الوضع الفلسطینی من سیء إلى أسوأ
الوضع الفلسطینی من سیء إلى أسوأ
التفاؤل بإمکانیة دفع عملیة السلام (المیتة) بعد فوز لیفنی برئاسة حزب کادیما لا مبرر له، فنجاح لیفنی فی تشکیل حکومة ائتلاف مرهون باستجابتها لاشتراطات الأحزاب الدینیة الرافضة للتفاوض على وضع القدس، وفشلها سیدفع بنتانیاهو إلى رئاسة الوزراء، وفی کلا الحالتین سیظل المفاوض الفلسطینی فی حالة استجداء دائمة دون جدوى.
فبمجرد فوزها فی انتخابات کادیما؛ وقبل تسلمها تکلیفاً رسمیاً من رئیس الکیان الصهیونی شیمون بیریز بتشکیل حکومة جدیدة، توجهت تسیبی لیفنی رئیسة حزب کادیما إلى حزب شاس وغیره من الأحزاب الدینیة لدعوتهم إلى المشارکة فی الحکومة، حیث اشترط حزب شاس على لیفنی عدم إدراج القدس المحتلة على قائمة المفاوضات، إضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بمخصصات الضمان الاجتماعی للأولاد فی العائلات الصهیونیة کثیرة الأولاد.
وفی ظل الفرص الضئیلة أمام لیفنی للنجاح فی تشکیل حکومة ائتلاف، لا مفر أمام لیفنی سوى الاستجابة لاشتراطات شاس المتعلقة بوضع القدس المحتلة، ولا سیما أن رئیس حزب العمل إیهود باراک یرى أن الأصوات التی ربما ستوصل لیفنی إلى رئاسة الوزراء لا تمثل إلا أقل من نصف فی المائة من أصوات الصهاینة فی کیان الاحتلال. ولذلک فهی غیر جدیرة من وجهة نظر باراک بتحدید مصیر الکیان الصهیونی برمته، ولا تملک تفویضاً للتوصل إلى حل مع الفلسطینیین. وبعبارة أخرى، لن تکون لیفنی قادرة على التوصل إلى تسویة مع الطرف الفلسطینی المفاوض.
ورغم موقف باراک السلبی من المشارکة فی حکومة لیفنی، فقد یجد حزب العمل نفسه مضطراً للمشارکة فی حکومتها؛ خوفاً من خسارته أمام حزب اللیکود، خاصة فی حالة إجراء انتخابات مبکرة، وهی الأکثر احتمالاً، حیث من المرجح أن یفوز فی الانتخابات التشریعیة المتوقعة رئیس المعارضة الیمینیة ورئیس حزب اللیکود بنیامین نتانیاهو؛ وفقاً لاستطلاعات الرأی فی مجتمع الاحتلال الصهیونی. وسیسعى باراک إلى تحدید طبیعة المشارکة فی حکومة لیفنی بطریقة تحفظ مصالح حزبه وتقیه شر نتائج استنکافه عن هذه المشارکة، ولهذا فقد دعا باراک الیوم إلى تشکیل حکومة طوارئ وطنیة بمشارکة اللکیود لمواجهة التحدیات التی تحدق بکیان الاحتلال الصهیونی.
ویبدو أن باراک ونتانیاهو، الذی یرفض المشارکة فی أی حکومة مع حزب کادیما بسبب إخفاقاتها المتکررة سیما فی حرب لبنان الأخیرة، إلا بشروطه طبعاً، سیعقدان صفقة بینهما لمواجهة حزب کادیما. وقد تسفر هذه الصفقة عن تشکیل حکومة متشددة بزعامة نتانیاهو، الذی یرفض التفاوض مع الطرف الفلسطینی جملة وتفصیلاً، ویرفض کذلک التفاوض مع سوریا مباشرة أو بوساطة ترکیة.
أما إذا فشلت لیفنی فی تشکیل حکومة ائتلاف، فسیدعو رئیس الکیان الصهیونی شیمون بیریز إلى انتخابات مبکرة فی 2009، حیث سیکون نتانیاهو الأوفر حظاً للفوز فیها وتشکیل حکومة، وستلقی الأحزاب الدینیة والمتطرفة بثقلها خلفه، خاصة بعد إعلان شاؤول موفاز نیته الاعتزال السیاسی، وربما الانضمام إلى اللیکود، رغم أنه لم یقدم استقالته بعد. فقد کانت الأحزاب الدینیة تفضل العمل مع موفاز، ولهذا فمن المؤکد أن تدفع خسارة موفاز فی انتخابات کادیما وانضمامه إلى اللیکود الأحزاب الدینیة إلى دعم حکومة نتانیاهو.
وفی هذه الحالة، من المتوقع أن یواصل نتانیاهو خطة شارون للانسحاب الأحادی الجانب من الضفة المحتلة، وستفرض الحکومة الصهیونیة الحل الذی یتفق مع رؤیتها على الطرف الفلسطینی، الذی سیجد نفسه مضطراً إلى الرضوخ لإملاءات الحکومة الصهیونیة بزعامة نتانیاهو، وسیتوقف مسلسل المفاوضات العبثیة، الذی غطت به سلطة رام الله على جرائم الاحتلال وعملیات التهوید والاستیطان المتواصلة، وسوغت به لنفسها التعاون الأمنی مع الاحتلال ضد المقاومة، ومحاربة حرکة حماس، والمشارکة فی حصار غزة، وتکریس الانقسام وتعمیقه، ومحاولة کسر إرادة الشعب الفلسطینی.
وحتى إن نجحت لیفنی فی تشکیل حکومة ائتلاف، فلن یکون ذلک إلا بالموافقة على اشتراطات الأحزاب المتطرفة، ومن ثم ستسقط القدس المحتلة من أجندة المفاوضات، وکذلک حق عودة اللاجئین الفلسطینیین إلى وطنهم ودیارهم، حیث لن تسمح لیفنی لفلسطینی واحد بالعودة، رغم أن المفاوضات السابقة لم تحرز أی تقدم یطمح إلیه الفلسطینیون، ولن تؤدی إلى تحقیق الحد الأدنى من المطالب الفلسطینیة.
فقد نقل مساعد سابق عن لیفنی قولها فیما یتعلق باللاجئین الفلسطینیین: "لن یدخل فلسطینی واحد دولة (إسرائیل). إنها مسألة مبدأ بالنسبة لها". کما أن لیفنی أکدت أنها لن تحید عن المسارات التی حددتها رایس لتصفیة القضیة الفلسطینیة، وهی تحسین الظروف المعیشیة فی الضفة لتعزیز سلطة رام الله وعزل حرکة حماس، ومحاربة المقاومة الفلسطینیة، وتجفیف منابع الدعم لها، وتفکیک بنى الفصائل المقاومة، وذلک بذریعة السعی لإقامة دولة فلسطینیة معدومة السیادة وممزقة الأوصال وتخللها المستوطنات الصهیونیة.
ولذلک فإن کل السیناریوهات المتوقعة بعد فوز لیفنی فی انتخابات کادیما ستؤدی إلى النتیجة ذاتها. وفی أحسن الأحوال، لن یکون من نصیب المفاوض الفلسطینی إلا مفاوضات ماراثونیة، ولقاءات عبثیة، وقبلات حارة، وزیارات لتل أبیب المحتلة وواشنطن، واستجداء لا حدود له. أما بالنسبة للقضیة الفلسطینیة، فسینتقل الوضع الفلسطینی من سیء إلى أسوأ، وسیظل الاحتلال جاثماً على صدور الشعب الفلسطینی؛ محتلاً لأرضه، ومواصلاً التهوید والاستیطان، ومحارباً لمقاومة الشعب الفلسطینی، ومحاولاً تفکیک بنیة فصائله المقاومة، ومفاقماً لمعاناته.
لکن من یا ترى أولى بتشکیل حکومة ائتلاف أو حکومة طوارئ وطنیة: نحن الفلسطینیین أم الاحتلال الصهیونی؟!!
( بقلم الدکتور محمد اسحق الریفی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS