الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الحرب السرّیّة مع إسرائیل... فی الذروة

أمیر کولیک

کیف تنظر إسرائیل إلى تطور القدرات الاستخباریة لحزب الله؟ وهل ترى تناسقاً بین تعاظمه العسکری الموصوف، وتعاظمه الاستخباری حیالها؟ وما هو دور استخبارات حزب الله فی مواجهة اعتداءات إسرائیل على لبنان؟ وکیف ترى مکانة استخباراته فی أی حرب مقبلة؟ حاول مرکز دراسات الأمن القومی الإسرائیلی الإجابة عن هذه الأسئلة وغیرها، فی بحث للباحث أمیر کولیک بعنوان «حرب حزب الله السریة مع إسرائیل». فی ما یأتی أهم ما برز فیها :

یهدف البحث الذی أعدّه مرکز دراسات الأمن القومی الإسرائیلی أخیراً، بتوقیع الباحث أمیر کولیک، إلى الترکیز على الوجه الاستخباری لصراع حزب الله مع إسرائیل، استناداً إلى نشاطه السری ضد الدولة العبریة. وسیحاول هذا البحث، بناءً على الحالات البارزة لتجسس الحزب على إسرائیل فی السنوات الماضیة، تظهیر هذه المعرکة السریة، والوصول إلى استنتاجات تتعلق بأسالیب عمله وأهدافه والأبعاد النابعة من ذلک، بالنسبة إلى إسرائیل.

رأى حزب الله، منذ تأسیسه فی بدایة الثمانینیات من القرن الماضی، أن إسرائیل عدو ینبغی السعی إلى إزالته، وبناءً على هذا التوجه، أدار صراعاً عسکریاً قاسیاً مع وجود الجیش الإسرائیلی فی لبنان، إلى حین انسحاب إسرائیل من الحزام الأمنی فی أیار عام 2000، وتمظهر هذا الصراع فی عملیات شنّها الحزب على مواقع الجیش الإسرائیلی وجیش لبنان الجنوبی، وتضمّن عملیات عسکریة وأمنیة من أنواع مختلفة، تشمل النیران عن بعد، زرع عبوات، مهاجمة مواقع، وإطلاق صواریخ کاتیوشا باتجاه شمال إسرائیل.

وفی جزء من هذه المعرکة، جمع مقاتلو حزب الله معلومات (استخباریة) تتعلق بالجیش والأجهزة الأمنیة الإسرائیلیة، التی عملت فی لبنان. ومن خلال تحلیل خصائص نشاط حزب الله فی تلک السنوات، یبدو أن عملیات الجمع کانت تجری، أساساً، عبر نقاط مراقبة تابعة للحزب، کانت تستهدف دراسة النشاط الروتینی للقوات الإسرائیلیة المختلفة، لتثمیرها فی حینه، بمهاجمة مواقع الجیش الإسرائیلی وجیش لبنان الجنوبی، وزرع عبوات على جوانب الطرق.

جمع المتعاونون مع حزب الله داخل الحزام الأمنی معلومات مشابهة فی ماهیّتها، لکنها کانت أکثر موضعیة وترکیزاً، واستُخدمت للقیام بعملیات نوعیة. ومثالاً على ذلک، قتل قائد وحدة الارتباط فی لبنان، العمید ایرز غیرشتاین، (شباط 1999) والشخصیة البارزة فی جیش لبنان الجنوبی، عقل هاشم (آذار 2000).

استهداف العمق الإسرائیلی

تغیّر طابع صراع حزب الله مع إسرائیل بعد انسحاب الجیش من الحزام الأمنی، إذ توقف القتال الجاری والمکثف ضد الجیش، وبدأ حزب الله رصد موارد أکبر لمراکمة قدراته تمهیداً لمعرکة شاملة مع إسرائیل. ووفقاً لهذا التوجه، تغیّر نوع المعلومات الاستخباریة التی عمل حزب الله على جمعها، سواء عن الجیش أو عن دولة إسرائیل. وبما یتلاءم مع ذلک، تغیرت أسالیب العمل المتبعة لجمع المعلومات، رغم أنه سُجِّلت عملیات متفرقة بین الحین والآخر على الحدود، وبالأخص فی منطقة مزارع شبعا. ومن تحلیل قضایا التجسس المختلفة، یتبیّن أن العمل الاستخباری لحزب الله ترکز فی تلک الفترة، وفقاً لما کُشف من شبکات التجسس التابعة للحزب خلال عامی 2001 و2003، على جمع معلومات عسکریة تکتیکیة، أساساً.

بدأ حزب الله فی هذه الفترة ترکیز نطاق اهتمامه الاستخباری، بالتدرج، نحو مناطق أکثر بعداً عن الحدود، وصولاً إلى وسط إسرائیل، متجاوزاً فی ذلک الجیش الإسرائیلی نفسه، من بینها جمع معلومات ذات طابع جغرافی دقیق، تتعلق بأهداف إسرائیلیة مرکزیة وأساسیة، سعیاً إلى استطلاع مسبق لمناطق عمله المستقبلیة.

برز فی هذا المجال سعی الحزب إلى بناء قاعدة للمعطیات تتعلق بمنشآت للبنى التحتیة المدنیة الإسرائیلیة، ومنشآت عسکریة وغیرها، وهذه المعطیات تمکّنه من التخطیط لشن عملیات تستهدف هذه المنشآت فی المستقبل، علماً بأن هذا النوع من الأماکن محمیّ ومحصّن نسبیاً، حیال عملیات أمنیة وعسکریة موضعیة.

فی أعقاب جهود حزب الله فی السنوات الماضیة لبناء منظومات صاروخیة، یمکن القول إن قاعدة المعلومات التی جمعها الحزب تستهدف إیجاد «بنک للأهداف»، لاستخدامه فی حرب شاملة على إسرائیل. وفی ضوء ذلک، یطرح السؤال الآتی: ما الذی یدفع حزب الله إلى إعداد قائمة (أهداف) فی ضوء عدم دقة السلاح المدفعی الذی یمتلکه الحزب؟ الجواب عن هذا السؤال یکمن فی بعدین:

الأول یرتبط بأسلوب استخدام السلاح الموجود فی حوزته، فإذا کان یخطط لضرب أهداف محددة فی عمق الشمال وفی منطقة وسط إسرائیل، فمن الممکن أن یقوم بذلک عبر إطلاق صلیات صاروخیة باتجاه الهدف نفسه، وبناءً على ذلک یرتفع إمکان إصابتها. وبکلمات أخرى، یمکن فی الحرب المقبلة أن تکون الجبهة الداخلیة الإسرائیلیة «العمیقة» (منطقة حیفا ـــــ تل أبیب) أکثر انکشافاً أمام صواریخ حزب الله، لا أمام عدد محدود من الصواریخ کما شهدنا فی حرب لبنان الثانیة فحسب، بل أمام صلیات صاروخیة تستهدف استنزاف المدنیین، وأیضاً تستهدف إصابة أماکن محددة (حساسة).

یرتبط البعد الثانی بالقدرات العسکریة لحزب الله، إذ وفقاً لتصریحات متحدثین إسرائیلیین مختلفین، ضاعف حزب الله قدراته الصاروخیة کثیراً، سواء أکان من ناحیة الکمّ أم من ناحیة مدى هذه الصواریخ. هذا ما أکده وزیر الدفاع، إیهود باراک، فی مناسبات عدة، إذ قال إن لدى حزب الله منظومة صاروخیة قادرة على إصابة جنوب إسرائیل، وقد تضاعفت ثلاث مرات عمّا کانت علیه قبل حرب لبنان الثانیة.

وعلى خلفیة جمع المعلومات الموضعیة، التی قام بها المتعاونون مع حزب الله، والمتعلقة بالبنى التحتیة فی إسرائیل، یمکن القول إن تراکم قدرات حزب الله لم یقتصر على کمیات صواریخه وأمدائها، بل على تحسن دقتها نوعیاً أیضاً. وبالتالی، فإن العبء سیکون ثقیلاً جداً على الجبهة الداخلیة فی الحرب المقبلة مع حزب الله، وخاصة فی ما یتعلق بخطر استهداف منشآت البنى التحتیة الاستراتیجیة.

إلى جانب إعداد قاعدة معلومات تتعلق بمنشآت البنى التحتیة فی إسرائیل، واستناداً إلى تحلیل قضایا التجسس المکتشفة فی السنوات الماضیة، برز جهد متواصل من جانب حزب الله لامتلاک «بنک أهداف» من نوع مختلف ولغایات عملانیة، وعلى نحو أکثر تحدیداً، عملیات اغتیال أو خطف، أو لأغراض استخباریة مثل تجنید مصادر بشریة نوعیة للحصول على معلومات أفضل. وقد بدأ حزب الله جمع هذا النوع من المعلومات خلال قتاله الجیش الإسرائیلی أثناء وجوده فی الحزام الأمنی، بهدف استهداف الضباط المیدانیین للجیش الإسرائیلی وجیش لبنان الجنوبی. وبعد الانسحاب عام 2000، لم تتوقف عملیة جمع المعلومات بل ازدادت. وتظهر قضایا التجسس التی اکتشفت أخیراً، اتساع الاهتمام الاستخباری لحزب الله نحو العمق الإسرائیلی، بعیداً عن المنطقة الشمالیة. ویأتی فی هذا السیاق جمع حزب الله معلومات عن تحرک رئیس هیئة أرکان الجیش الإسرائیلی غابی أشکنازی، وتتبّعه لإجراءات الحمایة حوله، إلى جانب سعیه لجمع مواد عن شخصیات إسرائیلیة أخرى رفیعة المستوى. وتأسیساً على ذلک، فإن المسألة لا تتعلق بـ«صدفة» معلوماتیة، بل بمحاولة دؤوبة من جانب حزب الله لجمع معلومات عن شخصیات مسؤولة داخل المؤسسة الأمنیة الإسرائیلیة وخارجها، لأغراض عملانیة، ما یمکّن حزب الله من استخدام هذه المعلومات للتخطیط لعملیات اغتیال أو لعملیات خطف.

إلى جانب انتقال اهتمام حزب الله جغرافیاً من الحدود الشمالیة إلى عمق دولة إسرائیل، لوحظ تطوّر فی نطاق الاهتمام الاستخباری المفاهیمی لدى الحزب، إذ یبدو من تحلیل قضایا التجسس فی العقد الماضی أن الحزب طلب من عملائه جمع معلومات استخباریة لا یمکن استخدامها لحاجات عملانیة مباشرة، بل تستهدف تلبیة حاجات أخرى، أکثر اتساعاً وأکثر عمقاً. بل برز من حالات تجسس محددة أن حزب الله حاول جمع معلومات بأسلوب منظّم، عن البنیة التحتیة للمجتمع الإسرائیلی، فی سعی منه لفهم أکثر عمقاً لإسرائیل وترکیبها وأدائها وسیاساتها وطرق اتخاذ قراراتها، وبالتالی إیجاد وسائل أکثر نجاعة فی مواجهتها. وفی هذا المجال وصل حزب الله إلى مرحلة الذروة...

یسعى حزب الله لجمع معلومات عن إسرائیل تتصل بأبعاد مفاهیمیة عن الدولة العبریة، وهی معلومات فی جوهرها خارجة عن البعد العسکری وتهدف إلى النجاح فی أی مواجهة شاملة مع إسرائیل انطلاقاً من إدراک الحزب أن النشاطات العسکریة لا تکفی وحدها لمواجهة إسرائیل.

خلاصة واستنتاجات

انطلاقاً مما تقدم، یمکن استخلاص مجموعة من الأبعاد الأساسیة، ضمن هذا البحث، إذ جمع حزب الله معلومات استخباریة ممنهجة، تتعلق بإسرائیل، على مستویات عدة:

1ـــــ المستوى التکتیکی: جمع حزب الله معلومات عن المنطقة الشمالیة، وعن أماکن انتشار الجیش الإسرائیلی فی هذه المنطقة. وتستهدف هذه المعلومات، أساساً، إعداد قاعدة معلوماتیة لتنفیذ عملیات فی منطقة الحدود.

2ـــــ المستوى العملانی: جمع حزب الله معلومات عن مواقع ومنشآت حیویة داخل إسرائیل، بهدف تحسین قدرته على استهداف الجبهة الداخلیة فی إسرائیل على نحو نوعی، خلال حرب شاملة مع الدولة العبریة.

3ـــــ المستوى الاستراتیجی، ویشمل طبقتین:

■ تتمثل الطبقة الأولى بجمع معلومات مختلفة لفهم أفضل لظاهرة «الکیان الصهیونی»، سواء أکان لإیجاد طرق أخرى للمواجهة، أم لتحلیل أفضل لمساراته المستقبلیة.

■ تشمل الطبقة الثانیة جمع معلومات للقیام بعمل «ضخم جداً»، أو القیام بعملیة خطف. ویستند ذلک إلى أن أساس هذه المعلومات یرتکز على سعی الحزب لامتلاک قدرة رد حیال أی استهداف إسرائیلی، کما حصل فی اغتیال (المسؤول العسکری لحزب الله) عماد مغنیة، أو أی مسؤول رفیع آخر فی المستقبل. ومن خلال ذلک، یُتاح للحزب إعادة قواعد اللعبة إلى ما کانت علیه سابقاً، أو فرض قواعد لعبة جدیدة، أکثر راحة.

یمکن أن نستخلص من البعد الثانی، استناداً إلى التحلیل المذکور أعلاه، أن العمل الاستخباری لحزب الله لیس أمراً عرضیاً، بل عمل متوالٍ وممأسس، بل یشبه فی أسلوب عمله أسلوب عمل أجهزة الاستخبارات النظامیة، ویبتعد عن کونه جهاز استخبارات تابعاً لمنظمة إرهابیة أو جهاز غیر نظامی آخر. إذ إن جمع المعلومات الاستخباریة الموجّهة، والعمل فی أوساط جماهیریة مختلفة، إضافة إلى تطور خبرة مشغلی المصادر البشریة وکیفیة تجنیدها، تدل على أن مسارات مأسسة الذراع الاستخباریة لحزب الله، فی السنوات الأخیرة، لم تتخلف عن مسارات مأسسة الذراع العسکریة، وهذا کله یشیر إلى تحول حزب الله من الناحیة الاستخباریة والعملانیة، إلى جهة أکثر ترکیزاً وخطورة ونجاعة.

أما لجهة البعد الثالث، فینبع من النقطة السابقة، فتحوّل استخبارات حزب الله إلى استخبارات أکثر تنظیماً وأکثر ترکیزاً، یشیر إلى أن معرکة إسرائیل المقبلة مع حزب الله ستکون أکثر صعوبة وأکثر تعقیداً، وعلى نحو خاص بما یتعلق باستهداف الجبهة الداخلیة الإسرائیلیة.

إلى ذلک، یشیر اتجاه حزب الله نحو إعداد قاعدة معلومات ممنهجة، تتعلق بأهداف فی الجبهة الداخلیة الإسرائیلیة، مع إدراک أن لدیه منظومة صواریخ أکثر تطوراً، إلى أنه سیستهدف فی الحرب المقبلة المنشآت والبنى التحتیة الاستراتیجیة لإسرائیل، إضافة إلى استهدافه المراکز السکنیة، المکشوفة بطبیعتها أمام صواریخه.

ولعل النقطة الأخیرة هی الأکثر أهمیة من ناحیة إسرائیل، إذ تتطلب استعداداً أکبر، وربما استعداداً بعید المدى، وهو عبء یُلقى على عاتق السلطات المدنیة فی إسرائیل، وأیضاً على عاتق الجیش الإسرائیلی، المفترض أن یعمل على صدّ هذا التهدید قدر الإمکان.

فالتهدید الماثل أمام أعیننا منذ سنوات، من جانب حزب الله، وبأبعاده الثقیلة، یجب أن یکون واضحاً لدى قادة إسرائیل ولدى جمهورها على حد سواء، وفی هذا السیاق علینا أن نأمل أن لا تکون المعرکة المقبلة مع حزب الله، أو ضد أی تهدید مشابه من جانب دولة أو تنظیم آخر، شبیهة بحرب لبنان الثانیة، ففی المواجهة المقبلة لن تکون هناک فجوة بین المعلومات الواقعیة وفهم هذه المعلومات.

مواصلة العمل

قال ضابط إسرائیلی رفیع المستوى، إن «فرضیة العمل لدى الجیش، هی أن القواعد العسکریة الإسرائیلیة ستکون عرضة لصواریخ حزب الله وحماس وسوریا، فی أی مواجهة مقبلة»، مشیراً إلى أن «الجیش أسّس شعبة خاصة لإدارة أعمال تنسیق جهود حمایة قواعد الجیش» ضد الهجمات الصاروخیة المحتملة.

أضاف الضابط الإسرائیلی لمراسل صحیفة جیروزالیم بوست أمس، أن «مهمة الشعبة الجدیدة هی وضع معاییر لمستویات الحمایة المطلوبة للقواعد، ولتمکینها من مواصلة العمل خلال الحرب، وخاصة للقواعد المرجح أن تتلقى صلیات صاروخیة» خلال الحرب. وأشارت الصحیفة إلى أن «وزارة الدفاع الإسرائیلیة عملت على تعزیز الدفاعات حول قواعد سلاح الجو، وغیرها من المنشآت المهمة، وتحدیداً فی المنطقة الشمالیة وعلى طول الحدود مع قطاع غزة»، مضیفة أن «سلاح الجو الإسرائیلی وزع على قواعده مواد خاصة قادرة على إصلاح المدرجات بسرعة، وتمکین الطائرات من الإقلاع والهبوط فی حال تعرضها لصلیات من الصواریخ». وبحسب مصدر عسکری إسرائیلی فإنه «فی حال اندلاع حرب مع سوریا أو مع حزب الله، فإن سلاح الجو سیعمل على نقل طائراته إلى قواعد بدیلة»، مشیراً إلى أن «الإجراءات المتبعة لاستدعاء الاحتیاط خلال الحرب المقبلة، ستکون مغایرة عن السابق، وسیستدعى عناصر الاحتیاط إلى مناطق سریة بدلاً من أماکن الاستیعاب التقلیدیة، بناءً على تقدیر أنّ العدو سیستهدفهم بالصواریخ».

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141302







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)