شهداء دایتون !! (مخلص یحیى برزق)
بقلم: مخلص یحیى برزق
فی کلمته ضمن ندوة "سوریف 2009" فی معهد واشنطن قال الجنرال الأمیرکی کیث دایتون: "إن الذی حققناه –وأقول ذلک بکل تواضع- هو أننا قد "صنعنا" رجالاً جدداً..
فهو یرى أن دوره لم یقتصر على عملیة تدریب أو تأهیل وإنما إعادة صیاغة لهؤلاء الأغرار ترقى إلى وصف "الصناعة" ولذلک فهو یقول فی ذات الکلمة:
"مع عودة هؤلاء الرجال إلى فلسطین، أظهروا دافعیة وانضباط وحرفیة عالیة، وقد أحدثوا فرقاً کبیراً على الأرض، حتى ان قادة جیش الدفاع الإسرائیلی یسألوننی باستمرار "کم من هؤلاء الفلسطینیین الجدد تستطیع أن تنتج، وبأسرع وقت، لأنهم یمثلون طریق مغادرتنا للضفة".
إنه إنتاج إذن.. کما یتم إنتاج المواد الاستهلاکیة فی أی مصنع من المصانع کالأکواب البلاستیکیة التی عادة ما تداس بالأقدام بعد استخدامها.. أو حفاضات الأطفال أو أوراق المنادیل أو حتى أوراق "التوالیت"..
إنه إنتاج کأی إنتاج تنتجه مزارع تفریخ الدواجن أو تسمین العجول أو ما یسمى ببطاریات الأرانب التی تحاکی کثیراً إنتاج "دایتون"..
ذلک الإنتاج الذی یشرف علیه الجنرال الأمیرکی المعین من قبل الرئیس الأمیرکی السابق سیء الذکر والصیت جورج بوش مهمته الوحیدة القیام بالأعمال القذرة نیابة عن جیش الاحتلال الصهیونی فی الضفة الغربیة المحتلة.. فهو یخاطب أولئک "الفلسطینیین الجدد" بشکل واضح قائلاً: "إنه لم یتم إرسالکم إلى هنا لتتعلموا کیف تحاربون إسرائیل". وهل عجب أنه قال فی کلمته التی أشرت لها: "خلال العام ونصف الماضیین شن الفلسطینیون (الجدد) سلسلة من الحملات الأمنیة فی الضفة الغربیة، وبشکل منسق جیداً مع الجیش الإسرائیلی، وبجهد جدی ومتواصل لإعادة حکم القانون إلى الضفة، ولإعادة فرض سیادة السلطة الفلسطینیة، بدءاً من نابلس فجنین فالخلیل فبیت لحم، وبشکل حاز على اهتمام المؤسسة العسکریة الإسرائیلیة بسبب التفانی والانضباط والدافعیة والنتائج المتحققة".
لیس غریباً أنه قال:" قبل سنة رفض جیش الدفاع الإسرائیلی أی اقتراح بتعزیز الحامیة الأمنیة التابعة للسلطة الفلسطینیة التی کان تعداد أفرادها یبلغ 400 عنصراً من الشرطة ورجال الدرک فقط لأکبر محافظة فی الضفة. وقد کنا نرید دعمهم ببعض خریجی البرنامج التدریبی فی الأردن. أما بعد ستة أشهر فقط وبعد أن عاین الجیش الأداء المبهر لخریجی البرنامج التدریبی فی الأردن فی جنین أول المناطق التی تم نشر هذه القوات فیها، لم یوافق الجیش على نشر التعزیزات فی الخلیل فحسب، بل قاد المهمة، وقدم التسهیلات لها".
أولئک "الفلسطینیون الجدد" لا یمتون لفلسطین بأی صلة فهم إنتاج دایتونی خالص یحاکون تماماً "الروبوتات" التی یتم التحکم بها آلیاً دون أن یکون لها أی إرادة مغایرة لما یتم توجیهها إلیه.. إنها التی تولت مهمات جیش الاحتلال على أکمل وجه وقت محرقة غزة إذ قال دایتون: "قبل الغزو البری حذر العدید من "زملائی" فی الجیش الإسرائیلی بثقة من وقوع اضطرابات أمنیة هائلة فی الضفة، بل توقع البعض اندلاع انتفاضة ثالثة، وهو ما کان یرعب الإسرائیلیین.. لکن فی المحصلة لم یحدث أی من هذه التوقعات، وثبت أنها لم تکن صحیحة، فقد حدثت مظاهرات، وبعض المسیرات الصاخبة، لکن یوم الغضب الموعود الذی طالبت به حماس مراراً لم یقع أبداً. وقد تحقق هذا الأمر لسببین: الأول أن مهنیة وکفاءة قوات الأمن الفلسطینیة الجدیدة (وصف حرفی له) ضمنت التعامل بشکل محسوب ومنظم فی الاضطرابات الشعبیة.. کما أنه وخلافاً للماضی فإن الرئیس الفلسطینی ورئیس وزرائه باتت لدیهم الأدوات المناسبة للمهمة المطلوبة، وهو ما ولَّد لدى جیش الدفاع الإسرائیلی الشعور بوجود الفلسطینیین (الجدد) وأنه بإمکانهم الوثوق بهم. بل فی الحقیقة إن نسبة کبیرة من الجنود الإسرائیلیین الذین توجهوا إلى غزة انتقلوا من مواقعهم فی الضفة، وقد کان القائد الإسرائیلی فی الضفة غائباً عن عمله هناک لثمانیة أسابیع متواصلة..
ویزید متفاخراً بفلسطینییه الجدد: "کان یحدث وبشکل اعتیادی أن یتصل القائد الفلسطینی بنظیره الإسرائیلی فی المنطقة لیقول له: (لدینا مظاهرة تتحرک من النقطة أ إلى النقطة ب، وستکون قریبة جداً من حاجز بیت إیل، وسنکون ممتنین لکم إذا ما أخلیتم الحاجز لمدة ساعتین حتى تمر المظاهرة وتعود، ومن ثم یمکنکم العودة)، وقد کان ذلک بالفعل ما فعلوه.. مذهل!!".
إنها الحقائق عاریة لا یمکن أن یغطیها أی غربال قد تسعى وسائل إعلام عباس وفیاض تغطیة الحقائق من خلاله فکلهم ضالع فی جریمة لا مثیل لها.. لا تقف فقط عند قتل المجاهدین واعتقالهم وتعذیبهم وملاحقتهم بل إنه فی حقیقة الأمر تثبیت لأرکان الاحتلال الیهودی البغیض لأرضنا المبارکة وإطالة لعمره ما یمکن توصیفه بأنه خیانة کبرى لله ورسوله وللمؤمنین.. وبالتأکید لفلسطین والعرب والمسلمین..
ترى هل هی مجرد مصادفة أن تتزامن ملاحقة القائد القسامی محمد السمان ومعاونه القائد محمد یاسین ومحاصرتهما وتصفیتهما بدم بارد بآلاف الرصاصات من قبل أجهزة عباس المصنعة والمنتجة دایتونیاً مع ما صرح به عباس فی أمریکا بأنه متشبث ومتمسک وملتزم بکل تفاصیل خطة الطریق الأمنیة..
هل هی صدفة أن تتزامن تلک الجریمة مع بدء الکیان الصهیونی أکبر مناورات عسکریة فی تاریخه..
هل هی صدفة أن تتزامن تلک الجریمة البشعة مع اغتیال القائد القسامی فی الخلیل عبد المجید دودین إثر ملاحقة مشترکة بین "الفلسطینیین الجدد" وجیش الاحتلال لذلک القائد البطل الذی أعیا أجهزة الشاباک والشین بیت ومخابرات العدو سنوات طویلة..
إنها شهادة حسن سیر وسلوک یقدمها عباس بین یدی الرئیس الأمیرکی باراک أوباما وهو یطل إطلالته الأولى على المنطقة خلال الأسبوع الجاری.. شهادة یؤکد فیها أن مجیء نتنیاهو ولیبرمان لم یغیرا من جاهزیته التامة للتنازل والتفریط بحقوق الشعب الفلسطینی وعلى رأسها حق العودة ومقاومة المحتل.. وأنه مازال الرجل الذی یمکنهم الاعتماد علیه فی شق الصف الفلسطینی وتفریخ أرانب دایتون القذرة..
إنها رسالة شکر وامتنان لرجل البیت الأبیض على تجاوزه للأعراف والقوانین الدولیة وارتکابه محظوراً قانونیاً بقبوله استقبال رئیس فاقد للشرعیة والتعاطی مع أکذوبة أنه ممثل للشعب الفلسطینی..
حقیقة الأمر أنه بات الوکیل الحصری لرغبات المحتل الصهیونی من خلال توفیره کل ما یطلبه الجنرال دایتون.. ولیس أصدق قولاً فی ذلک من صاحب الشأن نفسه (دایتون) الذی أفصح فی کلمته السابقة عن ذلک بقوله: "الطریق أمامنا طویل ولکن یکفی أن أحد کبار القادة فی قوات الدفاع الإسرائیلیة والمعروف بالشدة والواقعیة، وکان من أشد منتقدی فریق التنسیق الأمنی غیَّر رایه الیوم حیث قال فی تصریحات صحفیة : (فریق التنسیق الأمنی الأمریکی یقوم بعمل عظیم، ومع عمل فلسطینیین أکثر، فإن الإسرائیلیین سیعملون أقل).. وهو مهتم بتحویل هذه الکلمات إلى واقع حقیقی على الأرض". ویزید قائلاً: "أتذکر اجتماعاً فی فبرایر الماضی مع احد ضباط الجیش الإسرائیلی الأشداء الذی یتحمل مسؤولیات عظیمة وبشکل مباشر عن أمن "إسرائیل"، وکنا نتناقش عما یحدث فی الضفة فی ینایر 2009 وآفاق المستقبل، وقد قال لی مبتسماً: (التغییر الذی حدث مع الرجال الفلسطینیین الجدد خلال العام الماضی معجز، أنا مع الجیل الذی نشأ مع الانتفاضات، والیوم لدی أمل ألا ینشأ أبنائی فی الظروف نفسها).
بقی أن نقول لأمهات أولئک الفلسطینیین الجدد وآبائهم بکل وضوح وصراحة أنهم بصمتهم عن الدور الذی یقوم به أبناؤهم یکونون قد غامروا بهم مغامرة خطیرة جداً یستجلبون معها غضب الله تعالى وسخطه.. یزداد ویتعاظم مع کل عملیة اعتقال وتعذیب للمجاهدین ویتخلد لعنة أبدیة فی الدنیا والآخرة مع ارتقاء شهداء برصاصهم الآثم..
ومع ارتقاء الشهیدین المحمدین المحمودین فی قلقیلیة نقولها واضحة صریحة أیضاً.. لا عزاء أبداً لعوائل القتلة الذین قادهم المجرم ذیاب العلی وعدنان الضمیری ومن فوقهم فیاض وعباس.. فکلهم ضالع بدماء الشهداء..
لا عزاء لمن ضاعت أرواح أبنائهم سدى لأجل عیون دایتون وفقدوا حیاتهم فی مواجهة أطهر وأزکى وأشرف الناس ممن حملوا أرواحهم على أکفهم فی سبیل الله دفاعاً عن أرض الإسراء والمعراج..
تعساً لکل أم فرطت بولیدها عندما لم تثنه عن الالتحاق بعصابات دایتون الإجرامیة..
تعساً لکل أب تقاعس عن إبعاد ابنه عن أوکار العمالة والخیانة التی یرعاها عباس وفیاض..
سیقول لکم الذین فی قلوبهم مرض أنهم شهداء.. وستطنطن لهم فضائیة عباس وفیاض طویلاً.. وسیذرف تماسیح سلطة رام الله الدموع غزیرة علیهم.. وسینتحب علیهم أبوهم وصانعهم ومنتجهم دایتون.. فخذوا منهم العوض واسألوا دایتون أن یدخلهم جنته وأن یقیهم –إن استطاع- ناراً تلظى أعدها الله لمن حارب الله ورسوله والمؤمنین وخان شعبه وأمته وباع فلسطین الحبیبة المبارکة بدولارات معدودات..
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS