حقیقة التحالف مع 'الغربیین'
حقیقة التحالف مع 'الغربیین'
على مدى الأعوام السبعة الماضیة تحول زعماء تنظیم القاعدة تحولا تدریجیا من منظّرین للإجرام العبثی وممولین له إلى محللین سیاسیین ومعلقین على الأحداث. لا تلوح فرصة ظرفیة أو 'مناسباتیة' إلا اغتنموها لتذکیر العالم بأنهم لا یزالون أحیاء ولإنارته بتحلیلاتهم بالإضافة إلى تهدیداتهم التی تطال الجمیع تقریبا، حتى أصبح الجمهور متعودا على سماعهم یدلون بآرائهم فی کثیر من قضایا السیاسة الدولیة والإقلیمیة.
ولهذا فلا یعجبنّ أحد إذا فکر منتجو البرامج الإخباریة التلفزیونیة یوما فی استضافة هؤلاء المعلقین، الذین لا یضاهیهم فی الشهرة أحد، للمساهمة فی النقاش حول نهایة أحادیة الاستقطاب أو النهضة الصینیة أو الاحتباس الحراری أو الأزمة المالیة الدولیة.
لکن اللافت للنظر أن زعماء القاعدة قد تحولوا أخیرا من التعلیق على الأحداث إلى إطلاق المضحکات المبکیات من النکات السیاسیة. فهل هناک نکتة أدعى للرثاء من الاتهام الذی وجهه الظواهری قبل أیام إلى إیران بالتحالف مع 'الصلیبیین'؟ وهل هناک طرفة أوغلُ فی السوریالیة من أن یطلق هذا الاتهام بینما یبدو أن هؤلاء 'الصلیبیین' أنفسهم یعدون العدة للعدوان على إیران لمجرد أنها ترید أن یکون لها 'مکانة بین الأمم' (حسب عنوان کتاب منظّر آخر اسمه بنیامین نتانیاهو متحدثا عن أمة أخرى اسمها إسرائیل)؟
المأساة أن هنالک من لم یدرک حتى الآن أن الطرف الوحید المتحالف موضوعیا مع الجناح الإمبریالی العدوانی فی الحضارة الغربیة إنما هو القاعدة ذاتها! ذلک أن التحالف الموضوعی لیس مما یُستدل علیه بالنیات بل هو ما تقرره النتائج (بحیث قد یکون المرء طرفا فیه دون قصد أو علم). وإلا فهل کان للإرهاب العدمی من عواقب سوى تقتیل الأبریاء واستعداء بقیة العالم ضد الإسلام وتسلیح المرکب الصناعی-العسکری الأمریکی بما یحلو له من الذرائع لیعیث فی بلاد المسلمین احتلالا کلاسیکیا وإفسادا 'دیمقراطیا'؟ ألم تفعل القاعدة بعموم المسلمین أسوأ مما یفعل العدو بعدوه عندما صیّرتهم بفضل 'غزواتها المبارکة' منبوذین أینما ذهبوا، متهمین على الدوام، تبغضهم أقوام شتى حتى دون أن تعرفهم؟ وهل یمکن لأی کان أن ینافس القاعدة فی 'صلیبیة' الأمر الواقع هذه بعد أن تفردت دون سواها بتصییر لفظة الإسلام مرادفا ناجزا فی معظم اللغات للجنون الإرهابی ولتربص الشر بجمیع البشر؟
لم یکن کلام الظواهری عن 'التحالف الإیرانی - الصلیبی الذی یستهدف الأمة الإسلامیة' من قبیل المفاجأة. فالنکتة من مأتاها لا تستغرب.
لکن ما یستغرب حقا هو أن القاعدة لا تشعر بالتناقض عندما تلقى نفسها، بفضل هذا الهوس العدائی ضد إیران، فی صلب تحالف موضوعی آخر مع بعض... الأنظمة العربیة!
هذه الأنظمة التی تنعتها القاعدة بالکفر وتزعم أنها إنما أرادت، بطریقة غیر مباشرة، الإطاحة بها عندما ارتکبت جریمتها الکبرى ضد الإنسانیة قبل سبعة أعوام تطبیقا لعقیدة 'قطع رأس الأفعى' الأمریکیة أولا!
ذلک أن العامین الماضیین قد أثبتا أن هذه الأنظمة التی یبدو أنها تأخذ هی الأخرى بنظریة 'الفسطاطین' (حیث ینقسم العالم عندها إلى محور الشر الشیعی ومحور الخیر السنی) لیس لها من قضیة مصیریة، قضیة بقاء أو فناء، تستحث همتها وتؤجج حماستها سوى العداوة لإیران والتألیب والتشنیع علیها والنظر إلى کل ما یجری فی الخلیج والمشرق من زاویة وحیدة، هی 'المؤامرات الإیرانیة الشریرة'.
فقد برهنت هذه الأنظمة فی صیف 2006 أنها تعد إیران عدوها الأوحد بینما تعد إسرائیل صدیقها الذی تَأمن له وتثق فیه حتى أنها لم تأل جهدا فی التماس الأعذار لعربدته الهمجیة فی لبنان.
بل إن هذه الأنظمة أصبحت، خلف ستار الدعوة إلى حل الأزمة بین إیران والغرب بالتعقل والحکمة (أی بالشروط الأمریکیة)، تبدو کأنها ارتضت لنفسها دورا تاریخیا شاذا مهینا هو دور الساعی إلى الحفاظ الأبدی على التفوق النووی الإسرائیلی فی المنطقة!
أنظمة عربیة تعودت على الهیمنة الإقلیمیة الإسرائیلیة فلا تتصور عنها بدیلا: تنام ملء العین عن الغابة النوویة الإسرائیلیة وتقض مضجعها قنبلة إیرانیة یتیمة لم تخرج من حیز الافتراض.
( بقلم مالک التریکی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS