الحوار الفسطینی الفلسطینی مرة أخرى
بقلم: رشید شاهین
لا شک بأنه کان هنالک اختلافات فی وجهات النظر فی کیفیة علاج هذه المسألة، وذلک بتقدیرنا یعود إلى موضوعة الانتماء والموالاة والولاء والتبعیة لأجندات قد لا تکون بالضرورة فلسطینیة، إلا إن المحصلة النهائیة فی کل ما قیل أو کتب، کان یصب فی نهایة المطاف فی أن هذا الانقسام وان کل هذا الذی جرى ولا زال فی الساحة الفلسطینیة، لا یمکن أن یخدم أحدا، ولا یمکن أن یکون فی مصلحة أی من الفصیلین المتنازعین أو القضیة الفلسطینیة بشکل عام، وان المستفید الوحید هو دولة الاحتلال ولا احد سواها.
المشکلة هی فی أن هذا الفهم کان موجودا لدى کل الفلسطینیین وفی کل المستویات، من القاعدة إلى القمة، و لم نتحدث مع أی من المسؤولین فی أی من الفصائل الفلسطینیة إلا و کان رأیه بان ما یجری لیس فی مصلحة احد، و عندما کنا نتساءل إذا کانت هذه هی القناعة السائدة لدى جمیع القیادات فی الفصائل، وإذا کان الجمیع قد شخص هذا الواقع بهذه الطریقة، وبهذه الخطورة، إذا ما الذی یمنع أن یتجه الجمیع إلى طاولة الحوار وإنهاء حالة الانقسام؟، عندئذ لم نکن نسمع إجابات یمکن أن ندعی إنها کانت شافیة أو انها إجابات مقنعة، لا بل لم تکن تلک الإجابات سوى الدافع على المزید من التشاؤم وربما الإحباط والإحساس أحیانا بان هنالک من یروقه بقاء الواقع على حاله برغم معرفته بما یسببه الواقع الحالی من إضرار بالقضیة الفلسطینیة برمتها.
من هنا فقد کنا نقول ولا زلنا بان الحوار لن یکتب له النجاح ان لم تخلص النوایا وان لم یتجاوز "الناس" الحسابات الضیقة والفئویة وان یتم تغلیب المصلحة الوطنیة العلیا للشعب الفلسطینی على أی مصلحة سواها، وان یتجه "الناس" إلى الحوار بعقول وقلوب مفتوحة، وان یتم هذا الحوار سواء بشکل مباشر أو بوساطة مقبولة من قبل طرفی النزاع لان من غیر المعقول أن تتفاوض فتح ممثلة بالسلطة مع " العدو الرئیسی" بشکل مباشر، وان تتفاوض حماس مع ذات العدو عن طریق الوسطاء سواء کانوا مصریین أو سواهم، بینما لا یتم التحاور بین حماس وفتح - أو على الأقل هذا ما کان معروفا ومعلنا- وکأن حالة العداء بینهما من الاستعصاء بحیث لا یمکن لهما الجلوس على طاولة الحوار سواء مباشرة أو غیر مباشرة.
بالإضافة إلى ذلک کنا ندعو طرفی النزاع إلى عدم الغلو فی العداء، وتوجیه الاتهامات، والتخوین ومحاولات التشویه، والارتباط بالقوى والأجندات الأجنبیة – إقلیمیة أو دولیة- لان ذلک سوف یعمق الجرح و یوغل الصدور، و هذا، إذا ما أزفت ساعة الحقیقة واضطر الطرفان للجلوس إلى طاولة الحوار فانه سوف یصبح من غیر الممکن أو من الصعوبة بمکان على – قواعدهما أو جماهیرهما- على الأقل استیعاب هذا الذی یحدث، لأنه سوف یعنی بالضرورة أن کل ما کان یتم من اتهامات واتهامات مضادة لم یکن سوى – کذب أو تزویر- وهذا ما ستکون له نتائج مستقبلیة سیئة على مصداقیة أی خطاب إعلامی مستقبلی لهذا – القائد أو الفصیل – أو ذاک.
لا شک بان الحوار الفلسطینی کان مطلب جمیع المخلصین، و قد کان للأخبار المتواترة عن اجتماعات جرت و لا تزال بین حرکتی حماس و فتح صدى ایجابیا فی النفوس کما أشاع نوعا من التفاؤل الحذر بین الناس وذلک لان التجارب فی هذا الإطار لم تکن طیبة أو مشجعة، حیث ان من الجمیل والمرغوب أن تتبدل صیغ التخاطب فی الواقع الفلسطینی من المفردات السیئة والتخوین و "الردح" إلى مفردات " معقلنة" عاقلة ومعقولة بعیدة عن الإساءة والتشویه، وهذا باعتقادنا هو مطلب الفلسطینیین بشکل عام ولا یقتصر على فئة بعینها.
الحدیث عن عودة للحوار وبالتالی المصالحة لن یکون جدیا أو صادقا إن لم یکن مقرونا بنوایا طیبة کما تمت الإشارة فی أکثر من مقال، وهو لن یکون سوى طحن للماء أو الهواء وخداع للناس إذا ما انتهى إلى ما انتهى إلیه محاولات الحوار فی أکثر من مرة، وسوف یدخل فی دائرة الخداع والتخدیر هذه المرة وسوف یؤدی إلى نتائج أکثر سوادا وأکثر مأساویة قد یصبح من الصعب ترمیمها فی المستقبل وسوف تحل لعنة الأجیال والتاریخ على من یکون سببا فیها.
هذا التغیر فی المواقف بین الحرکتین والذی بدا مفاجئا یمکن تفسیره على انه جاء ثمرة من ثمار العدوان الآثم ونتائجه المدمرة الذی قامت به دولة الاغتصاب ضد قطاع غزة وما تلا ذلک من جنوح واضح فی الکیان الصهیونی نحو الیمین وسطوع نجم القادة المتطرفین من الصهاینة أمثال لیبرمان ونتنیاهو وغیرهما برغم أن هناک من یعتقد ونحن منهم بأنه فی کیان مثل إسرائیل لا یوجد – خیار وفقوس- فالکل سواسیة فیما یتعلق بالدم الفلسطینی. بالإضافة إلى ذلک هناک من یعتقد بان هذا التطور فی المواقف بین الحرکتین جاء على أرضیة ما یمکن وصفه بالموقف العربی الموحد فیما یتعلق بصعود نجم الیمین فی إسرائیل بالإضافة إلى الدعوات من کل الأطراف بما فیها الغربیة بان على الفلسطینیین إنهاء حالة الانقسام وأنه إذا ما أراد أصحاب القضیة أن یتعامل معهم العالم بشکل أفضل فلا بد من تشکیل حکومة وحدة فلسطینیة تتحدث بصوت واحد.
إن من المتوقع - وللمرة الألف إذا خلصت النوایا- أن یتم العمل على العودة إلى الحوار بشکل جدی من اجل الوصول إلى إنهاء حالة الانقسام التی أضرت بالقضیة الفلسطینیة التی بحسب تقدیرنا ولولا هذا الکم من الدم والأشلاء والدمار لأصبحت فی خبر کان، کما ان من المتوقع أن یرتقی القادة إلى مستوى الدم والأشلاء التی أحدثها العدوان الغادر على قطاع غزة من اجل إنهاء الانقسام والتوصل إلى حالة من التصالح حول کل القضایا الخلافیة التی کانت سببا فی هذا الخصام.
إنهاء الانقسام والتوصل إلى حلول لکل القضایا لن یکون من خلال الوقوف أمام الکامیرات والإعلان عن اتفاقات کما حصل فی اتفاق مکة أو فی صنعاء، حیث ثبت أن هذا لا یکفی، بل یجب الاعتبار من تلک الاتفاقات والوصول إلى اتفاقات حقیقیة ملزمة للجمیع لا أن یصبح أی اتفاق یمکن الوصول إلیه احد العوامل فی المزید من الفرقة وتعمیق الخلاف وتجذیر الانقسام کما حصل فی الاتفاقات السابقة.
م/24
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS