الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الدرس الایرانی لعرب الهوان

عبد الباری عطوان

 

الکتابة عن ایران هذه الایام، حتى لو جاء ذلک بالحد الأدنى من الموضوعیة، مثل السیر فی حقل الغام شدیدة الانفجار بسبب عملیات التحریض الطائفی والعرقی التی تطفح بها صحف محور الاعتدال العربی هذه الایام، وخاصة فی کل من مصر والمملکة العربیة السعودیة، حیث تعتمد على قوامیس ملیئة بکل انواع السباب والاتهامات الجاهزة، ولکن اطلاق ایران قمراً صناعیاً بامکانیات ذاتیة، وتطویرها صواریخ بالیستیة تستطیع الوصول الى ای بقعة فی العالم حسب تقدیرات الخبراء الروس، یستحقان وقفة جادة عاقلة لتقییم هذه التجربة، والمقارنة بینها وبین 'انجازاتنا' العربیة، بطریقة علمیة، بعیداً عن الانفعالات، والعصبیات القومیة أو الطائفیة.

ایران تحتفل هذه الایام بمرور ثلاثین عاماً على انطلاق ثورتها التی اطاحت بنظام الشاه، وتوّجت هذا الاحتفال بالکشف عن مدى تقدم تکنولوجیتها العسکریة، وهناک تقدیرات اسرائیلیة تؤکد انها ستمتلک اسلحة نوویة فی غضون عام، بفعل تصاعد قدراتها فی تخصیب الیورانیوم شهرا بعد شهر.

ومن المفارقة ان جمهوریة مصر العربیة زعیمة محور الاعتدال العربی ستحتفل فی الشهر المقبل (مارس) بمرور ثلاثین عاماً على توقیع معاهدة کامب دیفید للسلام، وفک الارتباط بالکامل بقضیة الصراع العربی الاسرائیلی، من أجل الترکیز على کیفیة بناء الاقتصاد المصری، وتحسین الظروف المعیشیة للمواطنین، والنهوض بالخدمات الاساسیة من صحة وتعلیم ومواصلات وغیرها.

الحکومة المصریة لم تخض ای حرب طوال تلک الفترة، على عکس ایران التی خاضت حربا ضد العراق استمرت ثمانی سنوات متواصلة، ومع ذلک یمکن ان نرى الفوارق الشاسعة بین البلدین فی مختلف المجالات، حیث تتجه ایران الى السماء تغزو الفضاء، بینما تتجه الحکومة المصریة الى الارض للبحث عن انفاق رفح، ومن خلال استیراد تکنولوجیا التهریب الامریکیة اللازمة فی هذا الصدد.

هذه التجربة الایرانیة الناجحة اعتمدت على رکنین اساسیین، الاول هو التعلیم، والثانی الدیمقراطیة، ویمکن اضافة رکن ثالث وهو نجاح النظام الایرانی فی استقطاب أعداد کبیرة من العقول الایرانیة العاملة فی الخارج، وتوفیر کل فرص الابداع أمامها لتوظیف خبراتها فی تطویر قدرات بلادها العلمیة والعسکریة.

المحاور العربیة، المعتدلة منها أو الممانعة، أو حتى المترددة بین الإثنتین، فشلت فی جمیع هذه المجالات، واتفقت فیما بینها على أمر واحد، وهو کیفیة تطفیش الخبرات العربیة، أی أنها أصبحت دولا 'طاردة' للعلماء والمبدعین إلى الدول الغربیة. فجمیع الخبرات العربیة التی فازت بجوائز ابداعیة مثل نوبل، فازت بها لانها موجودة فی الغرب، والاستثناء الوحید کان الأدیب نجیب محفوظ، ولن نفاجأ فی المستقبل القریب، اذا ما شاهدنا أدباء أو شعراء عربا یعیشون فی المهجر یکتبون بلغات أجنبیة، قد کسروا هذه القاعدة، وفازوا بجوائز تقدیریة عالیة المستوى.

وزراء خارجیة دول محور الاعتدال العربی اجتمعوا فی مدینة ابوظبی قبل ثلاثة أیام لمواجهة أطراف خارجیة تتدخل فی الشأن الداخلی العربی، والمقصود بذلک ایران ولیست اسرائیل وأمریکا اللتین توجد لهما قوات وأساطیل وقواعد، لان تدخلهما 'أمر حمید' لا خطر منه على السیادة الوطنیة العربیة.

هؤلاء الوزراء لم یقولوا لنا کیف سیواجهون ایران، هل بالغتر المصنوعة فی بریطانیا، أم فوانیس رمضان المصنّعة فی الصین، أم بالأراجیل (الشیشة) المصنوعة فی الیابان؟ أم بجیش الخدم من الهند والفلبین وسیرلانکا؟

من المؤسف انهم لم یکشفوا لنا عن مخططاتهم فی هذا الصدد، لعلهم وضعوا خططاً سریة محکمة، قد نتعرف على تفاصیلها فی الوقت المناسب، أی عندما تقترب مرحلة المواجهة، وتصطدم الجیوش فی ساحات الوغى، ولکن ربما عقد اجتماع لوزراء اعلام الدول نفسها بالتوازی مع اجتماع وزراء الخارجیة، وفی المکان نفسه، ربما یعطینا بعض المؤشرات فی هذا الصدد، أی استخدام أحدث أسلحة 'الردح' العربی المتطورة فی هذه المهمة القومیة السامیة.

علینا أن نعترف بأننا أمة فاشلة عاجزة جفت فیها کل وسائط الابداع، بسبب أنظمة دکتاتوریة غیر منتخبة، رکزت طوال العقود الخمسة الماضیة على 'تجهیل' المواطنین والجیوش، وقتل عروق الکرامة الوطنیة والقومیة فی الاجیال السابقة والحالیة، بحیث وصلنا الى حال القحط التی نعیش فی ظلها.

جامعاتنا فی معظمها تحولت الى مدارس لمحو الامیة، تخرج جیوشا من الجهلة، ومستشفیاتنا اصبحت حقول تجارب، ومشارح للموتى، حیث تغیب المراقبة والاهتمام، ناهیک عن المحاسبة رغم ان افضل اطباء واساتذة الجامعات فی اوروبا وامریکا وکندا هم من العرب.

من یرید ان یتصدى للنفوذ الایرانی علیه اولا ان یتخلى عن تبعیته الحالیة لأمریکا، والمقبلة لاسرائیل، وان یعتمد على نفسه من خلال وضع استراتیجیة نهضویة فی مختلف المجالات، والاعتراف بأن الدکتاتوریة ومصادرة الحریات، وغیاب الشفافیة والقضاء المستقل، وقیام دولة المؤسسات هی السبب الاساسی فی وصولنا الى هذا الانحدار المزری فی مختلف المجالات، بحیث اصبحنا اضحوکة الامم.

نحن کعرب بتنا الیوم الاکثر تخلفا واحتقارا من بین معظم الشعوب الاسلامیة الاخرى دون جدال، فها هی ترکیا تتحول الى دولة دیمقراطیة عظمى ینتفض رئیس وزرائها رجب طیب اردوغان فی وجه امریکا واسرائیل متماهیا مع مشاعر شعبه، ومرتکزا الى قاعدة دیمقراطیة راسخة. وها هو احمدی نجاد یتحدى الصهیونیة وامریکا، ویطلق الصواریخ والاقمار الصناعیة، ویبیع نفطه بالیورو، ویجاهر بدعمه للمقاومة، ویجد الادارات الامریکیة ترتعد امامه خوفا ورعبا.

نشعر بالهوان امام هذا الوضع المزری الذی نعیشه حالیا، ویزداد هواننا عندما نرى معظم الدول العربیة لا تجرؤ على التلفظ بکلمة دعم المقاومة التی صمدت واعادت لها، وللشعوب العربیة ما افتقدته من کرامة مهدورة.

من یرید ان یتصدى للنفوذ الایرانی، ویضع حدا لتدخلات طهران فی الشأن العربی الداخلی، علیه ان یتعلم من مدرستها الوطنیة، ومؤسساتها الدیمقراطیة الحاکمة (رغم بعض التحفظات)، ومراکز ابحاثها العلمیة المتطورة، ودعمها للمقاومة، بشقیها اللبنانی والفلسطینی، وهذا ما لا نراه حالیا، بل نرى إصرارا على الانخراط فی مدارس الاستسلام والخنوع والتخلف للأسف الشدید.

م/24

 


| رمز الموضوع: 141221







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)