الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

کل هذا التخویف من خطر إیرانی!!

رشید شاهین

 

کنا بعد شبابا یافعین عندما اندلعت شرارة الثورة الإسلامیة فی إیران، ولم یکن من الممکن لنا إلا أن نتفاعل مع هذا الحدث الجلل الذی یحدث فی بلد کان عملیا یشکل الواجهة الأمامیة وممثلا حقیقیا لکل البشاعة للغرب الاستعماری فی المنطقة، وقد کان من غیر المنطقی الاعتقاد بان الولایات المتحدة الأمریکیة بشکل خاص سوف تسمح بان یحدث التغییر فی هذا البلد الذی مثل لفترة طویلة الید الطولى لقوى الاستعمار والهیمنة وخاصة فی ظل الحرب الباردة التی کانت مستعرة فی تلک الحقبة من الزمن.

ما جرى هو أن الثورة استطاعت أن تنتصر على أحد أهم الطغاة الذین حکموا شعوبهم بالحدید والنار والتعسف، ولم یکن من الممکن للثورة أن تنتصر إلا بعد أن قدمت من التضحیات آلاف الشهداء والجرحى، وضاقت الدنیا على الدکتاتور بما رحبت بحیث لم یجد من هو على استعداد أن یستقبله و لم یکن أمامه فی ذلک الوقت سوى أن یستغیث بالرئیس المصری أنور السادات الذی رمى نفسه ومصر فی أحضان الولایات المتحدة الأمریکیة لیشکل ربما البدیل للشاه الذی سقط سقوطا قل نظیره، ولم یتوقف الأمر عند ذلک لا بل وحتى بعد موته ضاقت الدنیا من جدید أمام الشاه المخلوع لیجد بصعوبة جمة قبرا یأوی جثمانه.

کان الأمر بالنسبة للفلسطینیین أن انتصارا تحقق لصالحهم خاصة وان احد أهم حلفاء الغرب والکیان الصهیونی قد سقط أمام هیجان الثورة، وکان أول غیث تلک الثورة أن تم إغلاق سفارة الکیان الغاصب وتحویلها إلى سفارة لفلسطین فی العاصمة الإیرانیة، هذه العاصمة التی جعلها الشاه المخلوع عصیة على منظمة التحریر الفلسطینیة، وتوالت بعد ذلک مواقف القادة الإیرانیین المؤیدة للقضیة الفلسطینیة وفی دعم القضیة الفلسطینیة، کما تمیزت علاقة قادة إیران بعد الثورة وخاصة بالرئیس الفلسطینی الراحل یاسر عرفات بحیث کان یجد قبولا من لدن هؤلاء لا یجده الکثیر من قادة الدول العربیة، وکان لتلک العلاقة الممیزة الأثر الأکبر على تطور العلاقات الفلسطینیة الإیرانیة.

برغم کل ما تعرضت له إیران من محاولات للتآمر والتشویه لمواقفها إلا أنها ظلت مستمرة فی نهجها الذی اختطه لنفسها فی التخلص من آثار الحقبة السابقة وسارت فی طریق النمو والتطور بحیث أصبحت واحدة من الدول القلیلة التی شبت عن طوق التبعیة والاستعمار کما التخلف، وصارت فی مصاف الدول التی یمکن لها أن تفاخر بما وصلت إلیه من تقدم فی شتى المیادین وخاصة فیما یتعلق بالمجال الصناعی برغم کل المحاولات التی استهدفت هذا التطور من خلال فرض الحصار والمقاطعة وکل السبل – غیر المشروعة-التی یمکن أن تساعد على کبح جماح هذه الاندفاعة.

خلال السنوات الأخیرة والتی أرادت إیران الحصول على التکنولوجیا النوویة والتی أکدت دوما أنها تبغی من وراءها تطویر – البلد- وان لا علاقة لهذه التکنولوجیا بالأسلحة أو التصنیع العسکری وان هذا البرنامج لیس سوى برنامجا سلمیا ولا یراد منه الوصول إلى صناعة القنبلة النوویة، تعرضت الى هجوم من کل صوب وحدب وصار الحدیث وخاصة فی الدول العربیة – الکثیر منها- عن الخطر الإیرانی الذی یتهدد الأمة العربیة وأقطار الوطن العربی، وقد تم الخلط فی أحایین کثیرة بین ما هو تهدید عسکری، وبین من یقول بان إیران تبغی السیطرة على المنطقة من خلال المد غیر المسبوق للمذهب الشیعی، کما تم ربط الدعم الذی تقدمه إیران لحزب الله وبعض الفصائل الفلسطینیة وخاصة حماس والجهاد الإسلامی بذلک، هذا بالإضافة إلى التدخلات الإیرانیة فی العراق التی قال البعض إنها أصبحت جزءا لا یتجزأ من السیاسة الخارجیة الإیرانیة، وأنها تدور فی الفلک الإیرانی بعد أن قامت أمیرکا باحتلال العراق فی غزوها وحربها الغادرة عام 2003.

الحقیقة أن التخویف من إیران لم یکن بمثل هذه الطریقة من التضخیم قبل أن یتم احتلال العراق، وصار یقال عن أن هذا الاحتلال وغیاب – العراق القوی- سهل على ایران تحقیق ولو بعضا من أهدافها- صحیح انه کان هناک من یخوف من تصدیر الثورة فی البدایات، وهذا التخویف کان محصورا ولا یتم بالشکل الذی نراه الیوم- لکن السؤال هو، أو لیس من یقوم بالتخویف من خطر إیرانی مزعوم هم من تآمروا على العراق وساهموا فی احتلاله والتخلص من نظامه السیاسی، او لم یشارکوا بکل ما یمتلکون من وسائل من اجل احتلال العراق.

بالإضافة إلى ذلک، فان السؤال لهؤلاء الذین یتباکون على العراق الواهن الضعیف هو، ما الذی فعلوه من اجل المحافظة على العراق لیبقى فی – الحضن العربی- هل تقدم احد من هؤلاء بمشروعه لما بعد التخلص من - العراق القوی- ونظامه، هل کانت لدى أی من هؤلاء خططا لما بعد التآمر على العراق، أو لیست الدول هی مصالح معینة، ولماذا لوم إیران بعد أن سقطت بغداد تحت الاحتلال، لماذا لا یوجه هؤلاء اللوم إلى ما اقترفت أیادیهم ضد العراق، أو فی أحسن الأحوال وإذا کان هؤلاء یشعرون بالخجل من توجیه اللوم إلى أنفسهم، لماذا لا یوجهون اللوم إلى أمیرکا التی دمرت البلد وأزالت أساسات الدولة العراقیة، وقضت على کل إمکانیة لعودة العراق إلى بلد قوی یحسب حسابه، لماذا لا یقولون بحق أمریکا ما یقولونه بحق إیران.

نعتقد بان على العرب وبدلا من توجیه الانتقادات إلى إیران وبدلا من هذا التخویف غیر المبرر، ومحاولاتهم الحثیثة على تغییب الخطر الإسرائیلی والترکیز على خطر إیرانی هو موجود فقط فی أذهانهم - وذلک لعمق شعورهم بالعجز الذی یشعرون من خلال ربط بلدانهم ومقدراتها وقراراتها وسیاساتها- أن یبادروا إلى إجراء حوار عمیق وجاد یمیل نحو تعمیق العلاقة مع إیران، لان من غیر المنطقی أن تجری أمیرکا أو أن یکون لدیها خططا لمحاورة إیران، بینما من یأتمر بأمرها ویشعر بان خطر إیران یهدده لا یجرؤ على أن یکون لدیه مثل تلک الخطط،، إن من غیر المنطقی أیضا أن یظل هذا التنظیر لعداء إیرانی ولأطماع إیرانیة فیما یتم غض الطرف عن کل هذا الذی تمثله إسرائیل منذ نشأتها.

یبدو ان هناک من العربان من یغیب عن ذهنه أن إیران دولة رئیسیة ومحوریة فی المنطقة وان لها مصالح وان من حقها أن تسعى إلى تحقیق تلک المصالح، وإذا ما أرید لأی کان أن یضع حدا لمثل هذه المصالح فعلیه أولا أن یبتعد عن المحاور العالمیة، و ان یفرض بإرادته واستقلال قراره ما یشاء ،لا أن یبقى مرتبطا بالغرب تابعا ذلیلا ومنفذا لسیاسات هذا الغرب الاستعماری.

 الشعور العربی بالعجز لا یجیز لقادة العرب أن یخوفوا شعوبهم من إیران، وهذا – التکثیف- والحدیث المکرر عن وفی هذا الشأن لن یکون مفیدا، خاصة وانه ثبت بان الموضوع له علاقة بالممانعة والمقاومة ولیس بأطماع أو غیر ذلک.

المصلحة العربیة بتقدیرنا هی فی إقامة أفضل العلاقات مع إیران ولیس فی استعدائها والتخویف منها، کما نعتقد بان هنالک إمکانیة لاتفاق مع إیران فی وعلى الکثیر من القضایا، بالإضافة إلى إن بالإمکان خلق الکثیر من العوامل المشترکة مع الدولة الإیرانیة بدلا من الترویج لإقامة أفضل العلاقات مع الکیان الصهیونی، کما ونعتقد بان مثل هذه العلاقة – الحسنة والجیدة- مع إیران لا یمکن أن تکون إلا من خلال موقف عربی موحد ومن خلال صحوة عربیة باتجاه تشخیص مصالح الأمة  ومعرفة أین تکمن، وهی – الأمة- فی حالة وحدتها وابتعادها عن التبعیة للغرب یمکنها ان تواجه العالم کما انها لن تبقى خاضعة لمخاوف  "تعشعش" فقط فی أذهان من صنعوها، مخاوف غیر موجودة ولا ساس لها إلا فی العقول المریضة والقلوب الواجفة.

م/24


| رمز الموضوع: 141225







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)