکرر على المستوى العربی أو الإسلامی فی العالمین العربی والإسلامی بشکل أوسع ، أو حتى لماذا لا یتکرر فی أقطار عربیة منفردة أخرى کالعراق ولبنان ؟ صحیح أن هناک اعتبارات محلیة وعربیة ودولیة کثیرة تخص کل قطر عربی ؛ لکن اعتبار فقدان الکرامة یفوق کل الاعتبارات الأخرى ، فهل نشعر بفقدان کرامتنا ؟ أم أن المهانة هی مهنة الأجداد و الآباء والأبناء ؟
( بقلم الکاتب والباحث الفلسطینی تحسین یحیى ابو عاصی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS