الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

العامل الإسرائیلی فی تأزیم الملف الإیرانی

 

استلمت وکالة قدسنا التحلیل التالی من الاستاذ صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن :

 

یشهد الملف الإیرانی من جدید تصعیداً فی درجة سخونته بسبب تعثّر الاتفاق بین الدول الغربیة وإیران على کیفیة تخصیب الیورانیوم الإیرانی ومدى النسبة التی ستسمح طهران بتصدیرها خارج أراضیها. ویأتی هذا التصعید فی التصریحات والمواقف، کما فی التسریبات الإعلامیة عن استعدادات عسکریة لمواجهات محتملة على أکثر من جبهة، لیعید طرح السؤال الهام عن مدى إمکانات التوافق أو الحرب مع إیران.

العامل الإسرائیلی هو مهم جداً فی هذه الأزمة بین الغرب عموماً، وواشنطن خصوصاً، وبین طهران. ففی منطقة الشرق الأوسط تقف إسرائیل وحدها على ترسانة أسلحة نوویة کبیرة، ترسانة لا یعیر الغرب أی اهتمام لمخاطرها فی المنطقة بینما یمنع "الغرب" من امتلاک السلاح النووی أی دولة عربیة أو إسلامیة فی المنطقة. ولا قیمة أصلاً للحجّة التی یقوم علیها هذا الموقف الغربی بأنّ إسرائیل هی دولة دیمقراطیة حلیفة یمکن الوثوق بها. فکثیرٌ من بلدان الشرق الأوسط یرتبط بعلاقات خاصة مع أوروبا والولایات المتحدة ولا یُسمح لهذه البلدان بامتلاک السلاح النووی. ولعلّ خیر مثال على ذلک هو ترکیا التی ترتبط بحلف الناتو، وفیها نظام علمانی دیمقراطی، لکن یمنعها الغرب بالرغم من ذلک من دخول عضویة "النادی النووی"!.

العامل الإسرائیلی یضغط الآن لتحقیق مواجهة عسکریة مع إیران. ففی حال حدوث هذه المواجهة تستکمل إسرائیل ما حققته حتى الآن من "إنجازات" بعد 11 سبتمبر 2001 تحت شعار "الحرب على الإرهاب الإسلامی". فإسرائیل تحصد دائماً نتیجة أی صراع یحدث بین "الغرب" و"الشرق" وبما یُعزّز دور إسرائیل بالنسبة للدول الغربیة الکبرى وفی مقدّمتها الولایات المتحدة، والحاجة الأمنیة لها.

إنّ المواجهة العسکریة بین الغرب وإیران ستؤدّی إلى تدمیر کبیر لدى الطرفین معاً، وستکون ساحاتها ممتدّة أیضاً إلى العدید من المدن العربیة، وستطال کوارثها الثروات النفطیة والمالیة العربیة، وستدفع نتائجها إلى مغادرة القوات الأمریکیة للمنطقة، وإلى حصر الاعتماد الأمریکی من ثمّ على القوة العسکریة الإسرائیلیة.

کذلک، فإنّ من شأن تصعید الأزمة مع إیران والمواجهة العسکریة لها أن یوجد مناخاً من الصراعات الداخلیة فی عدّة بلدان عربیة، ممّا یُشعل حروباً أهلیة عربیة وإسلامیة تفکّک أوطاناً وتدعم المشروع الإسرائیلی للمنطقة العامل على إقامة دویلات طائفیة وعرقیة تحکمها الإمبراطوریة الإسرائیلیة الیهودیة.

أیضاً، فی الحسابات الإسرائیلیة أنّ إسرائیل ستتعرّض إلى ضربات عسکریة من إیران وحلفائها بالمنطقة لکن ستکون إسرائیل الأقل ضرراً عسکریاً واقتصادیاً ومالیاً، والأکثر فائدة سیاسیاً وإستراتیجیاً، مع بقاء الکیان الإسرائیلی موحداً بل أکثر قدرة على تعزیز الاستیطان فی الأراضی المحتلة وممارسة التهجیر القصری للفلسطینیین من داخل إسرائیل ومن الضفة، وربما للضفة الشرقیة من نهر الأردن حیث هو مشروع الطغمة الحاکمة فی إسرائیل الآن للوطن الفلسطینی البدیل.

إنّ الصراع الأمریکی مع إیران استقطب فی المرحلة السابقة الأطراف العربیة بشکل حاد، وفی هذا الصراع حصلت استباحة لکلّ الأسالیب بما فیها أسلوب التعبئة الطائفیة والمذهبیة، واستخدام وسائل الإعلام وتجییش الأقلام لصالح هذا الطرف أو ذاک.

بالمحصّلة، فإنَّ بعض الأطراف العربیة، ولمصالح مختلفة، أصبحت أدوات صراع، وبلدانها مرشحة لتکون هی ساحات لهذا الصراع! لکن هل "القضایا" الإقلیمیة المتصارَع علیها هی قضایا "أجنبیة" لا تخصّ العرب ولا تعنی شعوبهم وحکوماتهم؟!

فالقضیة العراقیة تعود جذورها إلى الحرب التی أعلنها النظام العراقی السابق على إیران بعد الثورة على نظام الشاه، وإلى نظریة "الاحتواء المزدوج" التی مارستها واشنطن فی إدارات مختلفة، ودعم إدارة ریغان فی وقتٍ واحد للحکم العراقی ولصفقات أسلحة مع إیران لاستنزاف الطرفین معاً. ثم جاءت تفاعلات غزو دولة الکویت بما فی ذلک وجود قوات أمریکیة کبیرة فی المنطقة قبل احتلال العراق عام 2003.

والقضیة الفلسطینیة أوجدها الاحتلال الإسرائیلی المدعوم أمریکیاً وأوروبیاً منذ اغتصاب فلسطین وقیام دولة إسرائیل، ممّا أوجب وجود مقاومة فلسطینیة لهذا الاحتلال فی مختلف الظروف والمراحل التی مرت به القضیة الفلسطینیة.

والقضیة اللبنانیة هی مرآة للأوضاع العربیة وللصراع العربی/الإسرائیلی، وهی فی جزء کبیر منها حصیلة الاحتلال الإسرائیلی للبنان عام 1978 ثمّ فی العام 1982 وقبل أن یکون هناک أی "نفوذ" سیاسی إیرانی فی لبنان.

ما هو "أجنبی" أو "مفتعَل"، هو الصراع السیاسی باسم المذاهب أو باسم الدین، تماماً کما کانت الحروب "الصلیبیة" والتی حرص العرب والمسلمون على وصفها بحروب "الإفرنج" ولم یقبلوا بالتسمیة الأوروبیة لها بأنّها "حروب صلیبیة".

إنّ مجلس الأمن، الذی یجتمع مراراً لدراسة عقوبات جدیدة على إیران رغم أن الوکالة الدولیة للطاقة الذریة ما زالت تؤکّد على ما تقوله طهران عن سلمیة برنامجها النووی، لا یجتمع "هذا المجلس" للتعامل مع تداعیات الخطر النووی الإسرائیلی أو لبحث "المسألة الفلسطینیة"، ولا اجتمع فی السنوات الماضیة لتقریر مصیر "المسألة العراقیة"، فکلتاهما تحت "وصایة" أمریکیة مباشرة، والاحتلال لا یُبحَث فی مجلس الأمن! فالقاسم المشترک بین "المسألتین" أنَّ المحتل الإسرائیلی یرفض تنفیذ قرارات لمجلس الأمن وللأمم المتحدة، والمحتل الأمریکی للعراق رفض أصلاً فی العام 2003 العودة إلى مرجعیة مجلس الأمن قبل إقرار الغزو العسکری!!

نعم، "المسألة الإیرانیة" هی أساس لإدارة أوباما بشأن العراق، وأفغانستان المجاورة لإیران، ولمصیر الصراع العربی/الإسرائیلی وما قد یترتّب على تجاهله من نتائج سلبیة کبیرة على العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط کلّها...

نعم، إدارة أوباما لن ترتکب حماقة لم ترتکبها إدارة بوش رغم سمة الحماقة التی تمیزت بها الإدارة السابقة، ورغم الضغوط الإسرائیلیة..

نعم لکل ذلک، لکن العرب تحدیداً أمامهم خیار لن یخرج عن أحد أمرین: إمّا التضامن القومی والتوحّد الوطنی ووضع رؤیة عربیة مشترکة للتعامل مع کل القوى الدولیة والإقلیمیة المعنیة بالمنطقة، أو الدخول فی "اللعبة الإسرائیلیة" وما فیها من شرذمة فتّاکة للشعوب والکیانات والثروات!

ن/25


| رمز الموضوع: 141324







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)