qodsna.ir qodsna.ir

الجدار الفولاذی المصری بین شیوخ الأزهر وساسة مصر..!

الجدار الفولاذی المصری ما بین شیوخ الأزهر وساسة مصر..! من البدیهیات المسلم بها والتی لا تحتمل الجدل والنقاش أن یقوم العلماء المسلمون بالدفاع عن الاسلام والمسلمین ونبیهم العربی محمد(ص), ومن المعروف کذلک أن یقوموا باصدار الفتاوی العقلانیة التی تعالج أمور المسلمین الحیاتیة الیومیة ومشاکلهم الذین یواجهونها..ومن المفروض على من أبتلینا بهم کقادة وحکام لبلادنا العربیة والاسلامیة أن تکون لهم کلمة واحدة صادقة مفادها الوحدة العربیة والاسلامیة..وحدة تقف أمام عدوهم المشترک..ولکن من الغریب والمقزز أن نرى أن غالبیة العلماء المسلمین قد أصبحوا علماء سلاطین, وأن معظم من أطلقوا على أنفسهم القاب ملوک وأمراء وزعماء ووزراء قد أصبح شغلهم الشاغل هو التوریث ونهب خیرات أممهم وشعوبهم وتمزیق الصف العربی والوحدة العربیة وهذا مطلب صهیو- أمریکی..انها حالة تشرذم وقحط وهوان لم نشهد لها مثیلا منذ العدید من العقود.

الظاهر للعیان أن النظام المصری امتاز فی الفترة الأخیرة فی تقدیم هدایاه الثمینة لأشقائه العرب فی المناسبات الغالیة..والدلیل على ذلک أن هذا النظام لم ینس احتفالات حرکة حماس مؤخرا بالذکرى الثانیة والعشرین لتأسیسها لیؤکد أنه ضدها "ظالمة أو مظلومة" رغم یقینه بأنها لم تتورط ولا فی یوم من الأیام فی الظلم، لأنها أصلا لا تملک القوة الکافیة لممارسة الظلم, ففاقد الشیء لا یعطیه أبدا..انها هدیة "الجدار الفولاذی" بل "سور مصر العظیم" الذی ینافس سور الصین العظیم وشتان ما بین السورین..هذه الهدیة اکتشفتها وسائل الاعلام العالمیة المصدومة بالعبقریة المصریة التی نقلت هندسة بناء الجدران من العلن إلى السر ومن الفوق إلى التحت..هذه العبقریة المصریة التی تعجز عن صنع سیارة بدائیة وحمایة شعبها من کوارث القطارات والطائرات البالیة التی نسیها الزمن..هذه العبقریة المصریة جاءت لتقدم للصدیقة"اسرائیل" خدمة لم تحلم بها أبدا حتى فی أجمل أحلامها، ولن تتمکن"اسرلئیل" من ایجاد وسیلة ترد من خلالها على هذا الجمیل الذی لم تحلم به حتى ممن یعتبرها "لقیطتهم" المدللة, بل دعونا نقولها صراحة لا تقبل الشک بأن "العبقریة" الإسرائیلیة لن تتمکن من ابتکارإنجاز هندسی جریء مثله ویلقى قبول أو على الأقل صمت الطبقة السیاسیة الإسرائیلیة وحتى الشعب الاسرائیلی الذی منه من استهجن واستنکر وتظاهر ضد الجدار العازل المرئی الذی أنشأته"إسرائیل" فی مستوطناتها، واعتبره بعض الیهود قمة العنصریة، فما بالک بالعبقریة المصریة التی ابتکرت هذا الجدار السفلی الذی هو بمثابة ادانة مباشرة وعلنیة للفلسطینیین بأنهم یتحرکون تحت الأرض, وعزلهم "حیاتیا" یمنع عنهم کل أسباب العیش البسیط.

ان اقدام الکیان الصهیونی على بناء الجدار العنصری العازل فی قلب الضفة الغربیة بدعوى حمایة أمنها القومی من القنابل البشریة الفلسطینیة، أو کما تقول حمایة لمواطنیها من "الإرهاب الفلسطینی"، جعله یبدو فی صورة أکثر بشاعة من "الستالینیة" التی فرقت بین شعب واحد هو الشعب الألمانی، وفرقت بین الأب وابنته وبین الأم وابنها استجابة لدواعی ومقتضیات "أیدیولوجیة".

لقد قام هذا الکیان ببناء هذا الجدار العنصری مدعیا أنه یرید من خلاله الدفاع عن أمنه القومی, غیر أن المؤلم فی کل هذا الامتداد الإسمنتی الذی امتد کالأفعى على عشرات الکیلومترات، أن هنالک أیاد عربیة وقفت بقوة لتشییده، سواء بالصمت أو بالدعم "من تحت الطاولة" أو بالمساهمة العملیة فی استکماله.. ویقف على رأس هؤلاء بعض زبانیة السلطة الفلسطینیة فی رام الله ممن فضحهم الإعلام الإسرائیلی وتأکد تورطهم فی صفقات الإسمنت التی أبرموها مع الجانب الإسرائیلی مقابل دولارات مغموسة بالذل والعار..هؤلاء الذین باعوا الأرض والعرض والشرف، واستغلوا الدعم العربی والدولی لسلطة أوسلو فی تکوین ثروات طائلة على حساب معاناة الشعب الفلسطینی..وجدوا أکثر فی الدعم المصری اللا محدود لسلطة عباس، وربما أیضا فی تورط شخصیات مصریة فاعلة فی هکذا مشاریع مشبوهة، الغطاء اللازم لتمریر جریمتهم المشترکة مع الیهود. هذا الجدار اللعین، الذی بنی تحت سمع وبصر العالم، لا یقف فی وجهه الیوم إلا أحرار فلسطین من أبناء الأرض ومعه مناضلون من أجل الإنسانیة من کل بقاع الأرض یأتون، وفی أیدیهم أغصان الزیتون التی دمرتها الجرافات.. وحدهم العزل من أی سلاح یصرخون فی وجه البربریة والعنصریة التی لا حدود لها، بینما أنظمة الخزی العربیة فی المنطقة لا تفعل شیئا غیر رفع الشعارات الزائفة، ربما فی انتظار زمن یأتی بالرجال الحقیقیین لمواجهة "الذین لا یقاتلونکم إلا من وراء جُدر". الحدیث هذه الأیام هو بکل تأکید عن الهدیة المصریة المسمومة التی حضرتها لأهلنا فی غزة، وهی شبیهة بهدیة إسرائیل لأهلنا فی غزة، مع فارق بسیط، أن الجدار الذی تبنیه مصر العروبة کما یحلو لبعض المغفلین تردیده، هو جدار فولاذی تحت الأرض ولیس جدارا إسمنتیا فوقها, أی أن مصر المنکوبة بنظامها أرادت أن تثبت عمالتها لإسرائیل وأمریکا بأن تخنق المقاومة فی غزة فوق الأرض وتحتها أیضا. جدار بعرض 50 سم وعمق 18 مترا تحت الأرض، فرجت کل تفاصیله الصحافة الإسرائیلیة ثم الأمریکیة قبل أن تعترف السلطات المصریة وتوعز إلى أقلامها المأجورة بتسویقه على أنه "حق سیادی" وأنه جدار ضد الإرهابیین الفلسطینیین ولیس ضد الفلسطینیین أنفسهم.

موقف الجامع الأزهری من الجدار الفولاذی المصری:أید مجمع البحوث الإسلامیة التابع للأزهر بشکل رسمی موقف الحکومة المصریة بناء جدار فولاذی مع قطاع غزة لمنع التهریب، وسط تصاعد الجدل بشأن الخطوة التی تعتبرها أوساط معارضة محاولة لتشدید الحصار المفروض على القطاع. وقال بیان للمجمع انه یؤید بـ"الإجماع" بناء الجدار الفولاذی على الحدود مع الأراضی الفلسطینیة. وجاء البیان بعد موافقة 25 عضواً من أعضاء المجمع فی اجتماع عقدوه برئاسة الشیخ"محمد سید طنطاوى"، شیخ الأزهر،على حق الدولة فی أن تقیم على أرضها من المنشآت والسدود ما یصون أمنها وحدودها وحقوقها". وقال البیان "من الحقوق الشرعیة لمصر أن تضع الحواجز التی تمنع أضرار الأنفاق التی أقیمت تحت أرض رفح المصریة، والتی یتم استخدامها فی تهریب المخدرات وغیرها مما یهدد ویزعزع أمن واستقرار مصر ومصالحها". وانتقد المجمع معارضی الجدار بقوله "إن الذین یعارضون بناء هذا الجدار یخالفون بذلک ما أمرت به الشریعة الإسلامیة"..وبصریح العبارة یقول شیوخ الجامع الأزهری:سیدخل النار من یعارض الجدار الفولاذی, ونحن بدورنا نقول:ان أردتم دخول الجنة فما علیکم یا معشر المسلمین الا أن تؤیدوا انشاء هذا الجدار فقد أصبح من فرائض الاسلام "الست" ان لم یکن أهمها بحسب وجهة نظر علماء السلاطین.

وهنا نتسائل:لماذا لم نسمع شیخا أزهریا واحدا، "وهنا دعکم من الطنطاوی فإنه عبد مأمور"، یقول للنظام المصری: "عیب ما تفعله، فلیس المسلم من نام شبعانا وجاره جائع"؟..لماذا لم یُعلّق أحد فی الأزهر الشریف عن الفتوى الیهودیة التی تبیح قتل جمع الأسرى الفلسطینیین فی حال فشل صفقة شالیط؟..ماذا لو کانت الفتوى معاکسة، هل کان علماء السلاطین من المحیط إلى الخلیج سیصمتون؟..هل بناء الجدار الفولاذی لمنع تهریب الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، جزء من القومیة العربیة المجیدة التی قال المصریون أنهم علمونا إیّاها فی کافة الدول العربیة والاسلامیة؟. أیهما أخطر على النظام المصری, أنفاق غزة المشروعة, أم أنفاق الصهاینة تحت المسجد الأقصى؟. قبل أیام أحرق مستوطنون مسجدا فی قریة "یاسوف" بالضفة الغربیة، واکتفى رئیس الوزراء فی حکومة المفاوضات، سلام فیاض بوصف العمل أنه "غیر قانونی" دون إشارة لأی بعد دینی لهذا العمل التخریبی المقصود، أما القاهرة، فقد صمتت وکأنّ لا أزهر فیها ولا علماء ولا مثقفین ولا حدود بینها وبین فلسطین, ولکن ماذا تنتظرون من ردة فعل تجاه حرق مسجد فی قریة نائیة أن تقع, ان کان مشروع هدم الأقصى مستمرا ولم یحرک ذلک ساکنا فی هذا النظام المصری وما شابهه؟.

طنـطاوی الأزهر یفـتی فی مشروعیة الجـدار الواقی أو العازل والذی قررت عبره الشقیقة الکبرى أن تقطع نسلها مع کل ما هو عربی بعدما ظهر لها أنها من سلالـة فرعون النقیة، ولأن طاعة ولی الأمر من طاعة الله حتى فی قضیة جدار تحدید النسل المصری، فإن ''طـنطة'' شیخ الأزهر الأخیرة والمسـتندة إلى الحاجة إلى الجدار من أجل منع المخدرات المهربة من مصر باتجاه غزة، تعتبر أصدق وأتقى فتوى صدرت حتى الآن.

مبرر تهریب المخدرات والذی تقنّع به الشیخ من أجل أن یفتی بجواز وإلزامیة الجدار ''المبارکی''، مبرر یدین مصر ذاتها، وطنطاوی الأزهر أدان من حیث أراد تزلفا، النظام الذی شیخه، ففتـوى الجدار العازل للمخدرات، تحمل معنى واضحا على أن مصر أولى بمخدراتها، فنـظام آل مبارک بجداره ذلک أراد حمایة مدخراته من مخدرات یراد لها أن تبقى حصرا وحکرا على العقل المصری حتى لا یستفـیق من نومته أو میتـته الصغرى.

لقد بارک الأزهر الجدار لعزل قضیة هی محور الأمة بسبب ''مخدرات'' مفترضة أرادها الشیخ الطنطاوی أن تبقى فی مصر ولمصر فقط، فهنیئا لأم الدنیا أزهرها وجدرانها الواقیة والعازلة التی بوأتها مکانة مصر المفترشة التی عوضت استعمال حبوب منع الحمل باقتناء جدران واقیة وعازلة تمنع أی تناسل أو تواصـل عربی معها.

الموقف الرسمی المصری من الجدار الفولاذی: أبو الغیط المصری، تغـوط أمرا عجبا, وما أکثر"تغوطاته" المتعددة الروائح والأهداف, فبلا حیاء على الاطلاق، وبصمة وجه لا تختلف عن تلک التی کان بطلها هو نفسه سیئ الذکر عندما أظهر شجاعته قبل عام ونصف تقریبا فی وجه جیاع غزة مهددا بکسر أرجل وعظام من یعبر الحدود من الفلسطینیین..تناولت صحف "المهلبیة" المصریة والتی تنقل مقالاتها وأخبارها من الصحف الصهیونیة الزمیلة والصدیقة هذه القضیة لتبریر ما لا یبرر، ولعل من أسخف ما جادت به قریحة هذه الأبواق المأجورة أنها بررت محاصرة ملیون ونصف الملیون غزی، بخشیتها من تحریض إسرائیلی لأمریکا لمعاقبة مصر بقطع المعونات أو بواسطة تألیب مجلس الأمن..والأغرب من ذلک أن قالت هذه الأبواق صراحة وبلا لف ولا دوران إن "الظرف العالمی الحالی یمکن أن یعید سیناء تحت السیطرة الدولیة" وهو اعتراف صریح جدا بأن سیناء هذه التی أشبعونا شعارات بأنها حررت بدماء المصریین، إنما هی فی الواقع ما تزال تحت الانتداب "غیر المباشر" بدلیل قدرة أمریکا وإسرائیل والقوى الغربیة إعادتها تحت السیطرة الدولیة.

وقاحة ما بعدها وقاحة:نفى وزیر الخارجیة المصری، أحمد أبو الغیط، أنباء تحدثت عن احتمال توقف مصر عن استکمال تشیید الجدار الفولاذی والإنشاءات تحت الأرض على حدود بلاده الشرقیة مع قطاع غزة..وقال سیء السمعة والصیت: "إن مصر لیست على استعداد لأن تتوقف عن حمایة شعبها، وإنه لا یمکن أن یدفع أحد الدولة المصریة للخشیة من أمر یحمی الأمن القومی المصری'', وتأتی تصریحات أبو الغیط ردا على الاتهامات الموجّهة لمصر بسبب بنائها الجدار الفولاذی الذی سیسدّ أنفاق تمریر المواد الغذائیة والاحتیاجات المعیشیة الأخرى لسکان غزة المحاصرین.

وأما رئیس لجنة العلاقات الخارجیة والأمن القومی فی مجلس الشعب المصری السفیر السابق فی الکیان الصهیونی محمد بسیونی، فقد دافع عن عزم مصر بناء جدار فولاذی عازل بین مصر وقطاع غزة, مبینا أن السور لا یهدف إلى حصار الفلسطینیین بل إلى حمایة حدود مصر.

وأضاف بسیونی قائلا:"انه من حیث المبدأ فان کل دولة لها الحق فی الحفاظ على سیادتها وعلى حدودها وان لا تکون تلک الحدود مخترقة، وبناء على ذلک فان لنا الحق فی اتخاذ کافه الإجراءات التی تضمن عدم اختراق حدودنا، ورغم ذلک فإننا نرحب بأی شخص یأتی عن طریق المنافذ الشرعیة ولیس صحیحا ان هذا الجدار یزید من معاناة الشعب الفلسطینی فهناک سبعة معابر ستة منها بین غزة وإسرائیل، ولا دخل لمصر بها فضلا عن ان مصر لیست طرفا فی اتفاقیة المعابر التی وقع علیها محمد دحلان وشاؤول موفاز بحضور الطرف الأوروبی والمصری وشهادة وزیرة الخارجیة الأمریکیة فی ذلک الوقت کوندالیزا رایس، ورغم کل هذا فإننا نفتح المعبر کل فترة للتخفیف من معاناة جرحى ومرضى الشعب الفلسطینی, وأما اذا کان هذا الجدار یمنع استخدام الأنفاق فمن حقنا تنفیذه لأن تلک الأنفاق تستخدم فی بعض الأحیان فی تهریب الأسلحة وبعض الأفراد إلى سیناء للقیام بعملیات إرهابیة.

بامکاننا القول وبصراحة ان الأزهر بفتواه هذه وغیرها، أعادت هذه المؤسسة الدینیة التی فقدت رصیدها من المصداقیة والاحترام إلى ما کانت علیه الکنیسة فی القرون الوسطى، فالأزهر أو الطنطاوی بالتحدید أجاز بناء الجدار واعتبره ''حقا وطنیا''، وهو نفس الکلام الذی ردده مسؤولو نظام مبارک منذ قررت مصر أن تحتفل بطریقتها بمرور سنة على نکبة غزة بإهدائها جدارا یزید من تضییق الخناق على سکانها الذین یعیشون منذ سنوات حالة حصار غیر مسبوق.

لا فرق إذاً بین الأزهر الذی یصدر فتاوى ضد المسلمین استجابة لمصلحة الأولیغارشیة الحاکمة فی مصر، إن لم أقل استجابة للدولة العبریة، وبین الکنیسة المسیحیة فی أوروبا فی القرون الوسطى التی کانت تساند الأنظمة الإقطاعیة والملکیة، وتذعن الناس وتکبلهم وتضعهم رهن إرادة أنظمة مستبدة>

ومثلما کانت الأنظمة الإقطاعیة الملکیة تلجأ إلى الکنیسة لاستصدار ''فتاوى'' تسهّل علیها تطویع شعوبها، ها هو نظام مبارک یستعین بهذه المؤسسة الدینیة ویملی علیها إرادتها ویستصدر منها فتاوى تحلل له الحرام، وتبیح له التصرف کیفما شاء فی رقاب الناس مثلما فعل بسکان غزة، وها هی تعطیه الغطاء الدینی الذی یسمح له ببناء الجدار العازل بین غزة ومصر، وهو جدار یعود بالضرر على مسلمی غزة، وهو أمر یحرّمه الإسلام الذی یدعو المسلمین إلى التراحم والتکافل.

وأمام هذا الدور البائس الذی تقوم به مؤسسة الأزهر، وأمام استعمالها الدین کأفیون للشعوب على حد تعبیر کارل مارکس، ألا یحق لنا الیوم التساؤل: ألیست اللائکیة هی الحل الأمثل لتجنیب استغلال الدین من قبل الأنظمة الجائرة؟ فالإسلام مثل المسیحیة فی العصور الظلامیة، صار وسیلة فی ید الحکام یغلفون به تصرفاتهم الجائرة، والتی لیست من الإسلام فی شیء.

فالابتعاد عن اللجوء إلى الفتاوى والغلاف الدینی هو السبیل الوحید لتعریة الوجه لهذه الأنظمة الجائرة، وأوروبا تفطنت منذ قرون للدور السلبی لرجل الدین فی المجتمع والدولة، وقد تحررت من اللجوء إلى الدین لإحکام سیطرة الحکام على الناس ونجحت. کم أنت مخطئ أیها المعز لدین الله الفاطمی!, فلو تکرمت وجعلت بنایة هذا الأزهر إسطبلا لخیلک لکان أنفع للمسلمین من وجود مثل هذه ''البهائم'' العالمة فی الأزهر الیوم., والمصیبة أن بعض الأبواق فی مصر تقول إن بعض الدول العربیة وخاصة الجزائر ترید تدویر الأمانة العامة للجامعة العربیة منذ سنوات، لکن الیوم تطور الأزهر، فالمطلب الشعبی الملح على الحکومات العربیة هو غلق هذه المؤسسة المعتوهة، التی أصبحت هی الأخرى لاتختلف فی شیء عن إسطبل الأزهر.

ومثلما حول المصریون فی السنوات الأخیرة الجامعة العربیة إلى مجرد مکتب فی وزارة الخارجیة المصریة، حولوا أیضا الأزهر إلى مجرد ملحقة بوزارة الخارجیة والداخلیة المصریة, تدور فتاواه حیث تدور سیاسات أمین السیاسات، جمال مبارک..وانتظروا فتوى من الأزهر تقول: من لم یؤمن بأحقیة جمال مبارک فی میراث مصر عن والده..فهو کافر ولا إیمان له. هل رأیتم ذلا وخنوعا أکبر من هذا من قادة قطر عربی یتغنى شعبه بأنه مصر العروبة والعروبة منه براء؟, والله إن بلدا مدمرا کالصومال مثلا لا یقبل على نفسه خنوعا کهذا فکیف بدولة تنام وتصحو على "فزورة" أنها أکبر دولة عربیة وأنها "القوة العظمى" فی المنطقة"؟. مصر مبارک التی باتت تعتبر حجز المعونات التموینیة والمواد الطبیة وتصبح غیر صالحة للاستعمال وتحجز أبسط المواد الأولیة کالسکر والحلیب والماعز المهربة لمساکین غزة على أنه إنجاز أمنی تستحق علیه بعض "البقشیش" الأمریکی، من الطبیعی أن ترى فی تهریب بعض قطع السلاح البسیطة للدفاع عن الکرامة والشرف إلى داخل غزة تهدیدا للأمن القومی المصری..والواقع أن السر فی ذلک هو بکل بساطة اعتبار الغضب الأمریکی والإسرائیلی جراء ذلک تهدیدا خطیرا لمصالح النظام المصری. فی المقابل عندما یدخل آلاف الصهاینة إلى مصر عبر معبر طابا ومن دون تأشیرة وهم یحملون السیدا لنشرها فی أوساط الشباب المصری المنحل أخلاقیا أصلا بغالبیته، ویحملون شبکات التجسس التی جعلت من مصر ساحة خلفیة للموساد، ویحملون کل شرور الدنیا ما ظهر منها وما بطن، فإن ذلک لا یعد تهدیدا للأمن القومی المصری بل سیاحة ودولارات وشیکلات..والمشکل أن الإعلام المصری الذی استطاع أن یوغر صدور المصریین البسطاء ضد الجزائر بعد فوز الجزائر على مصر وتأهلها للمشارکة فی أولمبیاد العام القادم اعتمادا على أکاذیب، هو نفسه الذی یغسل عقول المصریین یومیا إلى درجة لإقناعهم أن"إسرائیل" لم تعد عدوا، وأن أعداء مصر الآن هم إیران وقطر والجزائر وفلسطین وغیرها من البلاد العربیة والاسلامیة.

الحدیث یطول عن الجدران الذی بناها النظام المصری, ونضیف علیها الجدار العازل الفاصل القتال بینه وبین أبناء الشعب المصری المغلوب على أمرهم وحان الأوان أن یستیقظوا کما استیقظ الشعب الرومانی بعد سنین من الدکتاتوریة من قبل الطاغیة تشاوشیسکو. إن جدارا کهذا، یمنع عن الإنسان الفلسطینی الحر حتى حقه فی حفر الأنفاق لجلب القوت، لهو أکبر جریمة ترتکب فی عصرنا الحالی إلى جانب جریمة الحصار فی حق الإنسانیة، والمدهش أن إسرائیلیین عبروا من خلال مظاهرات واعتصامات عن رفضهم لهذه الغیتوهات النازیة الجدیدة..بینما لا یستحی رئیس السلطة الفلسطینیة فی مساندة مصر فی بناء جدارها کما ساندت مصر زبانیة عباس فی بناء جدارهم. فهل یأتی الیوم الذی نرى فیه هذه الجدران اللعینة وقد هوت تحت ضربات ومعاول المصریین الشرفاء ومعهم العرب جمیعا؟..هل یمکن لشعبنا الطیب فی مصر أن یسترجع ذاته ویخرج من تحت برنوس نظام مفلس ومتواطئ؟..صحیح إننا نعترف أن باقی الأنظمة العربیة لا تقل دیکتاتوریة وظلما، لکنها على الأقل لا تستطیع بل وتأنف أن تعلن بهذه الصفاقة کما یفعل النظام المصری وقوفه صراحة مع العدو ضد الشعوب العربیة وقواه المقاومة والتحرریة، وتستحی أن تبنی جدران الخزی بکل هذه الحماسة. لقد تطلب الأمر عشرات السنین من النضال حتى تمکن الشعب الألمانی من تدمیر جدار واحد فی برلین..فکم یا ترى یلزم المصریین الشرفاء لتدمیر کل تلک الجدران التی شیدها فراعنة العصر الجدید؟.

لم تکن"إسرائیل" تتصور أن تحارب فلسطین فی مجازر غزة لتشن مصر بعد نهایة الحرب حملة تجویع تجلّت الآن فی أغرب جدار فی التاریخ بعد أن زالت جدران التفرقة بین الأوطان فی کل مکان، وصارت تاریخا قدیما وحجارتها متاحف یزورها سکان المعمورة..هذا ما فعلته "أم دنیانا" و"أختنا" الکبرى فی فلسطین، وهذا ما فعلناه جمیعا بصمتنا..فکیف ننتظر من عدونا بعد ذلک أن یرحمنا؟.

لقد تمکن مبارک من الهاء ثمانین ملیون مصری فی معرکة مع الجزائر"بطلتها" لعبة کرة قدم, فی حین کان یوقع اتفاقا ''مقاولاتیا'' مع حکومة الصهاینة، تم بموجبه إخراج مصر من ضفة قاهرة المعز إلى ضفة المقاولة المصریة المتخصصة فی تشیید وبناء الجدران مع إمکانیة التطـوع بالطـلاء المجانی للـمشروع..وإذا کان أنور السادات قد کُرم بإطلاق اسمه على میدان بحیفا، وذلک فی اعتراف صهیونی بصنیع الرجل، فإن أقل جزاء یمکن أن یناله حسنی مبارک جراء خدماته وجدرانه الجبارة أن تسمى ''تل أبیب'' ذاتها باسمه, ولیس الأمر ببعید ولا بغریب.

والى رجال الدین والحکام العرب والمسلمین نقول:عودوا الى رشدکم وتمسککم بحصانة دینکم وشعوبکم فهی حصانة وطنیة دائمة وأعظم بکثیر من الحصانة الخارجیة الغربیة الزائفة المؤقتة التی تهرولون خلفها, عملا بالمثل الشعبی القائل:"الثوب المستعار لا یدفئ، وإن أدفأ فلا یدوم"؟، بینما الثوب الوطنی یُدفئ ویدوم..ولا تنسوا أیضا ما قاله أجدادنا وأجداد أجدادنا:"زوان بلدی ولا قمح الغریب".

ولکن ورغم کل ما أسلفت فان قلبی محروق وعینای تدمع على ما تتعرض له قاهرة المعز فهو أکبر من أی غزو حدث لها وما فعله نظامها فیها أکبر هدیة للآخر الیهودی الذی ما کان له لیحقق هذه النتائج ولو استعان بکافة قوات العالم..فانقذوا مصر فإنها تغـرق..ویا أیها الـسادة من فرسان ورق، العرس انتهى والطبل انفجر فعلى ما الرقص ولمن تعرض ''الغانـیة'' ساقیها ؟..نکتة لا علاقة لها بأمریکا.. فی احتجاج ضد أمریکا وما فلعته فی أمة الأعراب أو ''الإعراب''..قام مواطنون بتنظیم مسیرة کبیرة، اختاروا أن یلبسوا فیها أحد منهم لباس ''بوش'' أو ''أوباما''، لا فرق..لیقوموا بعدها بحرقه احتجاجا على مصر عفوا على أمریکا، والنتیجة أن ضحک ''بوش'' لأن الأغبیاء أحرقوا أنفسهم وبعبارة أبعد فإن''عزل''مصر أو حرقها لن تستفید منه إلا أمریکا ولا نقصد ''آل مبارک''..فلا تحرقوا مصر فإن نیرانها تکفیها..ولا دخل لشعب مصر المغلوب على أمره فی أفعال"فراعنة العصر الحدیث".

نقول وباصرار ورغم خیانة من کان یفترض أن یکونوا السند، ستبقى المقاومة الفلسطینیة أقوى من الجدار الفولاذی، ولیس فی مقدور أحد کسرها أو النیل منها وما رفض السلطات المصریة طلب جمعیات دولیة ومصریة، تنظیم مسیرة تضامن داخل قطاع غزة تحت شعار ''غزة نحو الحریة'' انطلاقا من أراضیها بمناسبة مرور عام على العدوان الصهیونی على قطاع غزة، إلا دلیل على ترسیخ النظام المصری لموقفه السلبی تجاه القضیة الفلسطینیة ''قضیة کل العرب''، وتخاذله فی الوقوف الى جانب الغزاویین أثناء غزوهم من طرف الصهاینة.

تحیة اجلال واکبار للشرفاء الغیورین على مصالح الأمة والخزی والعار للأعداء ومن سار فی فلکهم, ولعنة التأریخ ستلاحقهم الى یوم یبعثون, فهم لا تأریخ لهم.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141305