الإسرائیلیون إذ یربطون بین التوریث والجدار الفولاذی!
بخلاف ما تدَّعِیه الحکومة المصریة بأن إقامة الجدار الفولاذی على الحدود مع قطاع غزة یأتی لحمایة الأمن القومی المصری، فإن النُّخَب الإسرائیلیة تشیر بشکلٍ واضحٍ إلى أن هذا الجدار یأتی بشکل خاص لخدمة متطلبات الأمن الإسرائیلی فی أبسط صورها، ویرجع الصحفی إلیکیس فیشمان المعلق العسکری لصحیفة "یدیعوت أحرونوت" فکرة الجدار الفولاذی إلى الأیام الأخیرة من الحرب الإسرائیلیة على قطاع غزة، حیث توصَّلت کلٌّ من وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة السابقة تسیبی لیفنی ووزیرة الخارجیة الأمریکیة السابقة کوندالیزا رایس لاتفاق یقضی بالقیام بسلسلة من الإجراءات لمنع تدفق السلاح لحرکات المقاومة فی قطاع غزة، حیث تم الاتفاق على عملیات تسییر دوریات بحریة إسرائیلیة أمریکیة أوروبیة فی عرض البحر المتوسط وحتى فی الممرات المائیة المؤدیة لهذا البحر، سواء فی البحر الأحمر أو فی المحیط الهندی وغیرها.
وینوه فیشمان إلى أنه تم الاتفاق أیضًا على وقف تدفق السلاح عبر الحدود البریة، وضمن ذلک إغلاق الحدود بین مصر وقطاع غزة، الأمر الذی یعنی أنه سیتم إشراک مصر فی منظومة الإجراءات التی تم الاتفاق علیها بین واشنطن وتل أبیب.
ویضیف فیشمان أنه على الرغم من إبداء وزیر الخارجیة المصری أحمد أبو الغیط فی حینه انتقادًا لکل من إسرائیل وأمریکا لأنهما حسما مشارکة مصر فی هذه المنظومة دون الرجوع للحکومة المصریة، إلا أن النظام المصری سرعان ما أبلغ الأمریکیین استعدادَه المطلق للتعاون فی هذا المجال، ویتبین من خلال التعلیقات الصهیونیة على الجدار الفولاذی أن إسرائیل تحصل باستمرار على صور جویة وتقاریر عن العمل فی هذا الجدار. وذکرت صحیفة یدیعوت أحرونوت أوسع الصحف الإسرائیلیة انتشارًا أن صناع القرار العسکری والسیاسی فی إسرائیل یطلعون على هذا التقاریر والصور التی تؤکد "جدیة" المصریین هذه المرة فی سد منافذ تهریب السلاح. ونقلت الصحیفة عن ضابط کبیر فی قیادة المنطقة الجنوبیة فی جیش الاحتلال إعجابَه الشدید بالجهد المصری فی إقامة الجدار، منوهًا إلى أن الطریقة التی یُبنَى بها الجدار تدلِّل على أن الحدیث لا یدور عن مجرد جدار، بل منظومة متکاملة من العوائق المترابطة والمتشابکة والتی تجعل من إمکانیة التهریب تؤول إلى الصفر.
ونوَّه الضابط إلى أن المصریین الذین یقومون بالبناء ینفِّذون فی الواقع مخططًا أمریکیًّا، مشیرًا إلى أن وزارة الدفاع الأمریکیة هی التی أعدت المخطط بشکل کامل، حیث تم تدریب الخبراء المصریین على إقامته، وإن کانت الطواقم المصریة تقوم بإعداده تحت إشرافٍ مباشرٍ من خبراء وزارة الدفاع الأمریکیة وبعض الخبراء الفرنسیین الذین سبق لهم أن أقاموا العدید من الجدر.
واعتبر بن کاسبیت المعلق فی صحیفة "معاریف" ثانی أوسع الصحف الإسرائیلیة انتشارًا أنه لو أقامت إسرائیل جدارًا على غرار الجدار الذی تقیمه إسرائیل على حدودها مع القطاع أو الضفة لما نجح أحد من الفلسطینیین فی التسلل إلى داخل إسرائیل.
وتحت عنوان "هکذا تبنى الجُدُر" کتب رافی إیتنجیر فی صحیفة "إسرائیل الیوم" مقالًا اعتبر فیه الجدار الفولاذی نموذجًا یُحتذى به فی مواجهة الفلسطینیین.
بعض کبار المسؤولین الإسرائیلیین السابقین لم یتورع عن وضع النقاط على الحروف فی کلِّ ما یتعلق بالدوافع التی حدت بمصر للموافقة على الشروع فی هذا المشروع، رغم دلالاته الواضحة.
دوری غولد الذی سبق أن شغل منصب ممثل إسرائیل فی الأمم المتحدة والمستشار السیاسی السابق لرئیس الوزراء الإسرائیلی الحالی بنیامین نتنیاهو، علاوة على علاقاته الوثیقة بدوائر صنع القرار فی واشنطن، یشیر فی مقابلةٍ مع القناة العاشرة فی التلیفزیون الإسرائیلی إلى أن العوامل الداخلیة الخاصة بالنظام المصری کانت حاسمةً فی دفع القاهرة للتعاون مع واشنطن والقاهرة فی إقامة هذا الجدار.
ویشیر غولد بشکل خاص إلى أهم قضیة تؤرق الرئیس المصری حالیًا وهی ضمان انتقال الحکم لنجلِه جمال بسلاسة وبدون مشاکل، ویرى غولد أن مبارک یعتقد أن نجاح هذه الخطوة یتوقف بشکلٍ خاص على تعاون الإدارة الأمریکیة، بحیث أن موافقة الإدارة على ترشیح جمال تعنی بشکلٍ واضح إفساحَ المجال أمام جمال لتولی الحکم بعد حوالی عامین عندما تنتهی ولایة الرئیس مبارک.
وحسب غولد فإن مبارک یرى أن الذی یُقنع واشنطن بتأیید نجله هو التعاون المطلق وغیر المتحفظ من أجل إنجاح منظومة العوائق أمام عملیات تهریب السلاح إلى قطاع غزة، وهناک الکثیر من القراءات الإسرائیلیة التی ترى فی الجدار وسیلةً أخرى من الوسائل لإسقاط حکم حرکة حماس.. تسفی بارئیل معلق الشؤون العربیة فی صحیفة "هآرتس" اعتبر أن إقامة الجدار تمثل "حربًا مفتوحة وغیر مسبوقة" على حرکة حماس، ویضیف بارئیل الذی یتابع الحوارات الفلسطینیة الداخلیة والدور المصری أنه لا خلاف على أن مصر منحازة وبدون أی تحفظ لصالح رئیس السلطة محمود عباس وحرکة فتح وأنها معنیَّة تمامًا بإنجاز اتفاق حوار وطنی یشکِّل مکسبًا لحرکة فتح وعباس بشکل خاص.
ویشیر بارئیل إلى أن مصر استاءت جدًّا من رفض حماس التوقیع على الورقة المصریة للمصالحة، على اعتبار أن هذه الورقة تمیل لصالح حرکة فتح، وهو ما ضاعف من تصمیم الحکومة المصریة على إیذاء حرکة حماس عبر محاولة سحب ما فی جعبة قطاع غزة من أوکسجین تمثله الأنفاق بالنسبة لقطاع غزة. ولا خلاف بین جمیع المراقبین فی إسرائیل على أن إقامة الجدار تدلل بشکل لا یقبل التأویل على حجم الکراهیة التی تنظر بها مصر لحرکة حماس. وقال عاموس جلبوع رئیس قسم الأبحاث الأسبق فی جهاز الاستخبارات العسکریة الإسرائیلیة إن إقامة الجدار یجب أن یشکل درسًا لصناع القرار فی إسرائیل ویجب أن یحثَّهم على مضاعفة حربهم ضد الفلسطینیین. وفی مقال نشره فی صحیفة معاریف تساءل جلبوع: "عندما تقوم الدولة العربیة الأکبر بخنق الفلسطینیین على هذا النحو، لماذا یتوقع منا أحد أن نتعامل برفقٍ معهم؟ هل یجدر بنا أن نکون ملوکًا أکثر من الملک؟ العرب یخنقون العرب، لماذا لا نتعلم هذا الدرس؟!".
أما یسرائیل هارئیل المدیر الأسبق مجلس المستوطنات الیهودیة فقد کتب مقالًا فی صحیفة "نکوداة" الناطقة بلسان المستوطنین انتقد فیه بشدة الأداء الإعلامی للحکومة الإسرائیلیة لأنها لا تدیر سیاسة إعلامیة ناجحة فی وجهة الاتهامات لإسرائیل بأنها تقوم بمحاصرة الفلسطینیین.
وأضاف قائلًا: "واضح لکل من له عینان فی رأسه أن الذی یقوم بمحاصرة الفلسطینیین وتجویعهم ومحاولة قتلهم هم المصریون ولیس إسرائیل، هذا ما یتوجب أن نقوله للعالم بدون خجل ومواربة، لماذا ندفع نحن ثمن ما یقوم به النظام المصری، هذا ما یتوجب أن نوقفه وبسرعة".
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS