الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

وداعا.. لوهم السلام

عبد الباری عطوان

  

کشفت النتائج الأولیة للانتخابات الاسرائیلیة عن تقدم حزب کادیما بزعامة تسیبی لیفنی بشکل طفیف على غریمه حزب اللیکود، مما یرجّح احتمال تشکیل حکومة وحدة وطنیة، لان أیّاً من الحزبین الرئیسیین سیجد صعوبة بالغة فی ایجاد الائتلاف اللازم لتشکیل حکومة بقیادته وحده تحصل على ثقة الکنیست.

حال الشلل الذی کشفت عنه هذه النتائج یعکس المأزق الکبیر الذی تعیشه اسرائیل فی الوقت الراهن، وعدم قدرة نخبها السیاسیة على اخراجها من هذا المأزق سلماً أو حرباً.

البرامج الانتخابیة للأحزاب التی خاضت هذه الانتخابات کانت متشابهة، ان لم تکن متطابقة، فی عدم تقدیم أی تنازلات للعرب فی القضایا الرئیسیة. ولهذا کانت المنافسة بین من هو یمینی ومن هو أکثر یمینیة، ولهذا سنجد انفسنا أمام تغییرات هامشیة فی قضایا ثانویة لا أکثر ولا أقل.

لم یکن هناک معسکر للصقور وآخر للحمائم، أو بین الیسار والیمین، مثلما کان علیه الحال فی معظم الانتخابات السابقة، وانما بین جناحی حزب اللیکود، أحدهما انشق تحت اسم 'کادیما' والثانی احتفظ بالاسم التاریخی والبرامج الأکثر تشدداً.

ان أی حکومة اسرائیلیة ستأتی نتیجة لهذه الانتخابات ستکون ضعیفة على صعید تحقیق خطوات ایجابیة على طریق السلام، لکنها قویة على صعید شن الحروب الجدیدة فی الجنوب (قطاع غزة) أو الشمال (جنوب لبنان) أو حتى قصف البرامج النوویة والبنى التحتیة الاسرائیلیة، فسیطرة الیمین المتطرف على الکنیست، والحکومة فی آن، ستشجع عرقلة عملیة السلام ومنع التنازلات، ومساندة أی توجهات نحو الحروب.

تقتضی الحکمة انتظار النتائج النهائیة قبل الکتابة عن الانتخابات الاسرائیلیة العامة التی جرت أمس، حتى یأتی التحلیل أکثر دقة وموضوعیة، ولکن تشابه البرامج الحزبیة، وانحصار التنافس بین من هو یمینی ومن هو أکثر یمینیة، یجعلنا نجزم بأننا أمام تمدید للسیاسات الراهنة مع حدوث بعض التغییرات الطفیفة فی قضایا هامشیة لا أکثر ولا أقل.

فالانتخابات کانت حلبة منافسة لجناحی تکتل اللیکود الیمینی المتطرف، ولیس بین الیمین والیسار، أو معسکر الصقور والحمائم مثلما کان علیه الحال فی معظم الانتخابات البرلمانیة الاسرائیلیة السابقة.

فحزب کادیما الذی تتزعمه السیدة تسیبی لیفنی وزیرة الخارجیة ولد من رحم الیمین المتطرف، ویحمل أفکاره نفسها، والخلاف لیس بین برامج، وانما بین شخصیات متنافسة على الزعامة، لان هذه البرامج متطابقة فی عدائها للعرب، واصرارها على عدم تقدیم أی تنازلات فی القضایا الجوهریة مثل القدس المحتلة والاستیطان واللاجئین.

وربما لا نبالغ اذا قلنا ان فوز اللیکود بطبیعته الأصلیة بقیادة بنیامین نتنیاهو هو أفضل لنا کعرب، وللعالم بأسره، من فوز 'الصورة'، أو الطبعة 'المزورة' المتمثلة فی حزب 'کادیما' الذی یتمنى الکثیر من العرب، والسلطة الفلسطینیة فی رام الله خاصة، فوزه وتشکیله الحکومة الاسرائیلیة المقبلة، لأن فوز کادیما یعنی استمرار تعلق العرب،او بعضهم بحبال الوهم.

فعلینا ان نتذکر ان دماء أطفال قطاع غزة الذین استشهدوا فی الحرب الأخیرة التی شنتها حکومة 'کادیما' ما زالت رطبة لم تجف بعد، وان عملیة السلام التی انطلقت قبل عامین ونصف العام بقیادة الثنائی أولمرت ولیفنی، ما زالت تراوح مکانها ولم تتقدم ملیمتراً واحداً، ان لم تکن قد تراجعت.

 فوز نتنیاهو لو تحقق ربما یکون أکثر فائدة للعرب والمسلمین على المدى البعید، لانه سیفضح طبیعة الشعب الاسرائیلی العدوانیة الیمینیة العنصریة المتطرفة الرافضة للسلام والتعایش حسب شروط المجتمع الدولی وقرارات منظمته، وقد یحقق معجزة توحید الصف الفلسطینی مجدداً، حیث سیدرک المراهنون على العملیة السلمیة ان الوقت قد حان لاعادة النظر فی کل خیاراتهم العبثیة السابقة، وحتمیة اجراء مراجعة شاملة، تتضمن نقداً ذاتیاً، وبحتاً عن استراتیجیة جدیدة لا تستبعد أی خیار، بما فی ذلک استئناف المقاومة بأشکالها کافة.

وحتى فوز حزب 'اسرائیل بیتنا' بقیادة العنصری المتطرف افیغدور لیبرمان بعدد کبیر من المقاعد یفوق ما تحصل علیه احزاب عریقة مثل 'العمل' قد یکون مفیداً للعرب، داخل الأراضی الفلسطینیة المحتلة وخارجها، من حیث ایقاظهم من سباتهم العمیق، واحلام الیقظة التی عاشوا فیها طوال السنوات العشرین الماضیة تقریباً، تحولوا خلالها إلى مبشرین بالسلام، مستعدین للتطبیع، ومهرولین لتقدیم کل التنازلات المطلوبة.

فلیبرمان الذی هدد بقصف السد العالی فی مصر لاغراق شعبها، ومحو غزة من الخریطة وطرد عرب المناطق المحتلة عام 1948 وتطاول على الرئیس مبارک بطریقة عنصریة متعالیة متهما ایاه بالتواطؤ مع انفاق رفح وتهریب الأسلحة عبرها، بقوله له 'فلیذهب إلى الجحیم'. لیبرمان هذا مرشح لتولی حقیبة وزارة الدفاع فی أی حکومة اسرائیلیة مقبلة، سواء برئاسة نتنیاهو أو لیفنی، فلعله یصدم 'المعتدلین والممانعین' العرب على حد سواء ویطلق رصاصة الرحمة على مبادرة السلام العربیة، بعد ان تعفنت فی غرفة العنایة المرکزة التی تعیش فیها منذ اطلاقها قبل سبع سنوات على الأقل.

الحکومة الاسرائیلیة المقبلة قد تکون 'نسخة محسّنة' عن الحکومة الحالیة بالنسبة للاسرائیلیین من حیث کونها أکثر تشدداً، مع تغییر وجوه ولیس سیاسات أو منطلقات. ولن نفاجأ اذا ما جاءت 'حکومة حرب'، تکمل ما بدأته السابقة فی قطاع غزة، ولم تکمله فی جنوب لبنان، من حیث محاولة تصفیة المقاومة، وترکیع العالم العربی وفرض المشروع الاسرائیلی الحقیقی 'أی السلام مقابل السلام'.

فالشارع الاسرائیلی بات أکثر تعطشاً للمزید من القتل والدماء، بدلیل مساندة الأغلبیة الساحقة فیه لحرب غزة، وعدم الندم على المجازر التی أوقعتها، وتحریضه على حرب أخرى ضد ایران لتدمیر برامجها النوویة، حتى لو أدى ذلک إلى اغراق العالم بأسره فی حمام دم.

المشروع الاسرائیلی یعیش حالة من الارتباک غیر مسبوقة، انعکست بشکل واضح فی الانتخابات الأخیرة.

فالاسرائیلیون مسکونون بالخوف، ولهذا یهربون إلى الحروب، ویؤیدون القیادات العسکریة أو السیاسیة التی تبیعهم وهم التشدد، ولکنهم لا یدرکون فی الوقت نفسه ان معظم حروبهم الأخیرة لم تکن رابحة، بما فی ذلک حرب غزة. فقد انهزموا فی آخر الحروب التقلیدیة عام 1973، ولم یکسبوا فی أی حروب أو اجتیاحات أخرى (فی لبنان مرتان 1982 و2006) واضطروا للانسحاب من طرف واحد أربع مرات (مرتین من لبنان ومرتین من غزة) ودون التوصل إلى اتفاقات سلام بشروطهم.

الاسرائیلیون محظوظون للاسف بوجود زعامات عربیة فاسدة، مستسلمة، مرعوبة، متمتعة بعجزها المصطنع، مسکونة بعقدة الخوف مثلهم، ولکنه حظ عمره قصیر مثل حظ المقامر الذی سرعان ما یتآکل وینقلب دماراً وخسارة ماحقة. والاسرائیلیون لن یکونوا استثناء.

م/24


| رمز الموضوع: 141224







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)