الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل الکبرى وتوالی البشارات بزوالها

 

إسرائیل الکبرى وتوالی البشارات بزوالها

 

لا یوجد على سطح الأرض شیئاً مستحیلاً؛ فبقاء الحال من المحال؛ فأی شیء قابل للتغیُّر والتبدُّل؛ فتلک سُنَّة الله فی الکون، ونحن هنا لسنا بصدد کتابة مقال عاطفی ندغدغ به أحلام القرّاء؛ بل ما نکتبه هو ما یحدث بالفعل لا بالقول على أرض الواقع؛ فمنذ شهور قلیلة وبالتحدید فی شهر تموز/یولیه الفائت، کنا قد کتبنا عن عملیة الرضوان والبشارة الرابعة لانهیار إسرائیل، وقلنا فیه بالنص: إن عهد الانتصارات الإسرائیلیة قد ولّى، وأن بدایة انهیار إسرائیل ککیان قد أوشک. لم نقل ما قلناه من فراغ؛ فنحن نعلم أن إسرائیل ککیان وکقوة عسکریة لیست کشأنها من الکیانات الأخرى، فهی ولیدة مؤامرة استعماریة شهدتها منطقتنا منذ بدایات القرن العشرین؛ وبالتالی فإن القوى الاستعماریة تعمل على توطید نفوذها بکافة الوسائل المشروعة وغیر المشروعة لتحقیق مآربها.

والحق یُقال: إن إسرائیل لیست کشأن بقیة القوى الاستعماریة الأخرى؛ فهی قد نجحت فی إبراز کیانها وتقویته، لا بسبب قوة المستوطنین الذین جلبتهم من کل صوب وحدب إلى دیارنا، ولا لأنها تملک عصاً سحریة تقود من خلالها المنطقة والعالم؛ إنما نجحت بسبب ضعف وهوان وتواطؤ الکثیرین من العرب والمسلمین من جهة، وتحامل الغرب ضدنا وبغضه الشدید لتاریخنا وأطماعه فی بلادنا من جهةٍ أخرى. لکن یجب ألاَّ یغیب عن بالنا أن مساعدة الغرب لإسرائیل منذ ما قبل نشأتها وإلى یومنا هذا، لا یأتی من باب عشق ذلک الغرب للعنصر الیهودی؛ وإنما التقت مصالحه مع مصالح الیهود فی تفتیت العالم العربی، بزرع کیان غریب فی قلبه هو إسرائیل، لعلّ عملیة الزراعة تلک تؤدی إلى إصابته بتلفٍ یودی به إلى التهلکة والفناء.

والحق یقال: أن تلک العملیة الجراحیة کادت أن تنجح وتحقق ما رمت إلیه؛ بسبب تلاقح کثیر من العناصر التی ساعدتها فی مهمتها، من دعمٍ عالمی غیر محدود، وتخاذل وتهاون وتواطؤ عربی وإسلامی رسمیین وأحیاناً شعبی؛ فباتت إسرائیل قویة بضعفنا وتخاذلنا، وکلما ازددنا ضعفاً شعرنا بقوة عدونا أکثر. لکن الله سلَّم؛ إذ قیّض لنا من أنفسنا رجالاً نفضوا عن قومنا الضعف والهوان، وتمکّنوا من قلب أُسس المعادلة التی أَلِفناها، وحققوا انتصارات باهرة على ذلک الکیان، وأصابوا جناحیه الشمالی والجنوبی فی مقتل؛ فباتت بقیة أجنحته مکشوفة؛ فقط ترید من یضربها. أما قلب العدو أی: وسطه وعصب وجوده؛ فلم یعد بمنائ عن الهجمات الصاروخیة القادمة بإذن الله من لبنان أو حتى من غیرها.

وهنا نأتی إلى بیت القصید؛ فإسرائیل التی توهّم الکثیرون أنها أقوى منهم، ولن یستطیعوا معها صبراً، بدأ الوهن یفتَّ من عضدها. قد یقول قائل: إن إسرائیل لم تفتر بعد؛ فهی لم تحقق بعد أرض إسرائیل الکبرى من النیل إلى الفرات. لکن الرد على هؤلاء لا یحتاج إلى کثیر عناء؛ لأن التوسع لا یعنی دوماً التمدد العسکری واحتلال مناطق شاسعة؛ بل یکفی المحتل أن یحتل فِکر بعض البلدان وثرواتها ویدمر ثقافاتها؛ عوضاً عن أن یستخدم قوته العسکریة، قد یخسر فیها الکثیر من جنوده، خاصة فی حالة إسرائیل التی لا تملک قوة بشریة تؤهلها لاحتلال مساحات شاسعة من الأرض؛ فتکتفی بالسیطرة الحسیة على سکان تلک المناطق. ولنضرب هنا مثلاً من التاریخ القدیم، فسلیمان علیه السلام منحه الله ملکاً لم یؤتیه لأحد من قبل؛ فاعتقد البعض أن مملکة سلیمان کانت مترامیة الأطراف وصلت من حدود مصر إلى نهر الفرات؛ إلاَّ أن ذلک لیس صحیحاً، لأن سلیمان لم یکن لدیه قوة عسکریة تؤهله فعل ذلک؛ وإنما الصحیح أن الله منح سلیمان قوة حسیة تمثلت فی تسخیره الجان والریاح وفهم لغة الطیر ...، وإلاَّ أین مملکة سلیمان بعد وفاته؛ فما وهم اتساع حدود مملکة سلیمان التی ورد ذکرها فی التوراة؛ إلاَّ نوع من قبیل المبالغات.

والشیء نفسه ینطبق على إسرائیل الحالیة؛ فهی تمکّنت من إقامة حکمٍ حسی کبیر، اعتقد الکثیرون إنه سیؤدی إلى إقامة دولة إسرائیل الکبرى المادیة، أی: التی یستطیع خلالها الإسرائیلیون من احتلال أجزاء کبیرة من العالم العربی. والحقیقة: إنهم فی ذلک واهمون؛ لأن إسرائیل وصلت فی قوتها وعنفوانها إلى قمة الهرم، وبالتالی ولتنفیذ سُنة الله فی الکون؛ ولأن لکل بدایة نهایة، فیجب علیها السقوط إلى أسفله مرة أخرى؛ ثمَّ الأفول تماماً؛ کما حدث مع غیرها من الدول السابقة.

ولکی ندلل على صدق ما قلناه بالإضافة إلى ما سبق ذکره فی مقالنا السابق الذی أشرنا إلیه آنفاً؛ ففی یوم الأحد الماضی الموافق 14/9 قال أیهود أولمرت رئیس الوزراء الإسرائیلی خلال اجتماع الحکومة الإسرائیلیة الأسبوعی فی سابقة خطیرة من نوعها، تُعلن من جانب أرفع شخصیة فی القیادة الإسرائیلیة: "إن أرض إسرائیل الکبرى قد انتهت، ولا یوجد أمر کهذا، ومن یتحدث عن ذلک إنما یوهم نفسه وحسب". وقال: "إننا نرفض رؤیة الحقیقة، والزمن لا یعمل فی صالح إسرائیل، وهذا لیس لأننا لسنا على حق؛ وإنما لأنه للزمن عواقیه الخاصة بنا". وتلک فی حد ذاتها البشارة الخامسة لزوال إسرائیل؛ فالاعتراف من جانب أرفع شخصیة فی إسرائیل بأن أرض إسرائیل الکبرى مجرد وهم قد انتهى؛ ما هی إلاَّ إشارة قویة سیکون لها تداعیاتها على المجتمع الإسرائیلی فیما بعد. بل أبرز ما قاله أن الإسرائیلیین یرفضون رؤیة الحقیقة؛ فی إشارة إلى أن إسرائیل الأمس لیست هی إسرائیل الیوم، وأیضاً لن تکون إسرائیل الغد؛ لأن إسرائیل الغد کما قال أولمرت الزمن لا یعمل لصالحها؛ وأن ثمة متغیرات قد بدت تلوح فی الأفق؛ جُلها لیس فی صالح إسرائیل؛ فحزب الله اللبنانی یستأسد شیئاً فشیئاً، ویستقوی على إسرائیل فی صورةٍ باتت ظاهرة للعیان. والمقاومة فی الأراضی الفلسطینیة حالها أفضل کثیراً من حال المقاومة فی الماضی، فوسائلها باتت أکثر مضیاً، وضرباتها باتت أکثر وجعاً فی المجتمع الإسرائیلی، الذی أصبح أمام هاتین الحالتین مهزوماً فی داخله. والحقیقة التی یجب ألاَّ تغیب عن ذهننا أن هزیمة المجتمع الإسرائیلی وانهیاره هی فی الدرجة الأولى هزیمة نفسیة؛ فهی لذلک أشد إیلاماً من الهزیمة العسکریة.

ویدخل فی ذات البشارة وهی الأشد وقعاً ودراماتیکیة وتحدث للمرة الأولى منذ نشؤ دولة إسرائیل، أن أکبر مسئول فی دولة إسرائیل یعتذر علناً عمَّا قام به المستوطنون من أعمال وحشیة بحق الفلسطینیین فی بلدة عصیرة بالضفة الغربیة. وما قاله أولمرت الیوم: "إنه یجب تحقیق السلام بأسرع وقت، وکل یوم یمر دون اتفاق قد نندم علیه". هذا القول یحمل فی طیاته ما تجابهه إسرائیل من مخاطر تحیق بها من کافة الجوانب، ولم یُعلن أحد من قادتها مثل هکذا قول؛ وذلک یعنی أن إسرائیل باتت متعطشة للسلام؛ لکن مع محاولتها الحصول على أکبر مکسب ممکن فی تفاوضها مع جیرانها.

قلنا إن تلک هی البشارة، ونحن محقون فی ذلک؛ لأن تلک الأقوال التی سقناها یُعد وقعها على دولة إسرائیل ونُخبها الحاکمة والسیاسیة ومجتمعها أکثر ضراوة وإیلاماً من الإعلان عن الهزیمة العسکریة؛ وتلک الأقوال إن دلّت فإنما تدل على أن عصر قادة إسرائیل العظام قد ولّى إلى الأبد؛ وإنه مع أولمرت بدأت إسرائیل عهد القادة الضعاف. وحتى بعد سقوط أولمرت وتولی غیره مقالید الحکم فی إسرائیل، ومهما حاول هذا الغیر من العودة إلى سیاسة من کان قبل أولمرت؛ فلن یستطیع إلى ذلک سبیلاً؛ وإنما ستکون تصرفاته هوجاء مُغلّفة بالرعونة، لأن عهد القوة الحدیدیة قد انتهى وفقدت إسرائیل عنصر المبادرة والمفاجأة وفرض سیاساتها على الآخرین؛ إلاَّ من لا زال یعتقد إنه لن یستطیع معها صبراً، کشأن حکامنا العرب.

أما البشارة السادسة والتی لا زالت فی علم الغیب، نکاد نجزم بأنها ستکون أشد وقعاً على إسرائیل، لأن الهزیمة القادمة بحقها، سوف تشتت المجتمع فیها وتبدأ بعدها عملیة هجرة معاکسة إلى خارجها. وهنا ستکون عملیة الزوال النهائی قاب قوسین أو أدنى، ولا نشتط على التاریخ فنقول: إنه إذا کانت دولة إسرائیل فی التاریخ القدیم والتی أُقیمت على جزء یسیر من أرض فلسطین قد بقیت 70 عاماً فقط؛ فإن إسرائیل الحالیة قد یکون عمرها کعمر إسرائیل القدیمة، وفی أحسن الأحوال لن یأتی عام 2050، وإسرائیل کیان موجود على وجه الأرض، إن کانت هذه مشیئة الرحمن.        

(بقلم الدکتور أسامة محمد أبو نحل منسق برنامج ماجستیر دراسات الشرق الأوسط، جامعة الأزهر – غزة )

ن/25


| رمز الموضوع: 141195







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)