المقاومة وأوهام السیادة العربیة
عبد الستار قاسم
17/نیسان/2009
یؤکد المسؤولون المصریون فی دعایتهم ضد حزب الله على السیادة المصریة، ویصرون على عدم السماح لأی کان بانتهاک هذه السیادة، وأن على حزب الله أن یلتزم حدوده، وعلیه أن یدفع ثمن ما قام به من أعمال على أرض مصر لدعم غزة وأهلها. ولم یتلکأ المسؤولون الأردنیون عن ذات التأکید حول السیادة الأردنیة فی قضیة الحکم على أفراد یجمعون معلومات لحرکة حماس حول مواقع إسرائیلیة فی الأردن. ویبدو أن السلطة الفلسطینیة ترید أن تؤکد ذات الشیء فیما یخص المتفجرات التی اکتشفتها مخبأة فی مسجد فی قلقیلیة.
أنظر إلى عیون المسؤولین العرب وهم یتحدثون على شاشات المرناة حول سیادة دولهم وإصرارهم على حمایة هذه السیادة فلا أرى أی نوع من الخجل، ولا أرى تغیرا فی ألوان وجوههم وهم یطلقون العنان لتصریحاتهم الناریة. واضح أنهم کذبوا على أنفسهم وکذبوا حتى باتوا یصدقون أنفسهم، فأخرجوا کلماتهم وکأنها حقائق. عن أی سیادة یتحدثون؟ طبعا لا تستطیع أی دولة فی هذا العالم أن تتحدث عن سیادة مطلقة لأن التداخل العالمی وارتفاع منسوب الاعتماد المتبادل أثر بشکل أو بآخر على أعمال السیادة لکل دولة، لکن علینا ألا نخلط هذا بمسألة التنازل عن السیادة مقابل مصالح شخصیة أو فئویة تأتی بالعار والذل على الوطن والمواطن.
مصر:
بالنسبة لسیادة مصر وأمنها القومی، أشیر إلى النقاط التالیة:
1- مصر لا سیادة لها على سیناء، وهی لا تمارس فی سیناء سوى حکم ذاتی وفق اتفاقیة کامب دیفید. تحدد الاتفاقیة الوجود العسکری المصری فی سیناء بقوات مقاتلة رمزیة على الضفة الشرقیة لقناة السویس، ویحظر على مصر إدخال جنود مقاتلین أو معدات عسکریة إلا بإذن من إسرائیل. مسموح لمصر إدخال قوات شرطة مصریة أو قوات حرس حدود مصریة محدودة العدد والتسلیح بهدف الحفاظ على الأمن الداخلی؛ وإذا احتاجت مصر إدخال مزید من هذه القوات بمعدات ثقیلة فإن علیها أخذ الإذن من إسرائیل أولا. وقد ثارت هذه المسألة عندما احتاجت إسرائیل لرقابة مصریة قویة فی رفح المصریة لمنع تهریب الغذاء والدواء والسلاح إلى غزة، وکان لا بد من القفز عن اتفاقیات کامب دیفید ومنح مصر مثل هذا الامتیاز الذی لا یهدف إلى حفظ أمن مصر وإنما أمن إسرائیل.
2- السیادة الفعلیة فی سیناء هی للقوات المتعددة الجنسیات بقیادة الولایات المتحدة والتی تسیطر على ممرات متلا وجدی الاستراتیجیة فی وسط سیناء تقریبا. هذه القوات تقیم أجهزة إنذار مبکر، وتراقب تحرکات القوات والطیران على کلا الجانبین الإسرائیلی والمصری؛ والرقابة من الناحیة الفعلیة هی على الجانب المصری، ولا یوجد أی جندی من هذه القوات فی الأرض الفلسطینیة المحتلة عام 1948.
3- لا تستطیع مصر أن تعبر بطائرة حربیة واحدة إلى سیناء. هذا ممنوع منعا باتا. هناک طائرات سمتیة أو عمودیة مدنیة تعبر أجواء سیناء الجنوبیة والجنوبیة الغربیة بهدف نقل الرئیس المصری أو زوار إلى شرم الشیخ.
4- منتجع شرم الشیخ یعج بالجواسیس والعملاء من دول متعددة، وهو یشکل نقطة انطلاق لأعمال التجسس على مصر ومصانعها ومؤسساتها ومنشآتها العسکریة. هذا المنتجع عبارة عن وکر لأجهزة المخابرات الدولیة، وهو مرکز استرخاء واستجمام لکل الذین یتآمرون على مصر (أعنی مصر ولیس النظام المصری).
5- تمر السفن الحربیة من الممرات المائیة المصریة بخاصة من قناة السویس، ولیس مرورا بأوقات السلم، وإنما مرور بأوقات الحرب. قامت القطع البحریة الأمریکیة الحربیة بالمرور مرارا من القناة بهدف مهاجمة العراق التی هی دولة عربیة ترتبط مع مصر باتفاقیة دفاع مشترک.
6- تمر القطع البحریة الحربیة الإسرائیلیة عبر مضائق تیران الواقعة على رأس سیناء الجنوبی إلى البحر الأحمر والمحیط الهندی وبحر العرب لتتجسس على نشاطات بعض فصائل المقاومة وعلى إیران. لا تقوم هذه القطع بأعمال الدوریة الاعتیادیة فقط، وإنما تقوم بأعمال عسکریة حربیة تستهدف عربا ومسلمین.
7- مرت الطائرات الحربیة الإسرائیلیة من أجواء مضائق تیران المصریة لقصف السودان، وقصف قوافل إمدادات للمقاومة الفلسطینیة فی غزة.
8- لا تستطیع مصر أن تمارس سیادتها على آبار النفط والغاز الموجودة فی سیناء، والنظام المصری یخترق الدستور المصری عندما یقرر لإسرائیل معاملة تفضیلیة فی أسعار المحروقات.
الأهم من کل هذا أنه لا یحق لمن یأکل من خیرات غیره المشروطة أن یدعی السیادة. مصر تتلقى مساعدات اقتصادیة من أمریکا لیس لأن أمریکا ترأف بحال مصر والمصریین ولکن لأنها وإسرائیل قد حصلتا على مواقف سیاسیة من النظام المصری فی اتفاقیة کامب دیفید. تتمثل هذه المواقف السیاسیة بالتنازل عن سیادة مصر حیثما لزم الأمر، أی حیثما تتطلب المصالح الإسرائیلیة والأمریکیة. مصر لا تستطیع أن تسد احتیاجات شعبها الغذائیة الآن بسبب الفساد المالی والإداری والاستهتار فی بناء الاقتصاد المصری، ولا مفر أمام النظام إلا الخضوع إذا أراد لاستقرار الشارع المصری أن یستمر. الشارع مستقر فی مصر بفضل مساعدات قوى خارجیة، وهذه القوى تستطیع إشعال هذا الشارع إذا قرر النظام المصری الدفاع حقا عن سیادة مصر.
الأردن:
ربما یجد المرء مبررا ولو واهیا لمصر عندما تتحدث عن السیادة، أما ما هو المبرر الذی یملکه النظام الأردنی عندما یتحدث عن السیادة؟ إمارة شرقی الأردن وجدت أصلا لتکون مخزنا للفلسطینیین المطرودین من وطنهم، ولتقف مدافعة عن مصالح الصهیونیة، وعن أمن إسرائیل فیما بعد. المملکة الأردنیة الهاشمیة لا تملک سیادة إطلاقا، وهی لا تتمتع إلا بحکم ذاتی شبیه إلى حد کبیر بالحکم الذاتی الذی تتمتع به السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة. فیما یلی عدد من الحقائق:
1- الأردن لا تستطیع الوقوف على أقدامها اقتصادیا بدون الدعم الخارجی الأجنبی، أو الدعم العربی الذی یحرکه ویبرمجه الأجنبی. الحکومة الأردنیة لا تقوى على الاستمرار فی صرف رواتب الموظفین بدون هذا الدعم، والدینار الأردنی ینهار بین لیلة وضحاها إن رفعت الولایات المتحدة عنه الغطاء المالی. هذا الأمر له ثمنه السیاسی، ومثلما لا تتصدق الدول الغربیة على مصر، هی لا تتصدق على الأردن. المال مقابله أثمان سیاسیة، وعلى من یرفض أن یبحث لنفسه عن مخارج إن استطاع.
2- المخابرات الأمریکیة والإسرائیلیة متغلغلة فی الأردن وهی تعمل فی وضح النهار وبدون توریة، وأکبر دلیل على ذلک هو نشاط الماسونیة وعملها العلنی فی أوساط الناس على مختلف مشاربهم. لا یوجد أسرار دولة أو أسرار أمن فی الأردن، والبلاد عبارة عن کف مفتوح أمام أجهزة الأمن الأجنبیة.
3- دائما وقفت إسرائیل وأمریکا وبریطانیا مع النظام الأردنی، وتدخلت بمختلف الأسالیب والوسائل للمحافظة على النظام فی مواجهة عرب أو أردنیین حاولوا تغییر نظام الحکم.
4- هناک قوات أمریکیة فی الأردن، ولها قواعد فی بادیة الشام.
5- الطائرات الأمریکیة والإسرائیلیة تخترق الأجواء الأردنیة باستمرار. لم تتوقف الطائرات الحربیة الأمریکیة عن المرور عبر الأجواء الأردنیة أثناء الحرب على العراق.
6- النظام الأردنی هو المسؤول أولا عن تحریر الضفة الغربیة من الاحتلال، لکننا نراه یدعم الأمن الإسرائیلی على حساب المقاومة. تتحمل منظمة التحریر جزءا من المسؤولیة فی هذه المسألة بالتحدید، لکن النظام القویم لا یتخلى عن مسؤولیاته الأخلاقیة.
السلطة الفلسطینیة
یتحدث أحیانا بعض المسؤولین الفلسطینیین عن سیادة السلطة الفلسطینیة فی وسائل الإعلام، لکنهم یتندرون على أنفسهم عندما تبتعد عدسات التصویر.
السیادة فی مواجهة المقاومة
تحلو أحادیث السیادة العربیة عندما یتعلق الأمر بالمقاومة. أغلب الأنظمة العربیة اختارت طریق البحث عن حل تفاوضی مع إسرائیل، وهی تطبع العلاقات مع إسرائیل وتنسق معها أمنیا فی السر والعلن. إسرائیل لا تشکل خطرا على الأنظمة العربیة، وخطرها فقط على الأمة العربیة، أما المقاومة فتدافع عن الأمة العربیة، ولا بد أن تصطدم مع إسرائیل ومع الأنظمة التی تتلقى الدعم من إسرائیل وأمریکا. أغلب الأنظمة العربیة هی فی تحالف موضوعی مع إسرائیل بسبب ما تقتضیه مصالح هذه الأنظمة التی تشترک مع إسرائیل فی معاداة الأمة العربیة. ولهذا یبقى تفسیر السیادة فی الساحة العربیة تفسیرا خاصا بمصلحة الأنظمة ولیس بمصلحة الدولة أو الشعب أو الأمة. الأنظمة العربیة هی التی تقود الأمة من هزیمة إلى هزیمة، ومن تخلف إلى تخلف، ومن إذلال إلى إذلال، ومن فشل إلى فشل، وبالرغم من ذلک لا تتوقف عن التبجح وادعاء السیادة والقرار الوطنی المستقل.
کل هذه الموبقات التی یتم اقترافها بحق الأمة العربیة، وکل هذه الانتهاکات للأرض العربیة وللأعراض العربیة لا تحرک غیرة أو حسّا لدى أنظمة العرب، لکن بندقیة مقاوم یرید الثأر من إسرائیل، أو جعبة خیش عربیة تخبئ أدویة لأطفال غزة تثیر کل هذه الضجة حول السیادة. صحیح أن الضجة هذه قد تسیء لحزب الله ولحرکة حماس مؤقتا، لکن الشعوب العربیة قد استوعبت الدروس، وتدرک تماما أن أنظمة العرب هی التی تشکل الخطر الأکبر على سیادة الأمة.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS