الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

انسحاب اردوغان درس للعرب

عبد الباری عطوان

 

لم نفاجأ بانسحاب السید رجب طیب اردوغان رئیس وزراء ترکیا من ندوة عقدت فی اطار فعالیات منتدى دافوس الاقتصادی بسبب عدم السماح له بالرد على مغالطات شمعون بیریس رئیس الدولة العبریة، حول عدوانها الأخیر على قطاع غزة، ولکننا فوجئنا ببقاء السید عمرو موسى امین عام الجامعة العربیة على المنصة نفسها التی یجلس علیها بیریس، ودون ان یبادر بالتصدی له وفضح اکاذیبه.

السید اردوغان لم یتحمل مرور سموم بیریس دون رد مفحم ، خاصة انه دافع عن عدوان ادى الى استشهاد اکثر من الف وثلاثمائة وخمسین شخصا، ثلثاهم من الاطفال والنساء، وادعى ان اسرائیل حریصة على السلام، وحمّل حرکة 'حماس' وفصائل المقاومة الاخرى مسؤولیة ما حدث، ولکن المشرف على ادارة الندوة رفض اعطاءه الکلمة تحت ذریعة انتهاء الوقت، مما یکشف عن مدى تستر مثل هذه الملتقیات على المجازر الاسرائیلیة، والانحیاز بالکامل للذین یرتکبونها.

وهذه لیست المرة الاولى التی یظهر فیها رئیس وزراء ترکیا فروسیته ومعدنه الاسلامی الاصیل، فقد وقف کالجبل فی مواجهة الحملات الاسرائیلیة التی تعرض لها لانه انتصر لضحایا المجازر فی قطاع غزة، وادان اسرائیل بأقوى الکلمات.

بیریس معروف بالکذب، وتزویر الحقائق، فقد ادعى اکثر من مرة ان اسرائیل لم تقتل الاطفال فی القطاع، وقال انها تقدم على عدوانها من اجل حمایة اطفال اسرائیل، وعندما ووجه بالصور الموثقة لاطفال مزقت اجسادهم الصواریخ الاسرائیلیة ادعى ان هؤلاء قتلوا بطریق الخطأ.

لا نعرف کیف استشهد هؤلاء بطریق الخطأ، فسماء غزة لیست مثل سماء لندن ملبدة بالغیوم، والطائرات الاسرائیلیة کانت تحلق بحریة مطلقة، ورؤیة واضحة، دون ای مضایقات ارضیة، فالمقاومة الفلسطینیة لا تملک، وللأسف الشدید، مضادات ارضیة ولا صواریخ للتصدی للطائرات، ای ان احتمالات الخطأ معدومة کلیا.

بیریس رکز فی کلمته فی دافوس على حق اسرائیل فی الدفاع عن نفسها فی مواجهة الصواریخ الفلسطینیة، ولکنه تجاهل حقیقة ناصعة وهی ان المسألة لیست فی حق اسرائیل فی الدفاع عن النفس مثل ای شخص آخر، وانما فی ما اذا کانت تملک الحق فی فعل ذلک بالاستخدام المفرط للقوة مثلما شاهدنا فی قطاع غزة مؤخرا.

وما یحز فی النفس ان هذه الأکذوبة التی تبرر قتل الاطفال والنساء صدقها وکررها الرئیس الامریکی الجدید باراک اوباما، وکأنه لا توجد بدائل اخرى مثل البدائل السلمیة، التی لم یتحدث احد عن ضرورة اللجوء الیها لتجنب المجازر والتدمیر الکامل لحیاة ملیون ونصف الملیون فلسطینی من ابناء القطاع، وتشرید خمسین الفا منهم على الاقل، یعیشون حالیا فی العراء بسبب الجدل العقیم حول الجهة التی یجب ان تشرف على اعادة الاعمار.

السید اردوغان قال ما لم یقله الزعماء والمسؤولون العرب المشارکون بصفة دائمة فی هذا المنتدى، لاظهار اعتدالهم وحضاریتهم فی اجراء حوارات مع المسؤولین الاسرائیلیین، والجلوس معهم فی لقاءات جانبیة، ومجاملتهم فی المناسبات الاجتماعیة وحفلات الاستقبال والعشاء، وکأن هؤلاء اصدقاء یمثلون دولة شقیقة.

لا نعرف کم مسؤولا عربیا من المشارکین فی منتدى دافوس صافح بیریس والوفد المرافق له، ولا نستغرب ان یکون السید موسى الذی کان جالسا الى جانبه فی الندوة نفسها قد فعل ذلک، وهو یدرک تماما، ای السید موسى، ان الدماء الطاهرة لاطفال غزة التی سفکها جیش بیریس وطائراته ما زالت طریة لم تجف بعد.

مشکلتنا ان النظام الرسمی العربی لیس متواطئا فقط، لا بل هو مشارک ایضا فی العدوان الاسرائیلی، ویتضح ذلک بجلاء من خلال سلوک مندوبیه وممثلیه فی المحافل الدولیة، واستقبالاتهم الحارة للمبعوثین الأمریکیین، مثل جورج میتشیل، دون أن یقدموا على الاحتجاج على تصریحاته وتصریحات رئیسه ورئیسته المنحازة بالکامل إلى المجازر الاسرائیلیة.

فالسیدة هیلاری کلینتون وزیرة الخارجیة الأمریکیة دشنت مهمة السناتور میتشیل قبل یومین بالتأکید على حق اسرائیل فی الدفاع عن نفسها، فی أول مؤتمر صحافی تعقده، وقالت ان الصواریخ الفلسطینیة على أرضها (أی اسرائیل)، لا یمکن ان تمر دون رد. أما رئیسها أوباما فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلک عندما قال بالحرف الواحد 'إذا سقطت الصواریخ على مکان تنام فیه طفلتای، فإننی سأفعل کل شیء من أجل ایقافها'، وکان یشیر بذلک إلى أطفال اسرائیل، ولیس إلى أطفال قطاع غزة الذین یذبحون بالصواریخ والقنابل الفسفوریة الاسرائیلیة التی تلقیها طائرات (اف 16) الأمریکیة الصنع على مدارسهم التی احتموا بها ظناً ان علم الأمم المتحدة سیحمیهم منها.

أوباما لم یقل کلمة واحدة عن المستوطنات وسرقة اسرائیل للأراضی والمیاه الفلسطینیة فی الضفة الغربیة، وهو صمت لا یتماشى مع تصریحاته الناریة حول التزامه بقیام دولتین تعیشان جنباً إلى جنب فی أمن وسلام واستقرار.

أردوغان ولیس القادة العرب، الذی بات یملک الشجاعة، وهو الحلیف الأقوى لواشنطن، ویتصدى للتزویرین الأمریکی والاسرائیلی فی کل المحافل الدولیة دون استثناء، رغم ان هذه المواقف الشجاعة قد تکلفه وبلاده الشیء الکثیر، مثل اغلاق الباب نهائیاً امام مساعیها للانضمام إلى الاتحاد الاوروبی. فالرجل یتماهى مع شعبه ومشاعره، هذا الشعب الذی تظاهر بالملایین فی شوارع أنقرة واستانبول، ویستند إلى تراث اسلامی عریق لا یخجل منه بل یتباهى به، وانعکس فی قوله انه واحد من أحفاد الامبراطوریة العثمانیة.

شکراً للسید أردوغان، نقولها للمرة الألف، ومن قلب مفعم بالمرارة والاحباط من قیادات تدعی انها عربیة ومسلمة، تصمت على مجازر غزة تواطأً، وتغلق المعابر فی وجه ابناء القطاع المحاصرین المجوّعین.

نقول أیضاً شکراً لهؤلاء الناشطین والمحامین الذین یطاردون السفاحین الاسرائیلیین الذین ارتکبوا المجازر فی قطاع غزة، وخاصة مجزرة اسرة العثامین شمال القطاع، ومجزرة الشاطئ، ومجزرة اغتیال الشهید صلاح شحادة وافراد أسرته. فهؤلاء هم العرب والمسلمون الحقیقیون، والذین تجری فی عروقهم دماء العزة والکرامة والعدالة، وهی قطعاً لیست من فصیلة دماء معظم الزعماء العرب.

م/24


| رمز الموضوع: 141217







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)