دور المستقلین الفلسطینیین
بقلم: حازم القواسمی
هناک ضغط متزاید على السیاسیین الفلسطینیین المستقلین للعب دور أکبر باتجاه إنهاء الإنقسام الفلسطینی الحالی بل وفی تصویب مسار القضیة الفلسطینیة بشکل عام.
ففی العامین الماضیین شهدنا محاولات عدیدة من مستقلین فی الضفة الغربیة وقطاع غزة للتأثیر الإیجابی على الحرکات والأحزاب السیاسیة الفلسطینیة، ولعب دور المساند لهم باتجاه تصلیب الوضع الداخلی أمام الصلف الإسرائیلی والإنحیاز الدولی له. ونستطیع القول أن هناک ما قد یسمى بالشراکة التی نشأت بین المستقلین والأحزاب السیاسیة الرئیسیة مثل فتح وحماس والجبهتین الشعبیة والدیمقراطیة، نتیجة قبول هذه الأحزاب بل وتشجیعها للمستقلین للعب دور الشریک المکمّل على کافة المسارات السیاسیة.
وقد تشکلت نتاج ذلک عدد من المبادرات واللجان والمجموعات التی ضمت مستقلین وممثلین عن الأحزاب السیاسیة الرئیسیة، حیث تلتقی وتعمل بشکل دوری وتحاول بشتى الوسائل زیادة حجم تأثیرها باتجاه تحقیق المصلحة الوطنیة العلیا. ولأن المستقلین یشکلون الیوم أکبر نسبة فی الشعب الفلسطینی فی الداخل والخارج، ولا تقلّ نسبتهم فی جمیع الاحوال عن 60%، تتسابق الفصائل الفلسطینیة فی استقطابهم وکسبهم إلى جانبها. بل إن المبادرة الوطنیة برئاسة د. مصطفى البرغوثی اعتقدت وقدّمت نفسها أنها ممثلة للمستقلین. إلا أنه ثبت فشل ذلک لاحقاً. بل ثبت أنه لا أحد یمثل المستقلین الیوم، برغم المحاولات المستمیتة للمضی قدماً فی هذا الموضوع وآخرها المحاولات المتکررة لرجل الاعمال المعروف السید منیب المصری.
وقد لعب المستقلون دوراً بارزا فی "نداء الوحدة" بدایة هذا العام حیث شارک فیها سیاسیین من مختلف الفصائل ووقفوا صفّاً قویاً منادین بالوحدة الوطنیة وإنهاء الإنقسام الفلسطینی. ولم تکن مشارکة المستقلین فی نداء الوحدة شکلیة أو سطحیة، بل کانت ریادیة وعمیقة. فکانت مواقفهم السیاسیة واضحة انعکست على بیان النداء، ولم تکن مجرد جهود باتجاه صلحة عشائریة بین فتح وحماس. فقد انتقد بیان نداء الوحدة، والذی شمل أیضاً توقیع قیادیین بارزین من فتح، کل من خارطة الطریق ومسار أنابولیس والمفاوضات مع إسرائیل بشدة. وأکّد على حق الشعب الفلسطینی فی مقاومة الاحتلال بکافة الاشکال المشروعة.
کما أن المحاولات ما زالت مستمرة من المستقلین للعب دور فاعل فی تصحیح مسار القضیة الفلسطینیة بعد أن أجمع الفلسطینیین بمختلف انتماءاتهم أن الوضع الحالی لا یمکن أن یستمر کما هو علیه، وأنه لا یمکن ترک القضیة الفلسطینیة لفتح وحماس وصراعهما على السلطة، بینما یضعف دور الفصائل الأخرى یوما بعد یوم حتى بات معدوماً.
والتحدی الأکبر الیوم أمام الفلسطینیین هو إنشاء حزب سیاسی جدید یضم العدد الأکبر من المستقلین الراغبین فی لعب دور سیاسی، حیث لا یجدوه فی فتح أو حماس أو فی أی فصیل آخر. ومع أن المحاولات کثیرة لإنشاء هذا الحزب المرتقب، وبدأت بشکل متواضع فی عدة مدن فی بیت لحم والقدس ورام الله ونابلس إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل حتى الآن لسبب واحد هو غیاب برنامج سیاسی واضح. فمن هذه المحاولات من نادى بالاستمرار بحل بوش للدولتین، ومنها من نادى بحل الدولة الواحدة بخجل، ومنها من لم یبعد کثیراً عن البرنامج الحالی لفتح ومنظمة التحریر والتی کفر بها المستقلون. ولذلک کان واضح من البدایة أن هذه المحاولات النخبویة الخجولة لن تستطیع أن تجمع حولها أکثر من بضع عشرات لا یتعدوا الخمسین شخصاً. کما أنها کانت تتمرکز أکثر حول مفهوم السلام مع إسرائیل (أو بالأصح الاستسلام لإسرائیل)، أکثر منها مقاومة الاحتلال سواء سلمیاً أو بالکفاح المسلح.
وفی خضم جمیع تلک المحاولات، لم نسمع عن محاولة جادة واحدة لإنشاء حزب سیاسی جدید ینادی بتحریر فلسطین من النهر إلى البحر ویعتمد نهج المقاومة والتحریر لتحقیق ذلک. وقد یرجع سباب غیاب هذه المحاولة لسببین: إما أن أغلبیة الشعب الفلسطینی لا یرغبون بذلک ولهذا لم تتحرک القیادات النخبویة والفکریة بذلک الاتجاه، أو أن الشعب یرید الرجوع إلى الأساسیات ومفهوم التحریر والمقاومة بینما لا تدرک النخب رغبة الشعب هذه ولهذا لم تتحرک بذلک الاتجاه.
لقد ساعد انتشار الفضائیات واستخدام الإنترنت فی العالم العربی فی تسلیط الضوء على دور المستقلین الفلسطینیین والعرب وانتشار آرائهم وأفکارهم. وسواء نجح بعض المستقلین فی إنشاء حزب سیاسی جدید یلبی طموحات الشعب الفلسطینی الجریح، أو لم ینجحوا، فلا شک أن دور المستقلین فی تعاظم مستمر ولن یستطیع النظام الفلسطینی البائس تجاهل الغالبیة العظمى فی الفترة القادمة. حیث ستتعاظم المصائب والتحدیات، کما أن العدو الصهیونی بقیادته الحالیة المجرمة لا ینوی خیراً ویخطط لحروب جدیدة ونهب مزیداً من الأرض وإراقة مزیداً من الدماء الفلسطینیة والعربیة والإسلامیة.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS