الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

التهدید المستمر بسحب المبادرة العربیة، طَیّبْ، ما البدیل؟!

 

رشید شاهین

حیث ان العنوان قد یوحی للبعض بأننا نشعر بالحزن أو الأسى واللوعة فیما لو تم سحب المبادرة العربیة، أو أننا نعتقد بأن هذه المبادرة هی التی ستکون بمثابة المخلص للعرب قادة وشعوبا من الحالیة المزریة التی وصل إلیها حال الأمة، فانه لا بد من التأکید على أن هذا الأمر لیس فی البال أبدا، واننا لن نذرف الدمع على المبادرة، کما أننا على أی حال نعتقد بأنها لا تنم سوى عن حالة من الانحدار وصلت إلیها الأمة، وأنها تعبیر صارخ عن عجز عربی مطبق غیر قادر على أی فعل قد یرتقی بالأمة التی من الواضح أنها أدمنت حالة الانکسار التی أصبحت لازمة لها وانه أصبح من الصعب علیها أن تعیش إلا کذلک.

منذ تم طرح المبادرة العربیة للسلام قبل سنوات سبع، لم ینفک القادة العرب بشکل عام والأمین العام للجامعة العربیة بشکل خاص عن التهدید بسحب هذه المبادرة، وأن هذا العرض العربی السخی للسلام لن یبق أمام العالم والجانب الإسرائیلی إلى ما لا نهایة، وقد کان آخر ما قیل حول سحب المبادرة العربیة من التداول وأنها لن تبقى إلى الأبد هو فی قمة الدوحة التی انفضت بتقدیرنا وغیرنا دون نتائج مهمة تذکر.

التصریحات بهذا الشکل والتی من خلالها یحاول من یحاول أن یظهر نوعا من "العنتریات" موجها خطابه إلى الشارع العربی فی الإجمال من اجل امتصاص حالة الغضب السائدة فی هذا الشارع على حالة الخنوع والمهانة التی یعیشها النظام العربی الرسمی، -هذه الحالة التی امتدت لسنوات طویلة أطول من عمر المبادرة العربیة- لم تعد تنطلی على احد، کما أن هذه التهدیدات أصبحت محل تندر واستخفاف فی هذا الشارع الذی یدرک بفطرته أن کل ما یقال فی هذا الصدد لیس سوى جعجعة فارغة وغیر مقنع وان لیس لدى العرب ما هو أکثر من ذلک.

 الاستمرار بعرض مبادرة السلام العربیة للعام السابع على التوالی والاستمرار فی التهدید بسحبها افرغ أی تهدید عربی من جدیته ومن إمکانیة تطبیقه، ولعل الجمیع یتذکر بأنه ما ان تم الإعلان عن المبادرة حتى أطلق رئیس الوزراء الإسرائیلی فی حینه ارئیل شارون تصریحاته التی استهتر من خلالها بما صدر واعتبر أن المبادرة لا تساوی الحبر الذی کتبت به.

من الواضح أن هذا الاستهتار الإسرائیلی والغربی وعدم التعامل بجدیة مع موضوع المبادرة العربیة لم یأت هکذا ببساطة، أو لان لیس هناک ما یبرر ذلک، حیث من الواضح أیضا أن العالم لم یعد یأخذ أی تصریحات عربیة أو تهدیدات على محمل الجد، ذلک لان لهذا العالم تجربته الطویلة مع قادة الأنظمة العربیة الذین یقولون فی السر ما لا یقولون فی العلن، وهم الذین لدیهم الاستعداد الکافی لمعاداة بعضهم البعض بشکل علنی وواضح وبدون لبس أو تردد فیما هم یهادنون أعداء الأمة ویروجون لهم ویفتحون قلوبهم وأذرعهم وبلدانهم لکل أفاق لئیم قادم من الغرب "المتمدن" الاستعماری ومن دولة العدوان فیما توصد الأبواب أمام "الأشقاء" وترتفع وتیرة العداء بسبب وبدونه.

إن مجرد طرح المبادرة العربیة بهذا الشکل لم یکن أبدا کاف، حیث أن المبادرة طرحت عاریة من أی عنصر إسناد، ولا نعتقد بأنه یمکن فعل ذلک – إسنادها بعناصر قوة- الآن وبعد سنوات طویلة من طرحها، وما التهدید بسحبها سوى النتیجة الطبیعیة لهذا الوضع العربی الهزیل والمنقسم على نفسه، وأی حدیث الآن أو فی المستقبل عن إسناد المبادرة العربیة بعناصر القوة من قبل الدول العربیة من اجل توفیر النجاح والقبول لها من الغرب وإسرائیل  یبقى کلاما فی الهواء وتمویه وضحک على الذات، ولا یمکن تحقیقه، ذلک لان أی محاولة لتسلیح المبادرة بأی أدوات إضافیة أصبح غیر مقنع خاصة وان العمل العربی الجماعی انتهى مع انتهاء حرب العام 1973 والتی یختلف العرب حتى على تسمیتها.

طرح المبادرة بتقدیرنا کان یجب أن یتضمن مجموعة او سلسلة من الخطوات التصعیدیة المتدرجة، وعندما نقول التصعیدیة فهذا لا یعنی أبدا أننا نطالب الأمة بسن سیوفها فی نهایة المطاف وشن الحرب على دولة الاحتلال، لأننا نعلم علم الیقین أن لا سیوف لدى الأمة، وان توفر شیء منها فهو من اجل قمع الشعوب العربیة المغلوب على أمرها لیس إلا، أو أن هذه السیوف تشحذ من اجل حمایة المصالح الغربیة، أو من اجل التحالف مع قوات تلک الدول والاصطفاف معها فی خندق واحد ضد أی من الأشقاء العرب کما حصل فی الحالة العراقیة عام 1990-1991.

 ما نقصده هنا هو أن یتم التلویح بخطوات ممکنة التطبیق وغیر عصیة على قادة الأمة ابتداء من تقلیص التمثیل الدبلوماسی على سبیل المثال فی الدول المساندة لإسرائیل ولإسرائیل نفسها وفی العواصم العربیة لهذه الدول، وانتهاء بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال لتلک التی ترتبط بعلاقات واتفاقیات معها وغیر ذلک من الخطوات الاقتصادیة والدبلوماسیة، بالإضافة إلى تحدید جداول زمنیة من اجل تنفیذ کل خطوة من تلک الخطوات، وذلک حتى إذا ما تم تنفیذ الخطوة الأولى والثانیة بشکل حقیقی وبحسب ما هو محدد شعر الغرب بجدیة تعامل الدول العربیة مع ما تقول وتعلن وأقرنته بالفعل.

 من الملاحظ فی ظل المواقف العربیة المتخاذلة هو أن دولة الاحتلال أصبحت لا تهتم لهذه "الأمة " وان هذه الأمة غیر قادرة على الفعل، وان ما یقال لیس له أی صدى إلا فی عقل من یطلق أقواله، ومن هنا فهی تمارس ما تمارس على الأرض الفلسطینیة والعربیة بشکل عام دون أن تحسب حساب لما یقال، فهی تسیر فی مخططاتها فی الأراضی المحتلة بما فیها مدینة القدس کما أنها تحاصر قطاع غزة بشکل فیه الکثیر من التحدی للعالم ولیس فقط "للعربان" بعد أن أوسعته تدمیرا وهی لا تتردد فی استعمال ذراعها الطویلة فی تدمیر لمنشاة فی لسوریا وقصف لقافلة فی السودان وقبل ذلک حرب على لبنان لأنها تعلم أن هذه امة بلا حول ولا قوة.

 التهدید بسحب المبادرة جید لکنه لا یشکل الکثیر من الرعب فی القلوب الإسرائیلیة، لکن السؤال هو ماذا یعنی لو أن العرب سحبوا المبادرة؟ وما هو البدیل المتاح لدیهم وکیف سیفعلون وما هی خططهم وما هی خطوتهم القادمة؟  أسئلة لا بد من الإجابة علیها، وقبل أن اختم أود أن اذکر بما قاله الفاشی لیبرمان خلال حفل تنصیبه فی موقعه کرئیس للدبلوماسیة الإسرائیلیة " من یرید السلام علیه الاستعداد لحرب" ترى ما هی استعدادات امة العربان لأی من الاحتمالین؟


| رمز الموضوع: 141233







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)