الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الأمن القومی وأمن الناس

وکالة أنباء قدسنا

بقلم فهمی هویدی

بعدما شبعنا حدیثا عن الأمن القومی طوال الأسابیع الأخیرة، ورفعنا الصوت عالیا مهددین ومنذرین کل من تسول له نفسه أن یدوس له على طرف. وبعدما حذرنا من مغبة غضب مصر وتداعیات نفاد صبرها، هل یمکن أن نخفض سقف الانفعال بعض الشیء لنتحدث فی أمر بسیط یتصل بأمن المواطن العادی.

صحیح أن التوقیت قد لا یکون مناسبا، وسط الأجواء التی تحاول إقناعنا بأن الوطن أصبح فی خطر سواء بسبب «عفریت» خلیة حزب الله ولیس بسبب إسرائیل النوویة، إلا أننا لا ینبغی أن نتجاهل أن هناک ظروفا طارئة تضطرنا أحیانا إلى الانصراف أثناء أی فاصل بین فقرات الانفعال بالقضایا الکبرى إلى بعض الأمور قلیلة الأهمیة المتعلقة بالناس العادیین، رأفة بحالهم وترطیبا لجوانحهم.

یشجعنا على ان نولی بعض الاهتمام للشأن الذی یخص المواطن العادی، أن الکلام الکبیر الذی تناول موضوع الأمن القومی کان فی حده الأقصى أقرب إلى الفرقعة الإعلامیة والسیاسیة التی کان من الصعب على العقلاء بلعها، فی حین أن موضوع المواطن العادی بات حقیقة یلمسها بعض الناس ویتحدث بها أغلبهم إن لم یکن کلهم.

الموضوع باختصار أن الحوادث المتتالیة التی وقعت فی بر مصر خلال السنوات الأخیرة أفقدت المواطن العادی الشعور بالأمان فی المدن بوجه أخص. وهذا الشعور لا یتحقق بتصریحات مسؤولی الداخلیة المطمئنة ولا بتقاریر الأمن العام المجاملة. لکنه کأی شعور ینبنی على ما یلمسه الناس على أرض الواقع. وهذا الواقع یحفل بالشواهد التی تدل على زیادة جرائم السرقة والخطف بمختلف أنواعها. وزیادة فی جرأة معتادی الإجرام، التی باتت تدفعهم إلى اقتحام المساکن المأهولة، وقتل من یعترض طریقهم. کما أن هؤلاء أصبحوا یرتکبون جرائمهم فی وضح النهار وفی الشوارع الرئیسیة.

بسبب ذلک فإن المواطن لم یعد مطمئنا فی بیته، ولا أصبح مطمئنا وهو سائر فی الشارع. وإذا کان یملک سیارة فإنه لم یعد واثقا من أنه سیجدها على باب بیته فی الصباح. وإذا کان للأسرة طفلة أو طفل فقد باتت تخشى أن ترفع أعینها عنه فی أی مکان، بعد الشائعات التی راجت عن عصابات تجارة الأعضاء التی أصبحت تخطف الأطفال.

أعرف أناسا أصبحوا یسعون إلى اقتناء الأسلحة وترخیصها للدفاع عن أنفسهم وبیوتهم. وأکثر منهم أضافوا أبوابا حدیدیة إلى شققهم ذات الأبواب الخشبیة، وأمثالهم قاموا بترکیب أجهزة إنذار فی بیوتهم، وأسیاخ حدیدیة لتأمین نوافذها. أما أطقم الحراسات الخاصة التی أصبحت ترابط فی مداخل البنایات فقد انتشرت وتضاعفت أجورها. حتى باتت شرکات الحراسات الجدیدة بمنزلة وزارة داخلیة موازیة.

 

 

 

بشکل عام هناک اقتناع سائد بأن وزارة الداخلیة أصبحت متفرغة لحمایة النظام، ومن ثم تعین على المجتمع أن یدبر أمر الدفاع عن نفسه. ذلک أن الناس یشاهدون أرتال عربات الأمن المرکزی تستنفر لقمع المظاهرات وتفریقها، کما یشاهدون حشود الشرطة تؤمن الأکابر، وتصطف فی المواکب الرسمیة، ولکنهم لا یکادون یلمسون لها حضورا یذکر فی حیاة الناس العادیة. إن شئت فقل إن القادرین حاولوا حل المشکلة بإمکاناتهم الذاتیة، أما الأغلبیة الساحقة فلم یعد لها حارس سوى الله.

الظاهرة تحتاج إلى تحریر، فی حجمها ودوافعها. وعلم الحجم عند الله ثم عند الداخلیة، أما الدوافع فهی تتراوح بین ترکیز الشرطة على الأمن السیاسى، وتراجع قیمة احترام القانون، واتساع الفجوة وعمقها بین الأغنیاء والفقراء ، وانتشار المخدرات، وشیوع الإحساس بالغضب والنقمة بسبب الغلاء والفساد والبطالة، خصوصا فی ظل غیاب المشارکة المجتمعیة واحتکار السلطة الذی أقنع کثیرین بأنها أصبحت مملکة الأثریاء وحدهم، وأن هؤلاء خطفوا البلد ونهبوه.

لقد جنحت سفینتنا حین فرغنا الدیموقراطیة من مضمونها، وحولناها إلى هیاکل ومؤسسات منفصلة عن المشارکة والمساءلة وتداول السلطة، ولکننا حین نفصل بین الأمن القومی وأمن الناس، فإن السفینة بکل من فیها تصبح مهیأة للغرق، لذا لزم التنویه.

ـــــــ

المصدر : صحیفة الرؤیة الکویتیه 9/5/2009


| رمز الموضوع: 141244







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)