الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

المصیر الفلسطینی تحت التهدید

 

 کتب الکاتب الفلسطینی طلال عوکل فی مقال استلمته وکالة قدسنا :

 

فیما تواصل إسرائیل رفع سقف تحدیاتها على أکثر من صعید وجبهة ضد الفلسطینیین والعرب، وحتى المجتمع الدولی، یتدهور فی المقابل الوضع الفلسطینی، والتشتت العربی والإقلیمی على نحو یصادر الحد الأدنى المتبقی من أحلام الناس.

أما عناوین السلوک السیاسی والعملی لحکومة نتانیاهو، فإنها تتسم بالوقاحة والتطرف والبعد التغیری على الأرض، بما یعقد یوماً بعد الآخر إمکانیة التوصل إلى اتفاق سلام یلبی بالحد الأدنى الحقوق الفلسطینیة والعربیة.

قبل أسابیع قلیلة کان نائب رئیس الحکومة الإسرائیلی سلفان شالوم، قد أعلن عن بدء معرکة الاستیلاء على القدس التی تتعرض منذ بعض الوقت إلى أشکال متنوعة من الإجراءات التی تستهدف التآمر على المسجد الأقصى، بعد أن حققت إسرائیل تقدماً کبیراً فی مجال تهوید المدینة وتغییر معالمها، وعزلها عن الضفة الغربیة وتنغیص حیاة سکانها الفلسطینیون لإرغامهم على مغادرتها.

وإلى جانب ذلک تتواصل سیاسات الاستیطان، والإعلان عن المزید من قرارات وإجراءات البناء الاستیطانی، فی تحدٍ صارخٍ للإدارة الدولیة الجامعة التی لا تزال ترى، ضرورة وقف کل النشاطات الاستیطانیة بما فی ذلک أغراض النمو الطبیعی، لتحقیق انطلاقة للمفاوضات السلمیة.

ومؤخراً عاد نتنیاهو، وخلال وجود المبعوث الأمیرکی جورج میتشل فی إسرائیل، لیشدد على أن السلام غیر ممکن بدون اعتراف فلسطینی وعربی بیهودیة الدولة، أما وزیر خارجیته أفیغدور لیبرمان، فلا یرى أن الظروف ملائمة لتحقیق السلام خلال المرحلة القریبة المقبلة.

ویبدو أن الإدارة الأمیرکیة بعیدة عن أن تحزم أمرها، لإقناع أو إرغام إسرائیل على التکیف مع متطلبات إعادة إحیاء عملیة السلام، وبعد مرور أکثر من تسعة أشهر على تعیین جورج میتشل مبعوثاً لإدارة أوباما، قام خلالها بزیارات عدیدة للمنطقة دون جدوى.

لا بل أن الإدارة الأمیرکیة التی کان موقفها من ضرورة تجمید الاستیطان أساساً لبلورة موقف دولی جامع من هذه القضیة، هذه الإدارة تراجعت عن مواقفها بحیث لم نعد نسمع تصریحات أمیرکیة واضحة بهذا الشأن، ویبدو أن التعنت الإسرائیلی ترک لدى الإدارة الأمیرکیة میلاً نحو ممارسة الضغوط على الطرف الفلسطینی لیتجاوز هذه العقبة.

فی ختام جولته الأخیرة قبل حوالی أسبوع، لم یجد میتشل ما یقوله سوى أن یدعو إلى واشنطن، وفدین فلسطینی وإسرائیلی لإجراء مباحثات منفصلة، من غیر المرجح أن تُفضی إلى نتائج طالما ظل کل طرف یتمسک بمواقفه المعلنة.

الحکومة الإسرائیلیة تبنی سیاساتها على أساس مواقف واستراتیجیات لا تلتقی مع الرغبة الدولیة والاستجابة الفلسطینیة والعربیة لتحقیق السلام، إذ لا یزال نتنیاهو یتمسک بالسلام الاقتصادی کهدف لا یتجاوز سقف الحکم الذاتی للفلسطینیین، وهو حین یتحدث عن رؤیة الدولتین، فإنه یضع شروطاً تعجیزیة لا یمکن تحقیقها.

منظمة التحریر الفلسطینیة وعلى لسان أمین سرها یاسر عبد ربه، أعلنت بعد انتهاء جولة میتشل الأخیرة للمنطقة أنها لن تتنازل عن شبر واحد من الأراضی التی احتلتها إسرائیل عام 1967، لتقیم علیها الدولة الفلسطینیة، وأن المفاوضات لن تبدأ قبل أن تجمد إسرائیل بالکامل النشاطات الاستیطانیة فی القدس قبل الضفة الغربیة، وإلا فلتذهب عملیة السلام ومن یدعو إلیها ویعمل من أجلها إلى الجحیم.

الأجواء بین الطرفین الفلسطینی والإسرائیلی ازدادت تعقیداً بعد أن قرر الرئیس محمود عباس تصحیح خطیئة تأجیل مناقشة تقریر لجنة غولدستون فی مجلس حقوق الإنسان العالمی، بالدعوة لانعقاد جلسة طارئة تحققت لها أسباب الانعقاد بما یضاعف القلق الإسرائیلی من إمکانیة تحویل التقریر الذی یتهمها بارتکاب جرائم حرب، إلى مجلس الأمن، والجمعیة العامة للأمم المتحدة، ومحکمة الجنایات الدولیة.

وبینما یستمر الجدل الصاخب وتسود مناخات الاتهام بالتخوین والتجریم بین الأطراف الفلسطینیة المتناحرة والمنقسمة، یعلن نتنیاهو من على منبر الکنیست الأسبوع الماضی، عن أن حکومته ستقاوم کل محاولة لتجریم ضباطها، وجنودها وقیاداتها السیاسیة، المسؤولة عن شن العدوان على قطاع غزة، وارتکاب جرائم حرب.

إسرائیل فی الواقع لا تجد رادعاً، وهی تستغل إلى أبعد الحدود الانقسام والضعف الذی یعانی منه الفلسطینیون، ولم تنجح حتى الآن مصر فی مساعدتهم على وضع حد له. وفی الواقع فإن المشهد الفلسطینی مؤلم ومحزن، ولا ینطوی فی المدى القریب على أمل بإمکانیة تجاوز حالة الانقسام والصراع والضعف، التی تحد من قدرتهم على مجابهة التحدیات الصعبة والخطیرة التی تفرضها إسرائیل على أکثر من صعید.

فی الآونة الأخیرة، وعلى خلفیة المحاولات المتکررة من قبل متطرفین یهود لاقتحام المسجد الأقصى وأداء شعائرهم الدینیة فیه، ثمة من تساءل عن إمکانیة اندلاع انتفاضة فلسطینیة جدیدة، ذلک أن ما یجری ضد الأقصى یُذکر الجمیع باندلاع انتفاضة الأقصى فی الثامن والعشرین من سبتمبر عام 2000، إثر اقتحام شارون بحراسة رسمیة للمسجد الأقصى.

على أن الوضع الفلسطینی هذه المرة، لا یزکی مثل هذا الاحتمال، فعدا عن التأثیر السلبی الکبیر للانقسام الفلسطینی والصراع الذی یستهلک قوى الطرفین، فإن إسرائیل اتخذت من إجراءات التقیید والعزل، ما یجعل ردود الفعل المباشرة والمؤثرة تقتصر على سکان القدس، وعلى الفلسطینیین فی الأراضی المحتلة منذ عام 1948.

وفی الإطار الأوسع، لم تجد نداءات الأقصى والقائمین علیه، لدى العرب والمسلمین إستجابات ملموسة وقویة لأعلى المستویات الرسمیة وعلى المستویات الشعبیة، بالقدر الذی یتناسب مع خطورة ما تتعرض له المدینة المقدسة.

یمکن للبعض أن یستعیض فی حدیث عن المخاطر، عن الأطراف المسؤولة والمقصرة إزاء حمایة المقدسات الإسلامیة والمسیحیة، وأن إسرائیل مسؤولة أو هی المسؤول فی الأساس عما تتعرض له المدینة المقدسة.

ولکن الضعف والإنقسام العربی مسؤول أیضاً، وتجاهل الأمة الإسلامیة لما یجری عامل یضاف إلى المسؤولیة والتقصیر تجاه الأقصى، أما التجاهل والتواطؤ الدولی مع ما تقوم به إسرائیل فهو العامل المتوفر کل الوقت، ولکن: هل یمکن أن نتجاهل أو نخفی دور الفصائل الفلسطینیة، المنقسمة والمتصارعة، من المسؤولیة؟

إن الانقسام الفلسطینی وحالة الصراع الداخلی یهدد مصیر القضیة والشعب الفلسطینی، ویشجع إسرائیل على المضی قدماً فی مخططاتها، ویجعل العرب والمسلمین والحلفاء الدولیون أقل تحمساً وأقل قدرة على دعم أکثر من خطاب واستراتیجیة وجهة فلسطینیة.

ن/25


| رمز الموضوع: 141281







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)