معالم الحرب القادمة
بقلم البرفسور عبد الستار قاسم
کتبت بتاریخ 15/آب/2005 مقالا بعنوان "انتصارات إسرائیل قد ولّت"، شرحت فیه أسباب التدهور الإسرائیلی فی میدان المعرکة، وأسباب صعود المقاومة العربیة-الإسلامیة. وقد قلت أن عام 2000، عام اندحار الجیش الإسرائیلی أمام حزب الله فی الجنوب اللبنانی هو بدایة هبوط المنحنى الإسرائیلی فی میدان المعرکة. کثیرون لم یعجبهم الکلام، واعتبروه جزءا من التمنیات العربیة التی أودت بنا فی أوحال الهزائم.
فشلت إسرائیل فی حربها عام 2006، وفشلت فی حرب الکوانین (کانون أول وکانون ثانی) 2008/2009. وقد کتبت مع بدایة حرب تموز أن حزب الله سیصمد، وأن إسرائیل ستفشل؛ وکتبت مع بدایة حرب الکوانین أن المقاومة الفلسطینیة ستصمد، وأن إسرائیل ستفشل. ماذا عن الحرب القادمة وما هی معالمها؟ أرى التالی:
أولا: تعلمت إسرائیل منذ تموز 2006 حتى الآن دروسا قاسیة، ولا أراها تقدم على مغامرة عسکریة جدیدة بسهولة. ستفکر إسرائیل مرارا وتکرارا قبل شن حرب على المقاومة العربیة الإسلامیة، وستعمل على حشد أنظمة عربیة ودول غربیة إلى جانبها قبل الإقدام على حرب جدیدة. اتبعت المقاومة العربیة-الإسلامیة تکتیکات جدیدة، وحصلت على أسلحة دفاعیة لا تمکن التقنیة الحربیة الإسرائیلیة من إثبات فاعلیتها؛ هذا ناهیک عن أن الجندی الإسرائیلی وقیادته لیسا کما کانا فی مراحل تأسیس"الدولة" والانتصار.
ثانیا: ستعتمد إسرائیل فی المرحلة القادمة على الضربات الجویة الاستباقیة بصورة شبه تامة لأنها تدرک أن الحرب البریة المتحرکة عبارة عن مغامرة تصطدم بالکثیر من المفاجآت. وفی هذا، هی ستحسب ردود فعل الطرف الآخر، وستبقى مترددة.
ثالثا: بسبب فساد فکرة الحرب ستلجأ إسرائیل ومعها أنظمة عربیة عدة إلى صناعة المشاکل الداخلیة لکل من المقاومة اللبنانیة والفلسطینیة لإلحاق الهزیمة بها من الداخل. ستحاول إسرائیل وحلفاؤها العرب زعزعة ثقة الناس بالمقاومة علّ وعسى تقوم الجماهیر بالقضاء على المقاومة. هذا لن ینجح لأن الأنظمة العربیة تفتقد للمصداقیة.
رابعا: ستنتقل بعض المقاومة إلى الحرب المتحرکة بخاصة حزب الله. صمدت المقاومة حتى الآن فی حرب ساکنة، ولم یکن یاستطاعتها أکثر من ذلک. لکن هزیمة إسرائیل الاندحاریة تتطلب حربا متحرکة، أی خروج المقاتل من الخندق والتقدم إلى الأمام. هذا یتطلب أعدادا کبیرة من المجاهدین، وأسلحة هجومیة قادرة على إسقاط الطیران وتدمیر الدبابات. قناعتی أن حزب الله یمتلک الآن الأعداد الکافیة،ولن یظهر أثرها المدمر إلا فی میدان المعرکة.
لا یمکن أن تبقى المقاومة ساکنة فی مکانها زمنا طویلا، وهی ستهاجم إن لم تقم إسرائیل بالهجوم. المقاومة فی غزة لا تستطیع خوض حرب متحرکة لأسباب جغرافیة ونُزُلیة (لوجستیة)، وبالتحدید بسبب الحصار المصری المضروب على القطاع. سیتطلب أی هجوم من قبل المقاومة استنفارا للقوات المسلحة فی کل من إیران وسوریا، ومن المحتمل أن تشتعل المنطقة.
خامسا: ستنتقم إسرائیل فی ای صدام عسکری قادم من المدنیین بصورة أشد وأقسى وذلک لتحقیق هدفین: نألیب الناس ضد المقاومة، والتأثیر على معنویات القیادتین السیاسیة والعسکریة. من المحتمل جدا أن تستعمل إسرائیل فی الحرب القادمة القنابل الذریة التکتیکیة ضد أهداف یمتزج فیها المدنی والعسکری. إن لم تستعمل هذه الأسلحة فی حربها القادمة، فستستعملها فی حربها التی تلی. خسائر العرب فی صفوف المدنیین ستکون هائلة جدا. وفی المقابل، ستضیق الأرض بالیهود، ولن یدروا إلى أی جحر یفرون.
سادسا: إسرائیل ستخسر الحرب القادمة، ولیس بمعنى الفشل وإنما بمعنى الاندحار؛ أی أن الجیش الإسرائیلی سیندحر وسیسقط منه أعداد کبیرة من القتلى والأسرى. ومن الوارد أن تکون المفاوضات حول تبادل الأراضی ولیس حول إدخال کیس الطحین إلى غزة.
سابعا: الأنظمة العربیة المتحالفة مع إسرائیل وأمریکا ستبوء بخیبة عظیمة قاتلة.
لی أسبابی لقول هذا، ولدی حساباتی القائمة على معادلة صعود القوى وهبوطها. ستسابق إسرائیل وأمریکا الزمن فی البحث عن حلول للتکتیکات التی تستخدمها المقاومة، وستسابق المقاومة الزمن فی البحث عن حلول لقوة ودقة الصواریخ الأمریکیة والإسرائیلیة. سیحقق کل طرف تقدما فی مجال اهتمامه، لکن أمریکا وإسرائیل لن تصلا إلى درجة الاطمئنان، بینما ستصل المقاومة إلى ذلک.
لا یستهن أحد بهول أی معرکة قادمة، ولا یظنن أحد أن خسائره ستکون بسیطة. نحن مقبلون على جحیم دنیوی مستعر، وکل المفاوضات الساعیة إلى البحث عن حلول لن تجدی. المتتبع للحروب الإسرائیلیة العربیة، أو للصدام العربی الإسرائیلی یجد أن حدة إسرائیل فی القتل والتدمیر تزداد مع تصاعد حدة المقاومة العربیة-الإسلامیة. إسرائیل لن تطبطب على ظهر أحد، وستعمل بقدر استطاعتها على قصم الظهور. لکنها بذلک تغامر بوجودها.
الدائرة تدور على إسرائیل، والخناق علیها یشتد، وأمامها فقط أن تعترف بکامل الحقوق الفلسطینیة وعلى رأسها حق اللاجئین فی العودة. أما بالنسبة للأنظمة العربیة المتحالفة مع إسرائیل، فامامها فرصة إعادة تقییم الأمور.
م/24
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS