کانوا سینسحبون على کل حال (زیاد ابوشاویش)
بقلم : زیاد ابوشاویش
یعتقد البعض ممن تابعوا الشطر الأخیر من التحضیرات لمؤتمر دیربان2 لمکافحة العنصریة أن انسحاب وفود الدول الغربیة بالکیفیة التی رأیناها فی جلسة الافتتاح أثناء کلمة الرئیس الایرانی أحمدی نجاد جاءت للرد على ما أثاره الزعیم الایرانی حول عنصریة الکیان الصهیونی، غیر أن الحقیقة تقول غیر هذا نظراً لعوامل وتحرکات ومظاهر تؤکد أن هذا الانسحاب کان سیحدث حتى لو لم یتناول الرئیس الایرانی اسرائیل بالاسم.
أبرز هذه التحرکات والعوامل هی انسحاب الدول الکبرى الدائرة فی فلک الولایات المتحدة بعد أن بادرت هی بذلک تحت ذریعة الصیغة التی کتب بها مشروع البیان الختامی الذی یشیر لعنصریة إسرائیل وممارسات الاحتلال برغم أن الصیغة الواردة کانت مخففة جداً ولا تتناول الکیان الصهیونی بطریقة مباشرة کما لا تقترب من صیغة بیان دیربان1. ورغم اتفاق أغلبیة الأطراف الفاعلة فی التحضیر للمؤتمر بأن مثل هذه الصیغة مناسبة لنتیجة المؤتمر ولا یحرج حلفاء الکیان الصهیونی إلا أن النتیجة کان عملیة خداع لشرکاء عدیدین فی الاعداد للمؤتمر،حین قامت أمریکا بالانسحاب ومعها کندا والمانیا وهولندا واسترالیا وبالطبع إسرائیل.
التحرک الآخر والداعم لاستنتاجنا هو ما قامت به إسرائیل ذاتها من تحریض على المؤتمر بحجج وذرائع مختلفة من بینها حضور الرئیس الایرانی من حیث المبدأ، وقامت بتوزیع إعلانات وتهدیدات بمختلف الأشکال والطرق بما فیها استخدام فتیات یحملن صورة أحمدی نجاد وعلیها کلمات تحریضیة ومطالبة بمقاطعته ورفض وجوده تحت ذریعة إنکاره المحرقة النازیة، ووصل الأمر حد سحب السفیر الاسرائیلی من سویسرا بسبب استقبال الرئیس السویسری للرئیس الایرانی.
والعامل الثالث أو المظهر المؤید لما ذهبنا إلیه حول المقاطعة والانسحاب أثناء کلمة نجاد هو تهدیدات هذه الدول بالذات بأنها ستنسحب لو أشار الرجل من قریب أو بعید لإسرائیل رغم معرفتهم المسبقة بأنه سیفعل ولن یتراجع عن موقفه المبدأی تجاه قیام اسرائیل ووصفه لها بالعنصریة، وکان أحرى بهم الغیاب عن الکلمة لکنهم تعمدوا الانسحاب بالکیفیة التی رأیناها حتى یصوروا للعالم أن فشل المؤتمر أو بالأحرى فشلهم فی التعامل بمعیار واحد مع کل مظاهر العنصریة وممارساتها إنما تسبب به حضور الرئیس الایرانی وکلمته الناقدة لهم ولربیبتهم إسرائیل.
لقد کان السید نجاد محقاً حین وصف انسحابهم أثناء الکلمة التی ألقاها بأنه شکل من العنصریة والتمییز ضد کل صوت حر وشجاع فی تناول ما تقوم به إسرائیل التی قال عنها السید نجاد أنها دولة عنصریة صنعها الغرب وهؤلاء الذین انسحبوا بالذات فی فلسطین عبر إلقاء المزید من الیهود باتجاهها بعید الحرب العالمیة الثانیة وأثناءها.
والمظهر الأخیر الذی لاحظه الجمیع هو ما رکزت علیه وسائل الاعلام الغربیة والمسیطر علیها من اللوبی الیهودی حول مظاهرات الاحتجاج على حضور أحمدی نجاد والسماح لبعض المهووسین بشتمه وإلقاء الطماطم تجاهه فی الوقت الذی تم فیه تجاهل آلاف المتظاهرین ضد إسرائیل وعنصریتها وآلاف المنظمات المدنیة ممن شنوا هجومهم الحاد على سیاسة الولایات المتحدة الداعمة لاسرائیل خاصة بعد أن تم استحضار محرقة غزة للتأکید على عنصریة الکیان الصهیونی. لیس مناسباً فی هذا المقال تفصیل الوضع الدولی عشیة انعقاد المؤتمر فیما یخص الملف النووی الإیرانی وجملة المناورات والمماحکات الجاریة لاحتواء التقدم الایرانی على هذا الصعید واحتمالات المواجهة العسکریة من عدمها، لکن من المفید القول أن الوضع الذی وجد فیه الغرب وإسرائیل أنفسهم أمام دولة قویة وتجید لعبتهم فی المناورة وتستغل حاجتهم للاستقرار فی منطقة النفط الخلیجیة وصعوبة الحل العسکری معها، دفع هؤلاء لمناورة کالتی شاهدناها فی سویسرا یعتقدون أنها تحرج إیران وتشکل عامل ضغط علیها لتقدیم التنازلات المطلوبة هنا وهی الأیسر، أو فی ثنایا الملف النووی الخطیر من وجهة نظرهم والذی فشلوا حتى اللحظة فی إجبار إیران على تقدیم أی تنازل جدی بخصوصه.
الثابت حتى الیوم هو قناعة الشعوب فی الدول الغربیة التی انسحبت قبل المؤتمر أو أثناء خطاب الرئیس الإیرانی بأن إسرائیل تمارس العدید من أشکال العنصریة والتمییز والدلیل على ذلک عشرات المظاهرات التی اندلعت فی تلک البلدان وتحمل شعارات التندید بعنصریة إسرائیل وهمجیتها، وکذلک نتائج الاستطلاع الذی جرى قبل سنتین لمعرفة رأی الشارع الأوروبی فیمن یتسبب بنسبة أعلى فی الحرب على سطح المعمورة والتی أتت نتائجه مفاجئة لأمریکا وإسرائیل حین صوتت الأغلبیة مع تسمیة أمریکا وإسرائیل على التوالی کأکثر الدول إثارة للحرب.
لم یکن أمام السید نجاد سوى أن یقول ما قاله، ولو قال خلاف ذلک لاتهمته ذات الدول المنسحبة بممارسة التدلیس والالتواء من أجل المراوغة فی موضوع الملف النووی، ولخسر فی ذات الوقت من مصداقیته، ولذلک کانت کلمة الرجل مناسبة وتمس جوهر الحقیقة حول عنصریة إسرائیل والغرب عموماً، وکانوا من المؤکد سینسحبون مهماً کان خطابه خفیفاً مثلما فعلت أمریکا ورهطها بالانسحاب لمجرد الاتفاق على بیان هو بمعیار الحقیقة أخف بکثیر من بیان دیربان1 ویخالف واقع الحال الذی یقول أن إسرائیل هی کیان عنصری من رأسه حتى أخمص قدمیه.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS