سلیمان العودة ینتقد حزب الله
سلیمان العودة ینتقد حزب الله
کتب البروفیسورعبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
انتقد فضیلة الشیخ سلیمان العودة حزب الله بسبب ما قام به من مبادرة أمنیة فی بیروت بتاریخ 7/أیار/2008، وطالبه بتغییر اسمه. تحدث الشیخ العودة باسمه على موقعه، لکن القارئ یستشف أن الحدیث باسم أهل السنة، وکأن حزب الله یشکل تحدیا لأهل السنة.
تصلنی رسائل الشیخ سلیمان العودة بین الحین والآخر عبر الشبکة العنکبوتیة، وأرى، جزاه الله خیرا، أن بعض آرائه الفقهیة مفیدة جدا، ویساهم طرحها ونقاشها فی تطویر الفقه الإسلامی وفق آفاق معرفیة تزداد اتساعا وعمقا فی مختلف مجالات الحیاة؛ لکننی لا ألمس قفزة فکریة إسلامیة نوعیة فیما یطرح. ربما هذا یعود إلى المشکلة المزمنة التی یعانی منها المسلمون وهی الترکیز على الفقه (مسائل الحلال والحرام) دون الفکر (مسائل الحق والباطل)، ویبقى من الحیوی أن یتحلى علماء المسلمین بالشجاعة الکافیة لخوض معرکة الفکر لما فی ذلک من فهم أعمق لمسائل الدین الإسلامی یسهل عملیة التطبیق العلمی الذی یدفع الأمة إلى الأمام.
لا أدری لماذا یرید الشیخ العودة من حزب الله تغییر اسمه علما أن الحزب هو حزب الله الوحید الذی یواجه الکیان الصهیونی مباشرة ویلحق به الهزائم العسکریة. إذا کانت المسألة متعلقة بقول الله تعالى: "وَمَن یَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِینَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ،" فإنه لا یوجد ما ینفی عن حزب الله أنه یتول الله ورسوله والذین آمنوا؛ وفوق ذلک هو یسهر على أمن الأمة جمیعها فی مواجهة الغطرسة الإسرائیلیة الأمریکیة التی تدنس مقدسات المسلمین وتنجس أوطانهم بخاصة فی فلسطین والعراق والجزیرة العربیة. (لو) لم یکن حزب الله متمسکا بتعالیم الإسلام، ساهرا ساجدا لله، مصمما على تطبیق التعالیم السماویة السمحة، عاملا وفق أمر الله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخیل...،" لما انتصر على إسرائیل. إنه بالتأکید مختلف تماما عن الأنظمة العربیة التی لا توالی الله ورسوله، وتلهث وراء أمریکا وإسرائیل من أجل حفظ بعض ماء وجه قبیح، ولا تکترث بما أنزل الله وبما أمر.
حزب الله ملتزم بنهی الله سبحانه الوارد فی الآیة الکریمة: "وَلاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُم بَیْنَکُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُکَّامِ لِتَأْکُلُواْ فَرِیقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ." إنه لا یأکل مالا بالباطل، وکبیر الحزب سماحة السید حسن نصر الله لیس طماعا ولا أفاقا ولا منافقا ولا کاذبا، وأحواله المالیة مثل أحوال أی شخص لبنانی عادی، وهو یأخذ فقط ما یحتاج إلیه، ولا یملک أطیانا وفنادق وشرکات ومراکز سیاحة. وهو حریص على کل دینار أو درهم یحصل علیه لأنه مال عام یجب توظیفه من أجل تطویر أوضاع الناس ومن أجل الدفاع عن لبنان والأمة ککل. بالمقارنة، تقوم الأنظمة العربیة وعلى رأسها النظام السعودی بتبذیر أموال الأمة بطرق لا یرضى عنها الله والرسول، وهم یوظفون أموالهم فی خدمة أهل الغرب الذی یلاحق المسلمین بخاصة الثوار منهم الذین یأبون الذل والهوان. فماذا یصنع علماء الأمة من أهل السنة من أجل زجر الحکام وقلب الأوضاع فوق رؤوسهم؟ منهم بالتأکید من یحاول، لکن کثیرین ینحازون لصالح الحکام ضد الرافضین لهذا الاستهتار بالأمة وثرواتها.
واضح أن الهجوم على حزب الله یشتد کلما حقق الحزب انتصارا على المشروع الصهیونی الأمریکی فی المنطقة. لقد شنت الأنظمة العربیة ومعها بعض رجالها من الفقهاء علیه هجوما بعدما فجر قیادتی القوات الأمریکیة والفرنساویة فی بیروت، وطرد العسکر الأمریکیین والفرنساویین من لبنان. قالوا إن الإسلام لا یقر هذا النوع من العملیات، بدل أن یکونوا قد استعدوا لتحریر الأمة من براثن المحتلین. لکن الهجوم الأکبر على الحزب قد تفجر بعد انتصار الحزب على إسرائیل عام 2006. لقد استشعرت الأنظمة العربیة الخطر الذی یمثله الحزب، ومعها استشعر رجال السلطة الدینیة التقلیدیة الممالئة للحکام. إذا هزمت إسرائیل، تفقد أغلب الأنظمة العربیة مظلة الحمایة التی تخیم فوق رؤوسها، وتصبح مهددة بالزوال حتى لو لم یحرض حزب الله ضدها. هزیمة إسرائیل عبارة عن زلزال لا بد أن تتالى تبعاته على الساحة العربیة، والأنظمة العربیة أول من یدفع الثمن. وبما أن الأنظمة العربیة لا تستطیع أن تجهر بعداء حزب الله لأنه انتصر على حزب إسرائیل، تم اللجوء، کما العادة، إلى الصراع التاریخی المتعفن بین علی ومعاویة، وتم نبش قبر فتنة السنة والشیعة علها تکسب حیاة من جدید.
من الضروری أن یطمئن الشیخ سلیمان العودة أن جماهیر أهل السنة لا ترید خوض حرب ضد حزب الله وضد أهل الشیعة عموما، وکل محاولات الفتنة ستبوء بالفشل. حاولت أجهزة المخابرات تأجیج صراع سنی شیعی فی باکستان والعراق ولبنان، لکن الأمور تجاوزها العقلاء من أهل السنة والشیعة وأفشلوا فتنة لا یستفید من وقوعها إلا أعداء الأمة من أجانب وأنظمة عربیة. الغالبیة الساحقة من أهل السنة یؤیدون کل من یحارب إسرائیل وأمریکا، وهم مع حزب الله فی صراعه من أجل أن یبقى سلاحه مشهرا فی مواجهة العدو، وإذا بقی رجال دین سنة بهذا النمط الذی یطرحه الشیخ العودة، فإنهم سیجدون أنفسهم محاطین بمؤیدین یدعون أنهم یدافعون عن الإسلام والإسلام منهم براء.
إذا کان هناک خشیة من سیطرة أهل الشیعة على المسرح الإسلامی بسبب فاعلیة حزب الله وإیمانه وقوته، فهناک طریق واضحة أمام أهل السنة للإمساک بزمام المبادرة وهی تطویر مقاومة فعالة بمواجهة أمریکا وإسرائیل، أو دعم المقاومة السنیة القائمة حالیا. حزب الله لا یمنع أهل السنة من دعم تنظیم القاعدة السنی أو طالبان. وها هی حماس حرکة مقاومة سنیة، وکذلک الجهاد الإسلامی، وها هی المقاومة العراقیة. تفضلوا وادعموا المقاومة العراقیة الباسلة، والمقاومة الفلسطینیة، وجند الشام فی لبنان.
مشکلة رجال الدین الذین تغویهم الأنظمة العربیة أنها لا ترید مقاومة البتة، لا مقاومة سنیة ولا شیعیة. (لو) کان حزب الله عمیلا ومتمشیا مع المشروع الأمریکی الإسرائیلی لما انتقدته الأنظمة العربیة، ولما أثار رجال الدین مسألة السنة والشیعة. والدلیل على ما أقول إن رجال دین مسلمین یقفون بکل قوة ضد المقاومة السنیة فی فلسطین والعراق وأفغانستان وباکستان والصومال.
تبقى مسألة سیطرة حزب الله على بیروت والتی انتقدها الشیخ العودة. (لو) کان یعلم فضیلة الشیخ العودة خطورة السیطرة على شبکة اتصالات حزب الله لتریث قبل اللوم والانتقاد. الذی قرر المس بشبکة اتصالات حزب الله هو الذی قرر الحرب، وما قام به حزب الله لم یکن سوى خطوة استباقیة منعت الحرب فی لبنان. بإمکان حزب الله وحلفائه من مسیحیین ومسلمین سنة ودروز وعلویین وأحزاب سیاسیة أن یسیطروا على کل بنان خلال ساعات، لکن الحزب لا یهدف إلى ذلک بتاتا. کل ما یطلبه حزب الله هو الامتناع عن الوقوف فی وجه کل ما یقوم به من أعمال تخص المواجهة مع إسرائیل. المشکلة أن أعوان إسرائیل وأمریکا فی لبنان لا یتوقفون عن الاستفزازات من أجل جر لبنان إلى فتنة سنیة شیعیة، وجر حزب الله إلى حرب استنزاف یدفع ثمنها کل اللبنانیین ویستفید منها کل الإسرائیلیین والأمریکیین.
أتمنى على فضیلة الشیخ سلیمان العودة أن یرى الأمور بمنظارها الإقلیمی والدولی الشمولی، وألا یکون أسیرا لأمور صغیرة یستخدمها أعداء الإسلام من أجل الفتنة. کثیرون من أهل السنة یتطلعون إلى علماء دین سنة یشقون الطریق نحو الثورة والتحریر. ما هم بحاجة إلیه لیس المبارزة فی بعض الأمور الفقهیة بین السنة والشیعة، وإنما المبارزة فی استعادة کرامة المسلمین وإقامة الدولة الإسلامیة العظیمة التی یعم خیرها على کل الأمم.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS