الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

فیاض...........الدولة إذ تعنی الحکم الذاتی

صالح النعامی

من البلیة ما یضحک، رئیس حکومة رام الله سلام فیاض أعلن أنه تجری حالیاً الإستعدادات لإعلان الدولة الفلسطینیة فی غضون عامین، مؤکداً أنه یعکف حالیاً على بناء مؤسسات هذه الدولة التی ستعمل على " بناء اقتصاد مستقل، من خلال ترجمة الرؤى الواردة فی وثیقة الإستقلال الفلسطینی الى سیاسات وبرامج وخطط عملیة ". ولکی یضفی مسحة تحدی على مشروعه الوهمی، زعم فیاض أن إقامة الدولة ستکون بمثابة " اختبار جدارة " للفلسطینیین یثبتوا من خلاله قدرتهم على الحکم وبناء المؤسسات، على أساس ان النجاح فی هذا الامتحان سیحدث الاختراق فی الوعی الدولی والوعی الإسرائیلی. ویحتار المرء فی توصیف إعلان فیاض الذی یأتی فی ظل تراکم المؤشرات التی تدلل على أن إسرائیل لم تکن یوماً أبعد من الاستعداد للوفاء بمتطلبات التوصل لتسویة عادلة للصراع کما علیه هی حالیاً. فرئیس الوزراء الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو یؤکد لاءات إسرائیل الشهیرة المتمثلة فی رفض حق العودة للاجئین ورفض الإنسحاب إلى حدود العام 1967، والإصرار على اعتبار القدس " الموحدة " عاصمة إسرائیل الأبدیة،  علاوة على أنه لا یفوت فرصة دون التشدید على أنه من حق تل أبیب فی أی تسویة سیاسیة مستقبلیة الاحتفاظ بالتجمعات الإستیطانیة ومنطقة غور الأردن والمناطق التی تقع غرب جدار الفصل العنصری وقمم الجبال، والمناطق التی تشمل احتیاطی المیاه العذبة، أی أن إسرائیل لن تمنح الفلسطینیین فی أی تسویة أکثر من 45% من مساحة الضفة الغربیة. وإلى جانب ذلک فإن إسرائیل مدعومة بالولایات المتحدة تصر على أن یکون أی کیان فلسطینی یقام فی الضفة الغربیة عدیم السیادة، بمعنى أن هذا الکیان سیکون منزوع السلاح وغیر قادر على إقامة علاقات خارجیة مع الدول المجاورة، فضلاً عن حرمان هذا الکیان من السیطرة على حدوده. أن ما یخشى فیاض الإقرار به هو حقیقة أن طرح خطة اعلان الدولة هو فی الحقیقة نتاج تنسیق مسبق مع الإدارة الأمریکیة وإسرائیل، لأن تأکیده على أن الدولة ستنجز فی غضون عامین یتطابق مع تصریحات الرئیس باراک أوباما الذی تعهد بالتوصل لتسویة سیاسیة للصراع بین إسرائیل والفلسطینیین فی غضون عامین.ویبدو رهان فیاض على الدور الأمریکی فی دعم مخططاته مثیر للشفقة، فعلى الرغم من مرور ستة أشهر على محاولة الإدارة الأمریکیة ثنی إسرائیل عن مواصلة البناء فی المستوطنات الیهودیة، فإن أکثر ما أنجزته إدارة أوباما لا یتعدى اتفاق وشیک على وقف مؤقت للبناء فی المستوطنات فی الضفة الغربیة لمدة ثلاثة أشهر، یستثنى منه الوحدات السکنیة التی فی طور البناء والتی یصل عددها 2500 وحدة سکنیة، والمؤسسات العامة، فی حین سلمت إدارة أوباما بحق إسرائیل بمواصلة البناء فی القدس بحریة مطلقة، على أن یتم مقایضة الوقف المؤقت للبناء فی المستوطنات باستعداد الدول العربیة تطبیع علاقاتها مع إسرائیل وبأن تقود واشنطن تحرک دولی فی مجلس الأمن یهدف إلى إقناع دول العالم بفرض عقوبات رادعة على إیران لوقف برنامجها النووی. بکلمات أخرى إذا عرفنا إن إسرائیل ستنجز خلال فترة الوقف المؤقت للبناء إقامة 2500 وحدة سکنیة تسمح بإستیعاب 18 ألف مستوطن جدید على الأقل وفی غضون ثلاثة أشهر، فإن السؤال الذی یطرح نفسه هنا: کم سیکون عدد المستوطنین الذین سیتوجهون للإستقرار فی الضفة الغربیة بعد عامین، وهو الموعد الذی یحدده فیاض لإعلان الدولة الفلسطینیة. یدرک فیاض أن الفلسطینیین لا یثقون به عندما یقدم فکرة الدولة على أنها تمثل تحدیاً لإسرائیل. وکما قال فیاض نفسه فإن هذه الدولة ستکون ملتزمة بما جاء فی خطة " خارطة الطریق "، التی تشدد على أن الإلتزام الفلسطینی الأول یتمثل فی مواصلة التنسیق الأمنی مع إسرائیل وضرب حرکات المقاومة الفلسطینیة. وعلى الرغم من أن فیاض یحاول تضلیل الفلسطینیین من خلال عدم إفصاحه عن طابع الدولة التی یتحدث عنها، إلا أن کل الدلائل تؤکد أن هذه الدولة ستکون الدولة فی حدود مؤقتة، وهو الإقتراح التی سبق أن أدعى رئیس السلطة محمود عباس رفضه، مع أن الکثیر من النخب السیاسیة فی إسرائیل وضمنها نخب تنتمی لحزب اللیکودی الیمینی الحاکم تؤید إقامة مثل هذه الدولة، على اعتبار أنها ترى فی هذه الدولة مصلحة استراتیجیة لإسرائیل. للأسف الشدید أن مشروع فیاض یمثل إحدى الصیغ الهادفة لتصفیة القضیة الوطنیة الفلسطینیة، من خلال تقدیم بدیل عن تحریر الأرض بإیجاد صیغ تعید الاعتبار لمشروع الحکم الذاتی الذی سبق أن رفضه الفلسطینیون، وممارسة التضلیل من خلال تقدیم شارات وشعارات الدولة. أن مشروع فیاض یأتی ضمن تحرک دولی وإقلیمی لتصفیة القضیة الفلسطسینیة، و یهدف لإعادة ترتیب الأولویات الوطنیة الفلسطینیة، واعتبار أن معالجة الأوضاع المعیشیة للفلسطینیین هدفاً یتقدم على التحریر. وحتى إذا افترضنا حسن النیة بمخطط فیاض، فإن هذا المخطط ینطوی على خلل بنیوی یکمن فی محاولة الشروع فی مهمة إقامة الدولة  وهی من مهام ما بعد الصراع، بینما الصراع لا یزال فی ذروته، الأمر الذی یعفی الاحتلال من مسؤولیاته ویحمل الفلسطینیین المسؤولیة مرتین: الأولى عن الفشل الذی جناه الفلسطینیون من وراء المفاوضات العبثیة فی السابق والثانیة عن الفشل القادم فی بناء دولة تحت الاحتلال.


| رمز الموضوع: 141275







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)