الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل أولاً!

 

 

تسلمت وکالة قدسنا التحلیل التالی من السید  صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن فیمایلی نصه :  

 

فی منطقةٍ عربیة یزداد فیها استخدام شعار: "الوطن أولاً"، یترسّخ واقع خدمة مصالح "إسرائیل أولاً". إذ کیف یمکن تفسیر قرار السلطة الفلسطینیة بدعوة مؤتمر جنیف لتأجیل البحث فی تقریر المحقّق الدولی غولدستون حول جرائم الحرب التی ارتکبتها إسرائیل فی حربها الأخیرة على غزّة؟!

بل کیف یمکن قبول العذر الذی أعطاه ممثلو بعض الدول العربیة والإسلامیة بأنّهم تجاوبوا فی جنیف مع ما طلبه الجانب الفلسطینی فی طلب تأجیل البحث بالتقریر، فجاء العذر "العربی والإسلامی" أقبح من الذنب "الفلسطینی".

ألیس واقع خدمة المصالح الإسرائیلیة هو السائد الآن فی عموم أزمات المنطقة وحروبها الأهلیة الداخلیة؟!

ألیس أساس المشکلة على الصعید الفلسطینی هو إخراج الصراع العربی/الإسرائیلی من دائرته العربیة الشاملة وجعله الآن قضیة "مسار فلسطینی/إسرائیلی" متعثّر ویحتاج إلى "تنشیط"؟!

ثمّ متى کانت القدس قضیّةً خاصّةً فقط بالفریق الفلسطینی المفاوض بینما هی مدینة مقدّسة معنیٌّ بها وبمستقبلها، فی ظلّ محاولات تهویدها لأکثر من أربعین عاماً، عموم المسلمین والمسیحیین فی العالم؟!

ربّما تکمن المشکلة فی کیفیّة فهم وتطبیق شعار "الوطن أولاً" حیث کانت بدایة التعامل مع هذا الشعار حینما قام الرئیس المصری السابق أنور السادات بتوقیع المعاهدة المصریة/الإسرائیلیة رافعاً شعار: "مصر أولاً"، ومتراجعاً عمّا کانت علیه مصر من موقف مبدئی بعد حرب العام 1967 بأنّ "القدس قبل سیناء والجولان قبل سیناء والضفّة وغزّة قبل سیناء" .. فهکذا کان موقف جمال عبد الناصر الذی رفض الإغراءات الأمیرکیة والإسرائیلیة باسترجاع سیناء مقابل تخلّی مصر عن دورها والتزاماتها فی الصراع العربی/الإسرائیلی.

ثمّ تکرَّس هذا النهج الانفرادی فی التسویات مع إسرائیل من خلال توقیع اتفاقیة أوسلو بین إسرائیل ومنظمة "التحریر" الفلسطینیة، حیث أثبتت الأعوام الماضیة أنّ ما کان "أولاً" لیس هو "الوطن الفلسطینی" بل قیادة منظمة "التحریر" الفلسطینیة التی تحوّلت إلى قیادة لسلطة فلسطینیة على الشعب الفلسطینی المقیم فقط بالضفة العربیة المحتلّة، أی "سلطة" على "شعب" ولیس على "أرض"، فالأرض ما زالت تحت الاحتلال الإسرائیلی الغاشم. فأین هو "الوطن أولاً"؟ أین هو الوطن الفلسطینی بعد 16 عاماً من اتفاق أوسلو؟ أین هو فی الحدّ الأدنى تمثیل کل الشعب الفلسطینی الموزَّع الآن بین "ضفّة وقطاع"، وبین "فلسطینیّی الداخل والخارج"، وبین "لاجئین ومهاجرین فی الشتات"، وبین ضحایا "النکبة والنکسة"!!

وکم کانت صفاقة مضحکة أن یدعو نتنیاهو محمود عباس للأخذ بأحد مثالین: أنور السادات أو یاسر عرفات، علماً أنّ کلیهما وقّعا اتفاقیات مع إسرائیل، وکلاهما مات مقتولاً!! والأشرف طبعاً لأی مسؤول عربی أن یُقتَل على أیدی إسرائیل ولیس بأیدی شعبه!

أمّا على الصعید العربی العام، فإنّ شعار "الوطن أولاً" لم یکن من أجل تحریض المواطنین على الولاء الوطنی أولاً والتخلّی عن الانقسامات الداخلیة القائم معظمها على انتماءات طائفیة أو مذهبیة أو أصول إثنیة، بل کان الشعار وما زال یتمّ طرحه واستخدامه لتبریر الابتعاد عن الصراع العربی/الإسرائیلی والتخلّص من الواجب الدینی والقومی فی المساهمة بتحریر الأراضی المقدسة فی فلسطین. أیضاً، جرى استخدام هذا الشعار (الوطن أولاً) فی مواجهة دول عربیة أخرى ولیس طبعاً فی مواجهة إسرائیل وأطماعها فی الأرض والثروات العربیة.

ولعلّ رؤیة ما حدث فی السنوات الأخیرة، وما زال یحدث، من إشعال لمناخات انقسامیة داخلیة فی العدید من البلدان العربیة، لَتأکیدٌ بأنّ ما تحقّق "أولاً" هو خدمة المشاریع الإسرائیلیة فی تفتیت المنطقة العربیة وأوطانها إلى دویلات طائفیة ومذهبیة متصارعة تکون فیها "الدولة الیهودیة" هی الأقوى وهی المهیمنة على باقی الدویلات.

فالهدف هو تکریس إسرائیل "وطناً للیهود" بشکلٍ موازٍ مع تدمیر وانهیار "الأوطان" الأخرى فی المنطقة.

أمّا "الوطن الفلسطینی"، فممرّه من خلال القبول ب"الاستیطان" و"التوطین" معاً. أی وطن فلسطینی ممزّق أرضاً وشعباً.

ولا أعلم من بدأ باستخدام هذه الکلمات المتصلة بأصولها اللغویة (وطن – توطین – استیطان) لکنّها الآن مطلوبة معاً فی مطبخ التسویات السیاسیة للقضیة الفلسطینیة.

مصالح "إسرائیل أولاً" لیست سائدة بالمنطقة العربیة فقط، بل الأمر هو کذلک فی الغرب عموماً وأمیرکا خصوصاً. فکثیرٌ من سیاسات واشنطن وحروبها الأخیرة کانت من أجل "مصالح إسرائیلیة" لا "مصالح أمیرکیة"، وحینما تحاول أی إدارة أمیرکیة تحقیق مصالح "أمیرکا أولاً"، تضغط القوى الصهیونیة داخل أمیرکا فیتمّ "تصحیح" الأولویات والقرارات، تماماً کما یحدث حتى الآن مع إدارة الرئیس أوباما الذی یحاول تنفیذ ما جاء فی توصیات بیکر/هاملتون (نوفمبر 2006) بشأن الشرق الأوسط وأزماته، لکنّه (أی أوباما) یضطرّ للتراجع أمام الضغوط الإسرائیلیة، کما جرى مؤخّراً فی التراجع عن شرط تجمید المستوطنات قبل استئناف المفاوضات، وکما حصل أیضاً فی الرضوخ للتهدیدات الإسرائیلیة حول تقریر غولدستون.

فالتحرّک الأمیرکی یتواصل لإعادة التفاوض بین الفلسطینیین والإسرائیلیین، تحت حجّة السعی الأمیرکی لإعلان دولة فلسطینیة، وهو سعی نحو المجهول إذ لا یوجد موقف أمیرکی واضح من حدود هذه الدولة المنشودة أو عاصمتها أو طبیعة سکانها (مصیر المستوطنات) أو مدى استقلالیتها وسیادتها!. فالمبادرة العربیة التی أقرّتها قمّة بیروت، وکذلک هو الموقف الفلسطینی، یطالبان بدولة فلسطینیة على کامل الاراضی الفلسطینیة المحتلة عام 1967 وبأن تکون القدس عاصمتها، وبحلٍّ عادل لقضیة الاجئیین، فأین هو الموقف الأمیرکی من ذلک؟!.

ممنوعٌ على منظمات الأمم المتحدة حتى حقّ الإدانة اللفظیة لمجازر إسرائیل فی غزة، فکیف بالتحقیق الدولی بهذه المجازر؟

أیّ منطقٍ هذا الذی یعطی لواشنطن ولمجلس الأمن حقّ إقرار محکمة دولیة عقب جریمة اغتیال الحریری فی لبنان، ولا یعطی هذا المنطق نفسه الحقَّ بتشکیل لجنة تحقیق دولیة فی جرائم إسرائیل؟

أیّ حکومات فی المنطقة أو العالم ترضى لنفسها أن تکون ظلاً صغیراً للسیاسة الإسرائیلیة، تفعل ما تریده تل أبیب لا ما تفرضه مصالح دولها وأوطانها؟

وستبقى "إسرائیل أولاً" طالما أنّ الواقع الفلسطینی تحدیداً والعربی عموماً هو على حاله من التشرذم وانعدام وحدة الموقف، ومن الفوضى فی العلاقات والبرامج والمؤسسات، ومن أولویة مصالح الحاکم على الأوطان.

فالفوضى فی الحقّ لا یمکن لها أن تغلب الباطل المنظّم.

وستبقى الأوطان العربیة تعانی من صراعاتها الداخلیة ومخاطر تفتّتها طالما هناک ضعف فی مفهوم وفی تطبیق معنى "المواطنة". فحینما یکون فعلاً: "المواطن أولاً"، یمکن أن یتحقّق شعار: "الوطن أولاً"!!

 

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141279







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)