اتفاق أوسلو المشئوم واستمرار الخداع الصهیونی
بعد خمسة عشر عاماً على توقیع اتفاق أوسلو لابد أن نتوقف لنرى حقیقة السلام أو بالأحرى (سلام الشجعان) المزعوم الذی تحدث عنه الراحل یاسر عرفات لتبریر وتسویق ذلک الاتفاق المشئوم وما جره على شعبنا من ویلات وانقسامات وضعت کل المشروع الوطنی الفلسطینی فی مهب الریح.
فی ظل تداعیات حرب الخلیج ( الفارسی ) الثانیة ونتائجها المعروفة عقد مؤتمر مدرید الذی قصد منه أیضاً تسویق الوهم للمواطن العربی حول الدور النزیه للولایات المتحدة الأمریکیة وحرصها المزعوم على عودة الأراضی المحتلة لأصحابها سواء کانت الأردن أو سوریا أو الفلسطینیین، وفیه فرضت أمریکا وإسرائیل فصل المسارات العربیة عن بعضها باستثناء المسار السوری-اللبنانی،وقام المندوبون الفلسطینیون فی حینه بدور کبیر ومهم فی تثبیت الموقف الفلسطینی المبدأی تجاه برنامج منظمة التحریر الفلسطینیة رغم أنهم کانوا رسمیاً یستظلون بالوفد الأردنی ولا یتحدثون باسم منظمة التحریر، ولا یمکن لأحد إنکار الدور الوطنی المحترم للراحلین الکبیرین الدکتور حیدر عبد الشافی وفیصل الحسینی واللذین لم یقوما بأی خطوة بمعزل عن التنسیق مع قیادة المنظمة و یاسر عرفات على وجه الخصوص.
وحتى نتفهم أسباب وخلفیات التسرع الفلسطینی فی عقد اتفاق أوسلو التفریطی أقله على ید القیادة المتنفذة لمنظمة التحریر الفلسطینیة والذی أصبح لاحقاً أمراً واقعاً تتقبله حتى تلک الفصائل التی اعتبرته تجاوزاً لکل الخطوط الحمراء لابد أن نعود للوراء قلیلاً حین بدا لهذه القیادة أن دورها القیادی یتعرض للخطر نتیجة القمة العربیة فی الأردن والتی سبقت اندلاع الانتفاضة الأولى فی فلسطین بدءاً من قطاع غزة وکیف تفاجأت قیادة المنظمة بحجم الانتفاضة وعمقها الجماهیری ومفاعیلها على المستویین العربی والدولی واعتقادها أن الوقت أصبح مناسباً لقطف ثمارها، وکلنا یتذکر تصریحات الراحل عرفات بعد تسعة شهور من الانتفاضة حین قال أن الحامل لابد أن تلد بعد تسعة شهور قاصداً أن الانتفاضة قد أکملت أهدافها وحان قطاف هذه الأهداف ولو وجد الرئیس الفلسطینی الراحل یومها من یدعمه أو یقبل التفریط بالانتفاضة فی وقت مبکر لذهب إلى ما هو أبعد من مجرد حضور مؤتمر مدرید عبر الوفد الأردنی، لکن تداعیات الأحداث بعد مؤتمر مدرید والخشیة من نهایة سیئة کانت تلوح فی الأفق للانتفاضة الشعبیة الأولى بسبب تدخلات هذه القیادة بالذات فی شئونها وفرض أجندتها علیها أقدمت على توقیع اتفاق أوسلو بعد مفاوضات سریة استمرت عدة أشهر وکان سبقها مفاوضات من نفس الطابع عبر سنوات خلت لم توصل الطرفین لأی نتیجة.
لقد کان توقیع اتفاق أوسلو صدمة لیس لمشاعر الشعب الفلسطینی والمواطن العربی تماماً کزیارة أنور السادات للقدس فی نوفمبر 1977 بل کان صدمة وضربة لکل التاریخ الکفاحی للشعب الفلسطینی الذی ترسخت مفاهیمه وقناعاته فى صراع وجود ضد الکیان الصهیونی باعتباره مشروعاً استعماریاً قام بإحلال شعب لیس له حق بدل شعبنا الفلسطینی بالقوة الغاشمة ولابد من اقتلاعه من جذوره لیعود الحق کاملاً لأصحابه، کما کان الاتفاق ضربه قاصمة للمیثاق الوطنی الفلسطینی الذی یشکل القاسم المشترک بین کل قوى الشعب الفلسطینی وفصائل منظمة التحریر الفلسطینیة، وهو بصیغته المعروفة یشکل أساس البرنامج السیاسی الاستراتیجی المجمع علیه فلسطینیاً وعربیاً وعلیه تبنى کل البرامج الانتقالیة أو المرحلیة.
لقد تم التوقیع على هذا الاتفاق دون أن تبذل قیادة منظمة التحریر أی جهد حقیقی لاستقراء نتائجه وخیمة العواقب على قضیتنا ووحدتنا الوطنیة، کما لم تقدر حجم الخداع الصهیونی الذی ستواجه وهی تقبل برمجة نقاط المفاوضات وإکمالها على مراحل کما لم تفهم جیداً خطورة مرحلة الحل ارتباطاً بنتیجة هذه المفاوضات، والحال أن مفاوضات الحل النهائی وقیام الدولة فی موعد أقصاه عام 2000( ألفین) استمر بلا نتیجة ایجابیة حتى الیوم ومرشح أن یستمر لسنوات طویلة قادمة.
لقد تواصل الخداع الصهیونی وتساوق قیادة فتح والمنظمة معه برغم التحذیرات والشواهد العدیدة على هذا الخداع وکان الرد حاضراً لدى هذه القیادة تماماً کما یجری الیوم وهذا الرد یتلخص فی أننا لا نملک سوى الاستمرار وأن أی تراجع سوف یجردنا من کل مکاسبنا التی حققناها خلال الفترات السابقة، وهکذا استمرت هذه القیادة فی الوهم وخداع الذات ووقعت عدة اتفاقیات جزئیة کالقاهرة وشرم الشیخ و(وای ریفر) لم ینفذ منها أی اتفاق، والأنکى أن رقعة الأرض التی کانت مسموحة لحرکة السلطة الفلسطینیة وتحت سیطرتها قد تقلصت وبدأت العد العکسی لعودة الدبابات الإسرائیلیة حتى تخوم المقاطعة فی رام الله عاصمة هذه السلطة الشریکة فی (سلام الشجعان) هذا. ولو اتسع المجال لشرح حجم الإذلال الذی تمارسه إسرائیل علینا فی الضفة الغربیة لسجلنا آلاف المخالفات لیس لاتفاق أوسلو فقط بل ولکل الشرائع والقوانین الدولیة وشرعة حقوق الإنسان وأکثر من ذلک المعنى الأخلاقی والدینی لهذه الخروقات الإسرائیلیة التی تجعل من أی دفاع عن هذا الاتفاق کلاماً مهیناً لشعبنا وتنکراً مراً لدماء الشهداء الذین قدموا أرواحهم دفاعاً عن کرامة شعبهم وأمتهم.
لقد مثل اتفاق أوسلو نکبة جدیدة حولت منظمة مجاهدة ومناضلة وشباب مناضلین إلى حراس حدود عند إسرائیل بأموال الوسطاء الأوروبیین والأمریکیین وحولت وعود الدولة والحریة والاستقلال إلى أحلام غیر قابلة للتحقق، ومن یعرف ألف باء توازن القوة ونتائج مفاوضات بین فریقین غیر متکافئین یدرک أنه لا یمکن أن یحقق الطرف الفلسطینی فی ظل ترتیبات نزع السلاح ولجم المقاومة المسلحة وباتفاقات دولیة ملزمة أی هدف استراتیجی مثل حق العودة أو القدس أو الدولة کاملة السیادة. لقد تصور الراحل عرفات ومعه قلة من قیادته أن تخلیهم عن 78% من أرضنا الفلسطینیة قد یرغم أو یغری إسرائیل بالتخلی عن باقی أرضنا فی مساحة ال22% منها فخاب ظنهم وأدرکوا ولکن متأخرین أن ما راهنوا علیه قد فشل ومن هنا کانت محاولات الرئیس عرفات الالتفاف على تعهداته بعدم الوقوف فی صف المقاومة أو ما أسمته أمریکا الإرهاب الفلسطینی ضد إسرائیل ومن ثم تعرضه للاغتیال على ید عملاء الموساد بالسم.
إن خسائر الشعب الفلسطینی جراء عقد هذا الاتفاق لا تعد ولاتحصى ولو قیمنا ما نحن علیه الآن بعد خمسة عشر عاماً على ذلک الاتفاق وما کان یمکن عمله وبناءه خلال هذه المدة موحدین ومتضامنین لعرفنا حجم هذه الخسائر، ونشیر هنا لمسألة مهمة نواجهها منذ عودة القسم الأکبر من قیادة منظمة التحریر للداخل هی سیطرة إسرائیل على حیاة هذه القیادة وأسرها وبالتالی قدرتها الفائقة على تصفیة أی فرد منها لو شکل بحرکته أی مس بأمنها أو اقترب من الخط الأحمر المرتبط بتحقیق الحلم الفلسطینی ومشروعنا الوطنی ... والأمثلة کثیرة منها الشیخ أحمد یاسین وأبو على مصطفى وغیرهم.
إن کل تعهد قطعته إسرائیل على نفسها برعایة أمریکیة أو بغیرها نقضته بلا حیاء أو خوف من لوم أو عقاب وملخص رؤیة المواطن العربی والفلسطینی لهذا الوضع أن إسرائیل لا تجد من یردعها وأن الولایات المتحدة هی شریک رئیسی فی الجریمة التی ترتکب ضد شعبنا الفلسطینی منذ عام 1948 وأن الاستیطان الذی تضاعف عدة مرات منذ اتفاق أوسلو لیس وحده دلیل نقض التعهدات وعقم المفاوضات بل أن وجود الاحتلال فی حد ذاته مؤشر على مستقبل مشئوم لعملیة السلام التی بدأت بولادة قیصریة خاطئة فی أوسلو، وأن الوقت قد حان لوقفة مراجعة جدیة من جانب الشعب الفلسطینی وقواه الحیة تبدأ بتوحید الصفوف ورأب الصدع المستفحل فی جسده بین فتح وحماس لنطوی بجهد مقاتلینا ومجاهدینا وحکمة القائمین على أمرنا صفحة أوسلو المظلمة.
( بقلم زیاد ابوشاویش )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS