فلسطین فی زیارة البابا
عبد الستار قاسم
بابا الفاتیکان معروف قبل البابویة بتأییده لحق الیهود فی فلسطین، واعتباره للعرب طارئین على ما یسمى بأرض إسرائیل، وکان معروفا أیضا بعدائه للمسلمین على اعتبار أنهم وقعوا تحت طائلة شخص عبقری فی التضلیل وهو الرسول محمد صلى الله علیه وسلم. ولم یخف البابا هذه المسألة وتحدث علنا بطریقة استفزازیة لکل المسلمین. وربما رأى الآن ضرورة إصلاح علاقته مع العرب والمسلمین فقام بجولته الأخیرة إلى المنطقة. وعلى الرغم من أنه قدم بعض اللفتات هنا وهناک التی من الممکن اعتبارها منطلقات لعلاقات جیدة مع العرب والمسلمین، إلا أنه أبدى الکثیر من التحیز لصالح الیهود وإسرائیل. وهنا أسجل الملاحظات التالیة:
هناک ملاحظات تدخل فی رصید الزیارة ویمکن قبولها فی میزان إقامة العلاقات الطیبة منها:
أولا: تعتبر زیارته للأردن والضفة الغربیة واجتماعه مع مسؤولین فلسطینیین وأردنیین خطوة إیجابیة نحو الفهم المتبادل، والزیارات إجمالا عبارة عن آلیة جیدة لصناعة التفاهم المشترک بین الأمم والشعوب.
ثانیا: التقاء البابا مع رجال دین فی فلسطین والأردن یشکل خطوة جیدة لتبادل الأفکار الدینیة، ویوفر فرصة جیدة للمسلمین الذین اجتمعوا به لتوضیح الکثیر من القضایا الدینیة وعلى رأسها الهجوم الذی شهدته السنوات الأخیرة على شخص الرسول محمد علیه السلام.
ثالثا: زیارته للمسجد الحسینی فی عمان والمسجد الأقصى تکسر بعض الجلید، ولعلها أثرت فی نفسیته وأفکاره التی یحملها تقلیدیا عن المسلمین والإسلام. وزیارته للمسجد الأقصى تحمل معنى خاصا لأنها حصلت فی وضح النهار على الرغم من استیاء إسرائیل منها. أقر البابا بزیارته بقدسیة المکان وأهمیته بالنسبة للمسلمین، رغم معارضة الیهود الذین یقولون إن الموقع مقدس للیهود.
فی المقابل، نطق البابا بأقوال وقام بأعمال تؤکد على فشله فی إحداث التوازن، منها:
أولا: أعلن فی الأردن أن زیارته تؤکد على الروابط التاریخیة بین الیهود والمسیحیین، وأکد على وحدة العهدین القدیم والحدیث. هذا تصریح خارج عن الأصول الدبلوماسیة بخاصة أنه انطلق من دولة عربیة. کان الأولى أن یؤکد البابا على علاقات العرب والمسیحیین، أو علاقات المسلمین والمسیحیین، لا أن یخرج عن السیاق ویخاطب أناسا آخرین لیسوا جزءا من الزیارة.
ثانیا: لم یعتذر البابا عن انتقاداته التی وجهها للرسول علیه السلام على الرغم من مطالبة الکثیرین فی العالم الإسلامی بهذا الاعتذار. لقد قرر البابا أن یجعل زیارته للأطر الرسمیة التی یمکن أن تتجاوز مسألة التطاول على شخص الرسول الکریم، وترک الباب مغلقا فی وجه الحرکات الإسلامیة وجماهیر الناس المستائین من تصریحاته. وهذا ما دفع رجال الدین غیر "المسلطنین" لمقاطعته وتوجیه الانتقادات له وللفاتیکان، ولمجمل الزیارة.
ثالثا: قیام البابا بزیارة عائلة الجندی الصهیونی المأسور لدى حماس استفزت جمهور الشعب الفلسطینی الذی یعانی من أسر أکثر من 11,000 فلسطینی فی المعتقلات الصهیونیة. کان البابا منحازا بصورة غیر محترمة، وأظهر عدم احترام لآلام الشعب الفلسطینی وأحزانه.
رابعا: زار البابا الصرح التذکاری لما یعرف بالمحرقة الیهودیة، وتحدث بألم عن معاناة الیهود، لکنه لم یتحدث عن المحارق التی تعرض لها الشعب الفلسطینی، ولم یحاول زیارة غزة المنکوبة والتی یعانی أهلها أشد أنواع الحصار التی عرفها التاریخ.
خامسا: لم یأت البابا على ذکر حق اللاجئین الفلسطینیین بالعودة إلى بیوتهم وممتلکاتهم، فی الوقت الذی لا یقبل فیه الدین المسیحی تشتیت الناس ونزع ممتلکاتهم والاعتداء على بیوتهم. شدته معاناة الیهود فی أوروبا، لکن معاناة ملایین الفلسطینیین على مدى عشرات السنین لم تجد لدیه اعتبارا.
سادسا: فضل البابا أن یحسم نفسه مع الذین یصفون المقاومة الفلسطینیة بالإرهابیة عندما طلب من الناس عدم الانجرار وراء ما سماها الأعمال الإرهابیة. هو لا یعترف بحق الفلسطینیین بالمقاومة، وأضاف نفسه إلى قائمة المناهضین لحق الشعب بالحریة والتحریر.
سابعا: تحدث البابا عن وطن للفلسطینیین، وهذا غیر کاف. هناک شعوب فی الأرض لها وطن، لکن لا یوجد لها دولة. کان من المفروض أن یکون واضحا فی هذه المسألة، وألا یترک الأمر مختلطا بین فکرة الوطن وفکرة الدولة ذات السیادة الحقیقیة.
ثامنا: لم یدع البابا صراحة وبوضوح إلى رفع الحصار عن غزة فورا، واکتفى بالتعبیر عن أمله برفع الحصار وإنهاء معاناة الناس. کان من المتوقع من رجل دین على رأس الکنیسة الکاثولیکیة أن یفصل بین السیاسة والأمور الإنسانیة، وألا یتردد فی تعنیف الدول التی تستعمل آلام الناس من أجل الضغط على حرکة حماس.
تاسعا: زار البابا حائط البراق (المبکى وفق التسمیة الیهودیة)، وهو یقع ضمن أرض سیطرت علیها إسرائیل عام 1967. لو کان البابا مؤمنا بأنه لا یجوز احتلال الأرض بالقوة، وملتزما بمیثاق الأمم المتحدة لما قام بهذه الزیارة التی تعتبر اعترافا بالعدوان والاحتلال.
إجمالا، لم تقدم الزیارة حلولا للمسائل القائمة بین المسلمین والفاتیکان، ولم تشکل نقطة تحول فی موقف الفاتیکان تجاه القضیة الفلسطینیة. کان من المأمول أن یکون البابا متوازنا فی خطابه، لکنه کان منحازا إجمالا لصالح إسرائیل. هذا التحیز لیس غریبا بخاصة أن الفاتیکان لم یعط انتباها ولو لفظیا للقضایا الإنسانیة المتصلة بالقضیة الفلسطینیة وعلى رأسها عودة اللاجئین وعدم المس بممتلکات المواطنین.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS