الأخلاق الرفیعة للسلطة الفلسطینیة
عبد الستار قاسم
وجه کثیرون انتقادات حادة للسلطة الفلسطینیة بسبب موافقتها على أو طلبها تأجیل التصویت على تقریر جولدستون بشأن المذابح التی ارتکبها الجیش الصهیونی فی غزة إبان حرب الکوانین، وضج العدید من جمعیات حقوق الإنسان والمدافعین عن حقوق الإنسان بخاصة أن جهودهم المضنیة فی جمع المعلومات من أجل إدانة إسرائیل ومحاسبتها على جرائمها ضد الإنسانیة قد أصبحت مهددة من قبل فلسطینیین.
ما رأیکم بجهة تحرض جهة على شن حرب، ثم تقوم الجهة المحرضة بعد ذلک بنفض یدها وتتخلى عن تلک التی شنت الحرب؟ لإسرائیل مصلحة بشن الحرب على غزة، وهی دائما ترى من مصلحتها استمرار الاعتداء والعدوان على شعب فلسطین والشعوب العربیة، لکنها فی حرب الکوانین، کما فی حرب تموز/2006 وجدت دولا وجهات عدیدة تحرضها وتشجعها من أجل تصفیة المقاومة الفلسطینیة فی غزة وفی لبنان. هناک دول عربیة شجعت إسرائیل على العدوان فی تموز، وطالبتها بمواصلة العدوان من أجل القضاء على حزب الله بغض النظر عن الخسائر التی یتکبدها الشعب اللبنانی، وهی ذات الدول العربیة التی حرضت على غزة، وطالبت إسرائیل بالقضاء على المقاومة الفلسطینیة سواء کانت حمساویة أو غیر حمساویة. وهناک دول غربیة على رأسها الولایات المتحدة دفعت إسرائیل إلى العدوان وشجعتها ودعمتها. وعلى الصعید الفلسطینی، هناک من دعم العدوان، وهناک فی رام الله من حزم حقائبه فی الیوم الثانی للحرب قاصدا غزة بعد "تحریرها" من قبل الجیش الإسرائیلی. وقد صرح قادة إسرائیلیون بأن السلطة الفلسطینیة قد طلبت من إسرائیل مواصلة الحرب على غزة حتى تغییر الوضع السیاسی القائم.
إسرائیل خاضت الحرب بالنیابة عن أطراف فلسطینیة وعربیة وغربیة، ومن غیر المتوقع أن تقف هذه الأطراف مع تقریر جولدستون وتطالب بمواصلة الإجراءات القانونیة اللازمة. ولهذا هبت حکومات عربیة وإسلامیة لتلبیة المطلب الإسرائیلی والأمریکی بضرورة تأجیل البت بالتقریر بهدف إماتته. هذا عمل منطقی لأن من یحرض إسرائیل ویشجعها لا یقف ضدها عندما تقع فی مأزق. وهذا یدلل على المستوى الأخلاقی الرفیع الذی وصلت إلیه أنظمة عربیة وإسلامیة وفلسطینیون. إنهم لا یغدرون أصدقاءهم وحلفاءهم، وهم لیسوا على استعداد للتنکر لإسرائیل وخذلانها فی وقت هی فیه بحاجة للنصرة.
ثم من الأخلاق ألا یتفل المرء فی الصحن الذی یلعق منه. تقدم الدول المانحة الکثیر من الأموال للسلطة الفلسطینیة لتنفق وفق المعاییر الأمریکیة والإسرائیلیة، وتحصل السلطة على الکثیر من السیارات الحدیثة والسفریات الممتعة، فهل نطالبها بالقفز عن کل هذه النعم وتجاهلها؟ المرء عبد لمن یقدم له رغیف الخبز، أو على الأقل، لا یتمرد علیه. وبذلک یکون الطلب من السلطة للوقوف مع الشعب الفلسطینی بمثابة تشجیع لها على نکران الجمیل والتنکر لکل ما قدمته الدول الغربیة من حسنات مثل الرواتب وتطویر الأجهزة الأمنیة.
لا أشک بأن أمریکا أمرت السلطة الفلسطینیة بسحب طلبها بالتصویت على تقریر جولدستون، ومن المحتمل أنها هددت بقطع الأموال عنها، وتجرید العدید من القیادات من مواقعهم القیادیة. ولا أشک بان إسرائیل هددت بنشر التسجیلات المتوفرة بشأن تعاون فلسطینیین معها لشن العدوان على غزة ومواصلته.
أما محاولة أمریکا والسلطة الفلسطینیة تقدیم تبریرات لعملیة التأجیل ومنها الحرص على ما یسمى بعملیة السلام، فهذه زخرفة متوقعة، ونحن اعتدنا على سیاسة تزیین کل الأعمال المخزیة.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS