مرحباً بالعقوبات العربیة ضد الفلسطینیین
مرحباً بالعقوبات العربیة ضد الفلسطینیین..!
"إن العقوبات التی تلوّح الدول العربیة بها ضد الفلسطینیین ستکون ضد الجمیع إذا لم یتصالحوا..، أنا غاضب أشد الغضب على المنظمات الفلسطینیة.. هل لهم دولة لیتعارکوا على مناصب وزاریة.. نحن ضحکنا على أنفسنا وسمیناها دولة فلسطین" تلک الکلمات جاءت على لسان الأمین العام للجامعة العربیة السید عمرو موسى فی مؤتمر صحفی عقد فی القاهرة (9/9) على هامش اجتماع وزراء الخارجیة العرب.. وقد علّق وزیر الخارجیة السعودی الأمیر سعود الفیصل قائلاً: "المسؤولیة یجب أن یتحملها الفلسطینیون.."
وتعلیقاً على ذلک فلیس عیباً أن یُقال أن الفلسطینیین قد وقعوا فی شرک السلطة قبل تحریر الأرض، وظنوا بأنفسهم أنهم أصبحوا حکومة وسلطة مستقلة، ورئیس دولة، ودولة الرئیس، ومعالی الوزیر..، ولکن ذلک لم یکن ولیداً ذاتیاً یعیش فی الصحراء، فالدول العربیة أیضاً تتحمل المسؤولیة عن واقع السلطة الردیء، عندما بارکت مسیرة التسویة السیاسیة العاثرة، وبارکت اتفاقیات أوسلو وإفرازاتها السیاسیة المدمرة للواقع الفلسطینی، وهی الدول ذاتها التی ما زالت تتمسک بخیار التسویة، وتدعم الرئیس عباس فی مفاوضاته مع الاحتلال الذی یستغل العجز العربی، والانقسام الفلسطینی، والحصار، والوقت، لمصادرة الأرض وتوسیع الاستیطان وتهوید القدس..
کنا نتوقع أن ینصب الغضب العربی وغضب السید عمرو موسى على استمرار تمسک العرب بخیار التسویة والمبادرة العربیة للسلام التی لم تنجز بقدر الحبر التی کتبت به. تلک المبادرة التی تجاهلها الاحتلال واستغلها لتدمیر الضفة الغربیة (حملة السور الواقی نیسان 2002)، ولفرض المزید من الوقائع على الأرض، وابتزاز المفاوض الفلسطینی المکشوف حتى العظم، ألا یستحق هذا الواقع المسؤول ـ دون تبرئة الفلسطینیین أنفسهم ـ عن تدهور الواقع السیاسی الفلسطینی، دعوة من الأمین العام لتصحیحه نصرة للقضیة الفلسطینیة التی لا یمکن أن تتقدم إلا بمصالحة فلسطینیة ـ فلسطینیة، وعربیة ـ عربیة، لأن العرب هم العمق الطبیعی لفلسطین، والسیاسة الفلسطینیة هی انعکاس للواقع العربی.
فی ذات السیاق، فإننا نتساءل عن الجهة التی تتحمل المسؤولیة عن واقع الانقسام الفلسطینی. نعم الفلسطینیون یتحملون مسؤولیة، ولکن المسؤولیة الأکبر تقع على العرب الذین انساقوا وراء السیاسة الأمریکیة برفضهم التعامل مع إفرازات الانتخابات الفلسطینیة (کانون ثانی 2006)، التی جاءت ببرنامج المقاومة وبحرکة "حماس" إلى سدة القیادة و"الحکم". العرب هم من یتحملون المسؤولیة قبل الأمریکان عندما انحازوا لطرف فلسطینی على آخر، وعندما دعموا الأقلیة فی المجلس التشریعی ضد الأغلبیة، وعندما قام بعض العرب بدعم الأجهزة الأمنیة الفلسطینیة، ومحتکری السیاسة والأمن بالسلاح والمال العربی لقلب الواقع الدیمقراطی الفلسطینی الجدید الذی جاء ببرنامج المقاومة، الذی لم یرق للبعض.
کنا نأمل من اجتماع وزراء الخارجیة العرب أن یعلنوا غضبتهم، ولو فی الأشهر الأخیرة من ولایة الرئیس بوش، معلنین رفضهم لاستمرار الحصار وإغلاق معبر رفح، استدراکاً منهم لبقیة من حمیة، واستشعاراً منهم بأخوة العروبة والدین التی تجمعهم بالفلسطینیین الذین یعانون من الجوع فی رمضان، فی الوقت الذی تزخر فیه موائد العرب بفائض العائدات النفطیة.
یعلم الساسة العرب، کما یعلم السید عمرو موسى أن المسؤول الأول عن وقف الحوار والمصالحة الفلسطینیة، هو الفیتو الأمریکی وبعض الساسة "الفلسطینیین"، وبعض العرب المرتبطة مصالحهم بواشنطن. ونذکّر القارئ هنا بکلمة السید عمرو موسى أثناء حضوره لاجتماع الدول المانحة لسلطة رام الله (برلین 24/6/2008)، عندما وجه کلامه للمؤتمرین بحضور وزیرة الخارجیة الأمریکیة کوندالیزا رایس، قائلاً: "یجب رفع الفیتو عن المصالحة بین حرکتی فتح وحماس"، الأمر الذی استدعى تدخلاً من وزیرة الخارجیة الأمریکیة للرد على الهواء مباشرة، مطالبة حماس الالتزام بشروط الرباعیة وبالاتفاقیات السیاسیة الموقعة، أی الاعتراف بإسرائیل.
إذا کان الأمر کذلک، فلم التحامل على الفلسطینیین کل الفلسطینیین، ولم لا یشار إلى الأطراف المسؤولة فلسطینیة کانت أم عربیة بعیداً عن لغة التعمیم والخداع الإعلامی. ألا یکفی الفلسطینیین ما هم فیه حتى یتوعد العرب کل الفلسطینیین بعقوبات هی أشبه ما تکون بسیاسة العقوبات الجماعیة..؟!
( بقلم الکاتب الفلسطینی أحمد الحیلة )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS