qodsna.ir qodsna.ir

هل دخلت الولایات المتحده فی طور الإحتضار السیاسی

هل دخلت الولایات المتحده فی طور الإحتضار السیاسی؟

 

کثیرون الذین یکتبون عن دخول الولایات المتحده فی طور الإحتضار السیاسی على المسرح العالمی، ویذهب بعضهم إلى تشبیهها بحالة الإتحاد السوفییتی فی عهد غورباتشوف، وهم فی هذا یستخدمون مقارنات تفتقر إلى ما یستند إلیه البحث الأکادیمی المحاید الذی ینأى عن الإنفعالات والعواطف ولا یقوم فیه الکاتب بإسقاط أحاسیسه وانتمائه السیاسی على ما کتب.

لا یجافی الحقیقه من یقول بأن الولایات المتحدة قد دخلت فی منعطف صعب، وأنها تعیش أزمة حقیقیه تفاعلت فیها مجموعة من العوامل التی أدت إلى تعقید الأمور أکثر مما توقعه الطاقم الإستشاری للرئیس جورج بوش عندما أبدى له النصائح قبل الهجمة الشرسة التی شنها وراء الحدود.

لقد جرت العادة فی العرفین العسکری والسیاسی على أن یقوم الطاقم الإستشاری بوضع سیناریوهات مختلفة لما یمکن أن تسیر علیه الأمور.ومن عادة الرؤساء أن یسألوا عن أسوأ الإحتمالات ویطلبون تصوراً لمعرفة السیناریو الأقسى لما یمکن أن یترتب على قرارهم المطروح على طاولة الرئیس.

وفی نفس الوقت یطرحون ما یسمى بخطة الطوارئ وهی خطة متغیرة تمکنهم من المناورة والإلتفاف للخروج من الملعب بطریقة تحفظ ماء الوجه وتقوم باستعمال مکابح تکتیکیة تؤدی إلى إنقاذها من الخسارة الکارثیة لو ساءت الظروف.

وبالرغم من أن الولایات المتحدة تجلس على أرقى وأعقد جهاز استخباری فی العالم، فإن حسابات الطاقم الإستشاری لم تستطع أن تلم بکافة المتغیرات،ولم تقم بإعداد خطة الطوارئ التی یجب أن تکون من ضمن المکونات الرئیسیة لأی عملیة بهذا الحجم.

لقد جاءت کل الحسابات مغایرة فی کلٍ من افغانستان والعراق،فالتخمینات بأن الأغلبیة الساحقة من الشعب فی کلتا الدولتین سوف یقوم بالترحیب بهذا الغزو وأن الولایات المتحدة سوف تفوز بالثروات و الموقع الإستراتیجی

وستقوم بتنصیب حکومات موالیة على نسق الیابان وألمانیا وإیطالیا لم تتحقق.وقد وجدت الولایات المتحده نفسها تغرق فی بحرٍ من الإنفاق الذی فاق حتى توقعات أصحاب الحدس المتشائم حیال هاتین الحربین.

وما زاد الطین بلة هو الصعود المتواتر لنجوم واعدین جدد على المسرح العالمی وقد بدأوا بمقاومة المد الأمریکی سواء فی مجلس الأمن ومن خلال التلویح بالفیتو مثل الصین المتألقه بإقتصادٍ عملاق ومفتوح الشهیة على فتح أسواقٍ جدیدة وروسیا التی بدأت تفیق من سکرتها وقد بدأ الإقتصاد فیها یتعافى من خلال الجرعات المقویة التی تقدمها ثورة أسعار الطاقة، وحتى أوروبا التی بدأت تشعر بثقلها وبدأت تتلمس طریقها بمعزل عن الحبل السری الوهمی الذی یربطها بالولایات المتحدة، ناهیک عن الهند التی رفضت کل أشکال الضغوط الأمریکیة من أجل إلغاء خط الغاز الذی سیربطها بإیران.

کل هذه الإرهاصات ألقت بثقلها على کاهل الدولة الأمریکیة وأدت إلى ترنح الإقتصاد العملاق مما أدى إلى هبوط العجلة الإقتصادیة الأمریکیة وقد بدأت الطبقة الوسطى تئن من ثقلها وهی الطبقة المنتجة والتی تسما ببغل الدولة فی المفهوم الشعبی الأمریکی وهی طبقة دافعی الضرائب.

لیس أمام أمریکا من خیار سوى التراجع التدریجی فی هذا التوسع الکارثی وراء الحدود، ولا أظنها تستطیع أن تتجاهل التداعیات الکارثیة لإستمرارها فی هذا التوسع على کافة الصعد.

ولکنها لن تغیب عن المشهد وستبقى لاعباً مهماً وإن وجدت نفسها مضطرةً للتنازل عن بعض مناطق النفوذ التی لم تعد تستطیع تمویلها ولذى فإنها ستلجأ للمقایضه من أجل تعویض بعض الخسائر.

ولکن ما حدث للإتحاد السوفییتی من حیث تفکک الجمهوریات، هو احتمال غیر وارد على الأقل فی الوقت المنظور لأن الولایات المتحدة تجلس على أضخم أرض زراعیة فی العالم وهی لم تستخدم منها إلا النزر الیسیر وفی أسوأ الأحوال فإنها تستطیع الإنکفاء والإکتفاء غذائیاً وهی تعلم أن العلم لا یستطیع أن ینکر علیها حصةً من النفط الذی تحتاجه وستبقى قادرة على أخذ حصتها.

ولن تستطیع أی ولایةٍ فیها أن تحصل على ما هو أفضل من ما یوفره لها الإتحاد إن هی استقلت.علاوةً على أن الحکومة الفدرالیة قادرة على سحق أی حرکة تسول لها نفسها مجرد ذکر الإنفصال.

أرجو من الأخوة الکتاب العرب أن یتحروا المنطق والواقعیة وأن یبحثوا لهذه الأمة عن آلیة تجمعها وتخرجها من طور التشرذم الذی أخرجها من التاریخ وجعلها مادةً ووقوداً یُسیر الآخرین ولا یسیر أصحابه إلا إلى الوراء.

کفانا أن ننتظر هبوط الآخرین ومن جعله أمنیةً نزین بها مقالاتنا فنوهم أمتنا وأنفســـنا بأن النجاح سیأتی لنا ولا داعی لأن نذهب إلیه.

( بقلم زیاد علان العینبوسی )

ن/25


| رمز الموضوع: 141192