الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الانقسام الفلسطینی وإمکانیة إنهائه

رشید شاهین
 
لا یخفى على أحد بأن الوضع فی الساحة الفلسطینیة قد وصل إلى مرحلة من البؤس والتعقید والتأزم لم یصل إلیها على ما نعتقد خلال سنوات عمر القضیة، وان هذه المرحلة یمکن النظر إلیها على انها من أکثر المراحل سوادا وسوءا وتعقیدا وانحطاطا، بحیث صار موضوع الانقسام الفلسطینی مدعاة إلى شعور بالإحباط وخیبة الأمل لدى الشارع الفلسطینی فی کافة أماکن تواجده، خاصة مع تزاید وتیرة "المزایدة" وعدم التعامل مع هذا الوضع الحساس بجدیة أو بنوایا حقیقیة تعکس شعورا لدى المسؤولین عن هذا الوضع بالإحساس بالمسؤولیة عما اقترفت أیدیهم.
 
لقد أنتجت عملیة الانقسام فی الساحة الفلسطینیة من المواقف والقضایا التی لم یکن لها أن تظهر لولا عملیة الانقسام، وقد تبدى ذلک فی أسوأ صوره ومظاهره خلال الحرب الهمجیة والفاشیة التی شنتها دولة العدوان الإسرائیلی على أبناء الشعب الفلسطینی فی قطاع غزة، وقد زادت تلک الحرب من الهوة بین شطری الوطن وبین أبناء القطاع الذین ساد لدى الکثیرین منهم شعور بالإحباط وبأن "إخوانهم" فی الضفة الغربیة قد تخلوا عنهم أو على الأقل لم یقوموا بالحد الأدنى المطلوب منهم فی المساندة والدعم والتصدی لقوات الاحتلال فی الضفة الغربیة.
 
برغم کل ما یقال عن اتصالات وحوارات ولقاءات جرت ولا زالت تجری بین الفصائل الفلسطینیة وبشکل خاص بین طرفی الصراع فی الساحة، إلا أن من الواضح أن الهوة بین الفریقین لا زالت عمیقة، وان إمکانیة جسرها لا زالت بعیدة، ولا زالت المناکفات والاتهامات والاتهامات المضادة بین الطرفین على أشدها، برغم کل ما یقال عن إمکانیة الوصول إلى اتفاق بین الأطراف خلال الأسبوع الأول من تموز یولیو المقبل برعایة مصریة وربما عربیة.
 
لقد بات واضحا بان إمکانیة الوصول إلى اتفاق – وسط- یرضی الجمیع، وبشکل خاص طرفی المعادلة – فتح وحماس- والتوصل إلى خطوط رئیسیة حول الکیفیة التی لا بد من اتباعها مستقبلا فی التعامل مع القضایا الخلافیة، أو خطط على الأقل تکتیکیة ولیست استراتیجیة بشان مستقبل – النظام السیاسی الفلسطینی- أو التفاهم حول برنامج سیاسی للکیفیة التی یتم التعامل بها مع العالم، خاصة على اثر التغییرات التی جرت سواء فی دولة الاحتلال أو فی الولایات المتحدة الأمریکیة الحلیف الاستراتیجی الأهم لإسرائیل غیر ممکنة أو صعبة المنال فی ظل کل هذا الذی یجری على ارض الواقع.
 
واقع الحال یقول بان طرفی المعادلة مستمران فی عملیة – الضحک على الذات- والتعامل مع موضوع السلطة على انها سلطة حقیقیة تمارس کامل صلاحیاتها بدون أدنى تدخل من دولة الاحتلال وسلطتها التی تتحکم فی کل صغیرة وکبیرة فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، علما بان هذه السلطة- الاحتلال- تمعن فی کل الممارسات العدوانیة، من الضم والاستیطان ومصادرة الأراضی وتهوید القدس والاغتیالات والمطاردة والتعسف، فی محاولة منها لتذکیر هؤلاء بان لا سلطة تعلو فوق سلطة الاحتلال، وان القرارات فی النهایة هی فی الید الإسرائیلیة، وان دور السلطة الفلسطینیة لا یتعدى فی اغلبه القیام بمهمات "خدمیة" کانت تقوم بها سلطات الاحتلال قبل دخول السلطة الفلسطینیة إلى الأراضی المحتلة.
فی ظل هذا الواقع فان التعامل مع السلطة على انها نظام سیاسی مماثل للأنظمة السیاسیة القائمة فی الدول المجاورة لیس صحیحا ولا منطقیا، وان الاستمرار فی النظر إلیه على انه کذلک هو فی الحقیقة لیس سوى – تماد- فی تزویر الواقع. وبالتالی فانه لا بد من الإقرار من الجمیع بان ما هو قائم على الأرض لیس سوى سلطة شکلیة تتمتع بصلاحیات محدودة قد لا تصل أو لا تزید صلاحیاتها فی أفضل الأحوال عن أی منطقة تتمتع بالحکم الذاتی لان من غیر الممکن الحدیث عن صلاحیات حقیقیة أو سیادة فعلیة بینما یخضع کل شیء للاحتلال برغم أننا یمکن أن نتفهم الطموحات الموجودة أو التی کانت وراء إنشاء السلطة الفلسطینیة إلا أن الطموحات وما تصبوا إلیه النفس شیء والواقع یبقى شیء آخر مختلف تماما.
 
لقد جرت حالة الانقسام التی جرت بعد استیلاء حرکة حماس بالقوة على قطاع غزة وتفردها بالسلطة هناک إلى خلق واقع صار اقرب إلى الکیان المستقل منه إلى أی شیء آخر - ومن هنا أتى الحدیث الإسرائیلی حول وجود دولة فلسطینیة فی القطاع فی أکثر من مناسبة – وقد اثبت هذا الانفراد الحمساوی بحکم أو إدارة القطاع بان الصراع بین حماس وفتح کان فی اغلبه صراع على السلطة وان ما یقال وما یرفع من شعارات لیس بالضرورة هو الصحیح کما ان الحدیث الذی ساد خلال الفترة الماضیة عن ممارسات السلطة هناک ومن ثم الحدیث عن لا شرعیة الرئیس عباس بحکم انتهاء ولایته لم یکن جدیا بقدر ما کان الأمر یتعلق بالمساومة من اجل تحقیق أفضل الشروط وفی بعض الأحیان ان لم یکن فی کثیرها کان أبناء الشعب الفلسطینی یدفعون ثمن هذه المساومات خاصة وانه ثبت خلال الفترة الماضیة ما کنا قد اشرنا إلیه فی أکثر من مقال من ان حرکة حماس تمارس لعبة المماطلة من اجل کسب المزید من الاعتراف العربی والدولی بها کقوة على الأرض لا یمکن تجاهلها، وأخشى ما نخشاه ان یتم إتباع هذه السیاسة فی الفترة المقبلة، وهذا ما سوف یؤدی إلى تأخیر غیر مبرر لعملیة المصالحة وإنهاء الانقسام.
 
إذا ما استمر الحال على ما هو علیه فان مزیدا من التراجع سوف یسببه هذا الانقسام، وان لا مجال للتقدم إلى الأمام، وعلیه فإننا نعتقد بان لا إمکانیة للخلاص من هذا الواقع إلا بالوصول إلى حل وسط یضع حد لحالة الانقسام من اجل مواجهة العالم بشکل موحد، وهذا بتقدیرنا لن یتحقق إلا من خلال التوجه إلى جلسات الحوار بقلوب وعقول مفتوحة وشعور بالمسؤولیة عال وبالتسامی عن موضوعة الفصائلیة والمصالح الضیقة والاتفاق على تشکیل حکومة وحدة وطنیة بغض النظر عن تسمیاتها تتألف من شخصیات مستقلة ومقبولة وطنیا ومشهود لها بالنظافة والانتماء والوطنیة وتقوم هذه الحکومة بالتحضیر للانتخابات المقبلة وتشرف على عملیة إعمار ما خلفه العدوان حیث انه أصبح من المعیب ان تستمر معاناة من شردتهم الحرب الهمجیة بسبب الانقسام.


| رمز الموضوع: 141263







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)