qodsna.ir qodsna.ir

طریق الموساد مفتوحة إلى العواصم العربیة

 

لقد کان قتلة شهید المقاومة الفلسطینیة محمود المبحوح فی دبی فی التاسع عشر من کانون الثانی/ ینایر الماضی یحملون جوازات سفر أوروبیة ستة منها بریطانیة وثلاثة ایرلندیة وجوازی سفر ألمانی وآخر فرنسی، وسواء کانت هذه الجوازات مزورة أو مسروقة أو حقیقیة فإنها فی کل الأحوال تعید إثارة السؤال المتکرر حول ما ینبغی على الدول العربیة عمله حیال جیش من جواسیس دولة الاحتلال الإسرائیلی الذین یصولون ویجولون فی عواصمها أو یتسللون إلى مفاصلها العسکریة والأمنیة والاقتصادیة والسیاسیة بصفة خبراء ومستشارین أجانب متسترین بالجنسیة المزدوجة لیجمعوا من المعلومات عنها قدرا بالکاد تعرفه النخب فیها.

 

قبل حوالی عشرة أیام ثار جدل فی إدارة صحیفة النیویورک تایمز الأمیرکیة حول إبقاء رئیس مکتب الصحیفة فی القدس المحتلة، إیثان برونر، على رأس عمله بعد أن التحق ابنه بالخدمة فی جیش دولة الاحتلال للتدریب لمدة سنة ثم للخدمة العسکریة الفعلیة لمدة ستة أشهر قبل أن یلتحق بجامعته فی الولایات المتحدة. وفی انتخابات الرئاسة الأمیرکیة الأخیرة قدرت الأسوشیتدبرس عدد الأمیرکیین الذین یعیشون فی إسرائیل، ومنهم على سبیل المثال رئیس بلدیة مستعمرة آرییل الاستیطانیة قرب نابلس فی شمال الضفة الغربیة، بأربعین ألف ناخب مسجل. وقدر تقریر نشرته صحیفة القدس المقدسیة على صفحتها الأولى قبل أیام عدد مواطنی دولة الاحتلال الإسرائیلی الذین یحملون جنسیة مزدوجة بحوالی ثلاثمائة وخمسین ألفا أغلبیتهم تحمل جوازات سفر غربیة أمیرکیة وأوروبیة. وسواء کثر هذا العدد أم قل فإنه بکل المقاییس یمثل احتیاطیا ضخما لتجنید الجواسیس المؤهلین لاختراق الأمن الوطنی والقومی العربی.

إن التنسیق الأمنی مع دولة الاحتلال والتطبیع السیاسی وغیر السیاسی معها لیسا ظاهرتین فلسطینیتین فقط، لکن الجدل الفلسطینی- الفلسطینی الساخن الدائر حولهما یکاد یکون ساترا دخانیا یغطی على اتساع الظاهرتین عربیا مع الدول التی وقعت أو أبرمت معاهدات أو اتفاقیات سلام أو تبادل تمثیل تجاری معها، بحیث أصبحت الظاهرتان فی بعدهما العربی احتیاطیا جدیدا یسهل عملیات إرهاب الدولة التی تنفذها أجهزة استخبارات دولة الاحتلال لاغتیال قادة المقاومة الفلسطینیة خارج القانون وفی انتهاک صارخ حتى لمعاهدات الصلح وتفاهمات التطبیع فی الدول العربیة المضیفة لهم، کما أثبتت جریمة اغتیال المبحوح مؤخرا.

لا بل إن هذا التنسیق الأمنی والتطبیع السیاسی وغیر السیاسی العربی قد تحول إلى قاعدة لاختراق الأمن الوطنی للدول العربیة التی لم تتعاهد أو تتفاهم على الصلح مع دولة الاحتلال الإسرائیلی، کما أثبت اغتیال القیادی فی حزب الله اللبنانی عماد مغنیة فی العاصمة السوریة عام 2008.

أما الاحتیاطی الثالث الذی یسهل الاختراق الإسرائیلی لأمن الدول العربیة فیتمثل فی العلاقة الاستراتیجیة الوثیقة بین دولتی الاحتلال الإسرائیلی والأمیرکی، فحیثما توجد أمیرکا یتسلل جواسیس إسرائیل مزدوجو الجنسیة، وحیثما یوجد الجندی الأمیرکی یوفر المظلة الطبیعیة للحاق هؤلاء الجواسیس به، والاختراق الإسرائیلی للعراق تحت مظلة الاحتلال الأمیرکی ذو أدلة وافرة غنیة عن البیان.

وقد تحولت "عملیة السلام" العربیة– الإسرائیلیة التی ترعاها الولایات المتحدة منذ توقیع اتفاقیة کامب دیفید المصریة مع دولة الاحتلال الإسرائیلی إلى احتیاطی إسرائیلی رابع لاختراق الأمن العربی.

فعلى الصعید الرسمی تکفی مراجعة الشروط السیاسیة المرتبطة بالمعونات الخارجیة الأمیرکیة والأوروبیة للدول العربیة التی تتلقى هذه المعونات، أو شرط المدخل الإسرائیلی لفتح الأسواق الأمیرکیة أمام صادرات المناطق الصناعیة المؤهلة " QIZ" فی الأردن ومصر، لمعرفة مساحة التطبیع الاقتصادی التی تفتح الأبواب العربیة أمام الاختراق الأمنی لدول الاحتلال الإسرائیلی.

وعلى الصعید الشعبی تتکاثر کالفطر معسکرات ومخیمات التطبیع للشباب دون سن الثامنة عشرة مثل مخیمات "بذور السلام" السنویة حیث "یتعایش" فیها لأسابیع "شبیبة إسرائیلیون"- سرعان ما یغادرونها ذکورا وإناثا للالتحاق بالخدمة العسکریة الإجباریة أو بأجهزة التجسس والاستخبارات- وفلسطینیون- یحظر علیهم حمل سکین خشیة أن یهددوا "السلام"- وأردنیون ومصریون وغیرهم فی غیاب أی رقابة أو توعیة أمنیة للشباب العربی المشارک فیها.

عندما انکشف ساتر الجنسیة المزدوجة لمن حاولوا اغتیال خالد مشعل، رئیس المکتب السیاسی لحرکة المقاومة الإسلامیة "حماس" فی العاصمة الأردنیة عام 1997، وکانوا عشرة من عناصر الموساد دخلوا الأردن بجوازات سفر کندیة، فإنهم لم یترددوا فی کشف هویاتهم الحقیقیة للاحتماء بمعاهد الصلح المنفردة التی وقعها الأردن مع دولتهم، لیسارع اثنان منهم ألقى الأمن الأردنی القبض علیهما إلى الکشف عن جنسیتهم الحقیقیة بینما فر أربعة آخرون إلى سفارة دولة الاحتلال فی عمان لیکشفوا بذلک حقیقة انتمائهم.

إن غضبة دبی الحالیة لانتهاک سیادة دولة الإمارات العربیة التی قادتها إلى مطالبة "الإنتربول" بإصدار مذکرة لاعتقال رئیس جهاز الموساد تذکر بغضبة الأردن التی أجبرت الولایات المتحدة للضغط على ربیبها الإسرائیلی لتزویده بالتریاق الذی أنقذ مشعل وللإفراج عن الشهید الشیخ أحمد یاسین، لکن مثلما لم تتمخض جریمة محاولة اغتیال مشعل عن أی أزمة فی العلاقات الأردنیة الکندیة، فإن جریمة اغتیال المبحوح لن تقود على الأرجح إلى أی أزمة فی علاقات دولة الإمارات العربیة التی وقعت الجریمة فوق أرضها مع الدول الأربع التی حمل مرتکبو الجریمة جوازات سفرها، وسط رأی عام عربی وفلسطینی ساخط لم یعد یرى فی استدعاء سفراء دولة الاحتلال لدى الدول المعنیة سوى إجراء بروتوکولیا لامتصاص الغضب الشعبی العربی حتى تمر العاصفة لتعود حلیمة الإسرائیلیة بعدها إلى ما اعتادت علیه.

إن تبجح وزیر خارجیة دولة الاحتلال، أفیغدور لیبرمان، بأنه لن تنجم أیة مشاکل دبلوماسیة عن تورط الموساد یعطی الانطباع بأن دولته سوف تکرر جریمتها وهی محصنة ضد أی مضاعفات سیاسیة، وهذا فی حد ذاته سبب کاف لکی تدرک الدول العربیة بأن الوقت قد حان لکی تتحرک أیضا فی الاتجاه الآخر.

فأمیرکا وأوروبا لن تضغطا على دولة الاحتلال الإسرائیلی لکی تتوقف نهائیا عن تکرار اختراقها للأمن العربی عبر "الجنسیة المزدوجة" إلا إذا اتخذت الدول العربیة إجراءات أمنیة حازمة تعید النظر فی التسهیلات المقدمة لدخول الأمیرکیین والأوروبیین إلیها، وهی تسهیلات یحسدهم علیها المواطنون العرب. وربما یکون مثالا یقتدى به الحزم الذی أبدته لیبیا خلال أزمتها الأخیرة مع سویسرا عندما وسعت الأزمة لکی تشمل کل الدول لأوربیة الأعضاء فی "الشینجن" مما أثار موجة احتجاجات أوروبیة ضد سویسرا، لا ضد لیبیا.

وکون رئیس وزراء دولة الاحتلال الإسرائیلی الحالی، بنیامین نتنیاهو، الذی صادق على اغتیال المبحوح هو نفسه الذی جرت فی عهده السابق محاولة اغتیال مشعل هو حقیقة تنذر بالمزید من عملیات الاغتیال وانتهاک سیادة الدول العربیة کسیاسة رسمیة لحکومته وتستحق أن تکون بندا فی جدول أعمال القمة العربیة المقبلة فی لیبیا یناقش فیه القادة العرب أیضا ما ینبغی على وزراء داخلیتهم عمله حیال الجنسیات المزدوجة التی یحملها مواطنو دول صدیقة لهم إضافة إلى جنسیة دولة من المفترض أنها ما زالت "معادیة" لهم!.

ن/25


| رمز الموضوع: 141332